نابلس المحتلة - خاص شبكة قُدس: ليلة حافلة بالاشتباك شهدتها حارة الياسمينة في البلدة القديمة بمدينة نابلس، أعادت للناس وللبلدة صورة غابت منذ زمنٍ بعيد، وجددت ميثاق الدم والاشتباك الذي وقع في نفس المكان قبل 26 عاماً، فاستعادت البلدة حالة المقاومة ورفعت حدتها في المواجهة الأخيرة التي وقعت قبل أيام.
يقول أحد سكان الحي، والذي كان قد شهد الاشتباك الذي وقع عام 1994، واشتباك الأسبوع الماضي، لـ"شبكة قدس" إن المشاهد تكاد تكون متطابقة، ففي 11 من تموز عام 1994 حاصرت الوحدات الخاصة الإسرائيلية منزلاً مهجوراً يعود لعائلة جاد الله في الحارة بعد منع التجول عن البلدة القديمة وتحليق الطيران المروحي، حينها بدأ جنود الاحتلال بالمناداة بمكبرات الصوت على المطاردين لتسليم أنفسهم.
ويضيف "كان بداخل المنزل الشهيد علي عاصي والشهيد بشار العامودي، وكان الاحتلال يطاردهما منذ مدة طويلة، حيث دارت معركةً ضد جيش الاحتلال لا تقل شراسةً عن المعركة التي خاضها المقاومون قبل أيام، فدار اشتباك عنيف استمر لساعاتٍ وانتهت المعركة باستشهادهما بعد قصف المنزل الذي يتحصنان فيه بالصواريخ، فيما نجح يحيى عياش من الخروج سالماً من البلدة ليكمل مسيره في درب المقاومة كما خرج إبراهيم النابلسي بعد المعركة ممتشقاً سلاحه بين أهالي البلدة القديمة.
ويتابع قائلا: ليلة استشهاد عبود صبح محمد والعزيزي كانت ليلة من ليالي الاجتياح. بدأت المواجهة بإطلاق نارٍ كثيف دون معرفة سببه تبين فيما بعد أنه اشتباك ضد جنود الاحتلال واستمر لفترةٍ من الزمن، تخلل ذلك تحليق الطائرات المسيرة فوق منازل البلدة على إرتفاعٍ قريب حتى تم قصف أحد المنازل بالصواريخ ليرتقي الشابين صبح والعزيزي.
وعن وجه الشبه بين الحالتين يقول: وقعت المعركة في ذات المكان في حارة الياسمينة ورفض المقاومون تسليم أنفسهم كما فعل ذلك العامودي وعاصي عام 1994 وقاتلوا حتى الشهادة كما فعل محمد وعبود حتى عجز جنود الاحتلال عن الوصول إلى المقاومين ليقصفوا الحارة بالصواريخ كما حدث عام 1994، فما أقرب الصورتين من بعضهما رغم الفارق الزمني بينهما.
ويوضح أن طبيعة البلدة القديمة الجغرافية الجغرافية ونمطها المعماري في البناء ساعد في تحصن المطاردين بداخلها والمكوث بها، وحتى صعوبة دخول جنود الاحتلال إليها والتحرك بها، فزاد ذلك من رمزيتها كحاضنة مُقاوِمة.
أما عن الفارق بين الحدثين فيتلخص كثافة نيران المقاومين وزيادة عددهم إضافةً لكثافة النيران الموجهة ضد جنود الاحتلال، فيما بقيت البلدة القديمة عامةً "والياسمينة خاصةً حاضنة للمقاومين والمطاردين على مدار عقودٍ من الزمن، ففي عام 2002 أو ما يُعرف بالاجتياح الكبير كانت البلدة القديمة رمزاً للمقاومة والوحدة وشدة المواجهة، فاجتمع بها المقاومون من كل الفصائل وحتى من مناطق جغرافية متعددة من خارج مدينة نابلس، وشهدت البلدة عدة عملياتٍ عسكرية وعمليات حصارٍ وتضييق خلال سنوات انتفاضة الأقصى حتى عام 2007، وارتقى في أزقتها العشرات من الشهداء مجسدين معاني الوحدة والمقاومة، لذلك ما زالت البلدة معقلاً من معاقل المقاومة مع اتساع رقعة المواجهة والاشتباك في الضفة الغربية وكثافتها في مدينتي نابلس وجنين.
هكذا وبعد مرور 26 عاماً أعادت المقاومة الفلسطينية معادلة الاشتباك التي حاول الاحتلال كسرها وفشل في ذلك فزادت حالة المقاومة في نابلس، فعادت البلدة القديمة إلى مكانتها التي كانت عليها قبل سنين عدة، وفي ذات المكان الذي احتضنت به مقاومين كبار في تاريخ الصراع، احتضنت مقاومي ومطاردي اليوم، ليبقى خيار البندقية هو الخيار الأصيل للفلسطيني الذي يدافع عن حقه، ويبقى الرصاص هو لغة الحوار الوحيدة مع الاحتلال.