في السادس من سبتمبر، تمر علينا ذكرى الضربة التي صفعت أمن إسرائيل ومنظومتها الأمنية التي لطالما تغنت وتعالت بها على مدار سنين طويلة.
صباح يوم السادس من أيلول 2021، لم يكن صباحاً عادياً للفلسطينيين؛ فقد استيقظ الشعب الفلسطيني به على خبر انتزاع ستة أسرى بواسل حريتهم من أكبر سجون العالم أمناً وحراسةً على حد زعم الاحتلال الهزيل.
الأسير الصلب محمود عارضة وهو قائد العملية وصاحب فكرة انتزاع الحرية من جنين التي أذاقت الاحتلال الويلات والأسير محمد عارضة والأسير يعقوب قادري والأسير أيهم كممجي والأسير مناضل نفيعات والأسير المِقدام زكريا الزبيدي، هم ستةُ أسرى من بينهم أربعةٌ أصدرت بحقهم محاكم الاحتلال العسكرية حكما بالسجن مدى الحياة لم يكن أمامهم ما يخسرونه.
عملية انتزاع الحرية، بدأت بحفر نفقٍ من حُجرَة المرحاض الموجودة بزنزانة غرفة السجن وما ساعدهم على ذلك أن فتحته الخارجية تقع تحت برج حراسة السجن الهشة، وبعد انتهاء عملية الحفر وتنظيم سير العملية وتوفر الظروف الملائمة وتغيير الأسرى لملابسهم عزموا على الخروج عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
معلقةٌ حديدية وإصرارٌ جمٌ، وإيمانٌ مطلقٌ بأن الحرية تنتزع انتزاعاً ولا تستجدى من أحد هذا كل ما كان يملكه أبطالنا الستة خلال حفرهم النفق بداخل السجن أو لنضع الحروف بمكانها الصحيح سنسميهِ جِسرُ الحرية.
بِدء المُلاحقة:
كان الاشتباه باختفاء أحد الأسرى عند الساعة 1:49 أي بعد خروجهم بـ 50 دقيقة عقب قيامِ مستوطن بببلاغٍ يدور حول رؤيته شخص بين الحقول وبعد دقائق وصلت قوات الاحتلال للمكان لتفتشه ومن هنا بدأت رحلة المطاردة للأسرى الستة خاصة بعد عدة بلاغات عن وجود تحركات غريبة بالمنطقة المحيطة للسجن.
قوات الاحتلال، بدأت بالبحث بالتعاون مع جهاز الشاباك وجهاز الأمن العام وجيش الاحتلال المهزوم الذي قام بنشر كتيبتين وعدة فرق استطلاع وقوات خاصة وجوية، دولة بمكوناتها الأمنية والعسكرية وقفت كلها للبحث عن أسرانا الستة الذين استطاعوا أن يكسروا الحصن الاستخباراتي والأمني للاحتلال بأدوات بسيطة.
البحث متواصل ووضع نقاط عسكرية كثيفة محيطة بمدينة جنين مستمرٌ أيضاً وذلك اشتباها بأن يتوجه الأسرى الستة نحو عش الدبابير ما سيخلق صداماً مُبَجل مع مقاتلي المدينة للوصول إليهم فكل الأسرى كانوا من جنين كما شملت عمليات بحث عسكرية بمحيط المدينة من قوات إسرائيلية خاصة.
200 حاجز عسكري نصبت على الطرق ونقاط تفتيش لا تعد في جميع أنحاء البلاد وصلت لحدود غزة خوفاً من تمكنهم من الوصول الى القطاع والدخول إليه ما سيشكل ضربةً حاسمة.
بعد مرور أربعة أيام على استنشاق الأسرى للحرية وتجولهم في البلاد المحتلة ووقوف الاحتلال وقواته على قدمٍ واحدة للوصول إليهم، وفي مساء العاشر من سبتمبر أعلنت إذاعة جيش الاحتلال تمكنهم من اعتقال أسيرين وهما يعقوب قادري ومحمود عارضة.
وفي صباح الحادي عشر من سبتمبر عام 2021 أعتقل زكريا الزبيدي ومحمد عارضة في شمال البلاد المحتلة واستمرت المطاردة للأسيرين أيهم كممجي ومناضل نفيعات حتى صباح التاسع عشر من ذات الشهر في مدينة جنين.
اعتقد الاحتلال أنه باعتقاله لهم سيحقق الهدوء للمنطقة إلا أن التوتر قد ساد سجون الاحتلال فالأسرى انتفضوا واندلعت مواجهات مستمرة وأشعلت النيران بعدد من الزنازين وتم استدعاء وحدة متسادا ووحدة العمليات الخاصة لدى مصلحة السجون للتعامل والسيطرة على الوضع والبحث عن أي عيوب أو منافذ من مهندسين مختصين للوقوف في وجه أي محاولةِ صنع جسرِ حريةٍ آخر من داخل الزنزانة.
أقدم العدو على وضع الأسرى بعزل انفرادي بظروف صعبة وقاسية وتنكيل مستمر بهم وحرمانهم من العناية الطبية لكسر جبروتهم وعقاباً لهم على ما فعلوه، ويقول مهندس عملية نفق جلبوع الأسير محمود العارضة: "نحن في العزل الانفرادي نسير على الجمر دون أن نخاف الحرق، قلوبنا تتألم لتحرير فلسطين، نطالب بالحرية وسنحصل عليهاً قريباً رغم أنف العدو".
وبالتزامن مع إعادة اعتقال أسرانا الستة أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس أن أي عملية تبادل للأسرى لن تتم إلا بوجود أسرى نفق الحرية الستة على رأس الصفقة وقد صرح الناطق باسم القسام أنه "إذا كان أبطال نفق الحرية حرروا أنفسهم هذه المرة من تحت الأرض، فإننا نعدهم ونعد أسرانا الأحرار بأنهم سيتحررون قريبًا بإذن الله من فوق الأرض".
نهايةً.. لطالما رددنا منذ الصغر أن أبواب السجون لن تغلق للأبد فالفلسطيني بارعٌ في انتزاع حريته وخلق حالة إرباكٍ مستمرة للعدو بأقل الإمكانيات فمن كان يعتقد أن ملعقة حديدية وبضع أدوات بسيطة ستصنع المعجزات.