إن موقف الإجماع الوطني والشعبي الرافض لزيارة رأس الشر الامبريالي الرئيس الأمريكي "جو بايدن " إلى فلسطين والمنطقة، والمُتمثل في المواقف والبيانات والأنشطة والفعاليات لمجموع القوى والأحزاب والاتحادات والجمعيات الشعبية والشبابية والنقابية والطلابية والشخصيات والنشطاء والمثقفين الفلسطينيين والعرب من محيطه لخليجه، يُشكّل استجابةً هامةً للإرادة الشعبية العربية المقاومة لكل أشكال التبعية وهرولة القوى الرجعية إلى مستنقعات العبودية التي تحاول الامبريالية الأمريكية الترويج لها تطبيعاً مع كيان الارهاب الصهيوني، أو من خلال خلق الأحلاف العدوانية الهادفة لتشكيل شركة حراسة أمنية متعددة الجنسيات تعمل بالسخرة لسرقة موارد الأمة وحماية المصالح الامريكية بدماء أبناء العرب وجنودهم، وقمع إرادة الشعوب العربية بالحرية والاستقلال والخلاص من التبعية والاستعمار الذي دحرته هذه الامة الحية بنضالها جولة تلو أخرى، ليعود من بوابات اشتراطات البنك الدولي والإرهاب الاقتصادي وشراء الذمم والتحالفات المعلنة وغير المعلنى مع قوى الرجعية.
ويأتي ذلك بعد أن استنزفت الشعوب بمقاومتها الوجود والهيمنة والسيطرة الأمريكية المباشرة بكل منطقة وطأتها أقدام جنود أمريكا وشركات أمنها، وباتت قاعدة إرهابها الرئيسية المتمثلة بالكيان الصهيوني يأكلها من الداخل الأزمات الوجودية المتفاقمة بفعل ضربات المقاومة، وصمود شعبنا الفلسطيني في أرضه وتنامي قوى المقاومة ومحورة، وفي ظل الأزمات المستعصية لهذا الكيان السياسية والبنيوية والتي جعلت من العدو الأمريكي يُهرول للمنطقة لإنقاذها، وتوجيه رسائل مشتركة عبر الإعلان عن إعلان استراتيجي لتطمين هذا الكيان الهش.
حاول المشروع الاستعماري، قلب القيمة الإيجابية للتنوع الطائفي والاثني لشعوبنا العربية، وتحولها من صورة حضارية للأمة لأسلحة دمار شامل استخدمتها الامبريالية العالمية للاجهاز على وحدة الأمة وأمنها القومي وسلمها الأهلي ونضالاتها التحررية، وأداةً لسرقة مواردها والاستيلاء على ثروات الأجيال القادمة، والاجهاز على قضيتها المركزية التي توحد خلفها الكل العربي، متجاوزاً كثير من الاصطفافات، ومُشكّلاً جسراً تعبير به الأمة العربية هوة التمزيق والتشتت.
لم يكن الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية ما بين الكيان وإدارة بايدن من قلب القدس المحتلة سوى تعبير عن حقيقة العدوان والأهداف الاحتلالية الامبريالية الأمريكية المستمرة منذ أن ورث المستعمر الأمريكي قيادة المشروع الاستعماري خلفاً للاستعمار القديم، وهو ما يظهره اختيار المنظومة الاستعمارية الإعلان عن تحالف عدوانها من أرض القدس المحتلة في تحدٍ سافرٍ لإرادة الشعوب على غرار ما اتبعته الامبريالية عبر تاريخها من مساعي القهر المعنوي للشعوب، أو اختلاق العداوات الوهمية بينها وتسليطها على بعضها كوقود للحرب الاستعمارية.
إيران الشاه التي حاربت الثوارت العرب في اليمن وعمان والبحرين، وعادت الشعب الفلسطيني، وتحالفت مع الكيان الصهيوني، كانت صديقة للأنظمة الرجعية العربية بالخليج، بل حليفاً في مواجهة ثورات شعوبهم، أما إيران الثورة على الهيمنة الامريكية، والجوار الجغرافي والشريك لأمة العرب وكل شعوب المنطقة في معركته مع الغزو الاستعماري، تلك التي يحاول الأمريكي وحلفائه من أنظمة وقوى رجعية تصويرها كعدو ومهدد للأمن القومي العربي، استبدال للعدو المركزي الصهيوني، لمجرد أن الثورة الإسلامية فيها صححت مواقع تموضعها وعبرت عن إرادة شعبها وموقفه من المنظومة الاستعمارية، فقطت علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وحَولّت سفارة عدوانه وارهابه لسفارة فلسطين، ووقفت خلف الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة بالجنوب اللبناني بنضاله الوطني التحرري، كما في فلسطين حاضراً.
ايران اليوم فعلاً كما كل قوى المقاومة في المنطقة عدو تستهدفه هذه النظم الرجعية، وتحاصرها قوى الاستعمار، وتسعى لتحطيمها وتفتيتها، لأنها انتصرت لشعبها وأزاحت الشاه عن الحكم واستعادت ثرواتها ومواردها من شركات النهب الأمريكي والفرنسي والبريطاني، وجعلت من القدس و عدائها المعلن لكيان الإرهاب الاستيطاني الصهيوني محورا لتحالفاتها وسياساتها.
إذن القضية يا سادة تختصر في معادلة من حدين، إما عدو للكيان الصهيوني صديق للشعب الفلسطيني شريك لنضالاته، وعليه أنت عدو لأمريكا وقوى وأنظمة الرجعية العربية تجتمع ضدك الأحلاف وتأتمر القمم العدوانية، أي كان مذهبك أو طائفتك أو جنسيتك أو ديانتك، أو صديق لهذا الكيان الصهيوني حارس لأمنه صديق وتابع ذليل لأمريكا وقوى وأنظمة الرجعية العربية، التي لا ترى مسار لبقائها الا بضمان أمن ووجود الكيان الصهيوني ومعانقة المصالح الاستعمارية. إن على رأس المهداف الأمريكي من هذا الحلف، هي قضية فلسطين وشعبها ومقاومتها، بما تمثله من ركن محوري مادي ومعنوي في مقاومة الشعوب ضد الغزو الاستعماري، وطالما الهدف فلسطين فالمستهدف الامن القومي العربي، وسلم وامن شعوب الامة والمنطقة، ومقومات نهوضها الحضارية، وكل ما ناضلت لأجله قوى التحرر القومي والديمقراطي العربي، الهدف هو الحلم العربي بمستقبل أفضل تسود فيه إرادة الشعوب ووحدتها، وتتحقق التنمية والعدالة.
من هنا كان لهذا التحرك العربي الشعبي أهمية خاصة في صناعة الوعي، وترميم مفهوم الأمة لطبيعة عدوها وحقيقته في مواجهة حروب التضليل وتزييف الوعي ومشروع لاستعادة فلسطين بما ترمز إليه نضالياً في مواجهة الاستعمار، كخشبة نجاة للأمة من حروب التدمير الذاتي.
هذا يستوجب من كل الأحرار العرب من قوى وحركات واتحادات ونقابات استكمال ما بدأوه من وحدة الخطاب والكلمة والحقيقة بفعل قومي وشعبي ميداني عارم في مواجهة أكاذيب وأضاليل امريكا وحلفاءها، وأي أحلاف تتشكل معادية لأمتنا العربية عبر الانتظام بجبهة عربية موحدة لمقاومة أحلاف العدوان والإرهاب الأمريكي الصهيوني، دفاعاً عن هذه الامة وثرواتها وحقوق أبنائها ومستقبلها، فهي مهمة لا تنفصل أبداً عن مسار النضال لأجل تحرير فلسطين وتتكامل معه، فهزيمة الكيان الصهيوني هي هزيمة للقاعدة الاستعمارية المتقدمة في المنطقة، وكسر لرأس حربة المشروع الاستعماري المهيمن الذي ينهب ثروات هذه الامة.
هو ما يستوجب منا كفلسطينيين، التشبث بما جسده شعبنا من وحدة ميدانية تحللت من أوهام الرهان على الامريكي، وواجهت زيارة العدوان بوقفات الغضب والاحتجاج على الزيارة، امتدت على طول ساحات تواجد شعبنا في غزة والضفة ومخيمات اللجوء بلبنان وسوريا، وشكل فيها الصوت والنداء الفلسطيني الذي حملته قوى النضال الفلسطينية والعربية، منصة إفاقة للوعي العربي من غيبوبة الأكاذيب وحروب التضليل الأمريكي الصهيوني الرجعي.
هذا التحرك الذي جاء استجابة لنداءات وطنية، كانت باكورتها رسالة نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونداء الجبهة الشعبية الوطني والقومي، وحراك رفاقها الميداني لتنظيم الفعل الوطني الجامع والموحد في مواجهة الزيارة وكشف حقيقتها العدوانية، والذي جاء من قلب الاستراتيجية السياسية للجبهة في تعريفها للولايات المتحدة الأمريكية رأس التوحش الامبريالي وشريك الصهيونية العالمية، وطبيعة نظرتها للبعد القومي للقضية الفلسطينية والتي مثلت خطوةً أساسيةً لاستعادة هذا البعد الحيوي والمهم والوجودي للقضية، التي ربطت قوى التحرر العربية، وعنواناً أساسياً لوحدة الدم والمصير والتاريخ في وجه العدو المشترك.
وختاماً، إن هذه الخطوة تتطلب الكثير من المهام من كادرات وأطر ومنظمات وقيادات الجبهة السياسية والتنظيمية والنقابية والشبابية والنسوية، وكل الوطنيين والتقدمين والمقاومين الفلسطينين بكل مكان وعلى اختلاف مشاربهم السياسية والفكرية، في الانتصار لمعركة الوعي الجمعي العربي والتشبيك مع نظرائهم العرب من نشطاء ونقابيين وسياسيين وحركات وأحزاب تقدمية وثورية، بما يحيل نماذج النضال التقدمي المشترك، إلى رافعة لتنظيم وتوحيد وإدارة الجهد العربي الشعبي المقاوم للعدوان الامريكي الصهيوني الذي تمثل فلسطين أحد أهم أركانه وركائزه.