رام الله - خاص قدس الإخبارية: تصاعدت في الآونة الأخيرة، وتيرة الاستدعاءات التي تنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالضفة المحتلة بحق النساء، إما على خلفية أنشطة ذات طابع وطني كفعاليات مرتبطة بالأسرى أو بسبب كونهن زوجات أو أمهات لشهداء أو أسرى.
ووثقت "شبكة قدس" حالتين لسيدتين بالضفة المحتلة تم استدعاؤهن لدى كل من جهازي المخابرات العامة والأمن الوقائي، حيث كان فحوى التحقيق في كل مرة مرتبطا بأنشطة سياسية ووطنية أو بسبب كونهن من عائلات قدمت شهداء أو أسرى.
وشهد شهر يونيو/ حزيران بشكلٍ عام حملة استدعاءات واعتقالات سياسية هي الأوسع منذ فترة طويلة، حسبما وثقت مجموعة محامون من أجل العدالة، التي قالت قبل يومين إنها رصدت 69 حالة اعتقال سياسي قامت بمتابعة ملفاتها لدى الجهات القضائية.
وفي السياق، قالت زهرة خدرج، مديرة مركز عصفور فلسطين الذي يمارس أنشطة ثقافية وطنية في قلقيلية ويركز على القضايا الوطنية مثل الأسرى والجدار ومحاولة توعية الجيل الصاعد بما يدور حوله، إنه "بعد 3 أسابيع فقط من افتتاح المركز تم استدعاؤها وبقية من يمتلكون المركز من قبل جهاز الأمن الوقائي وتم التوقيع على تعهد بمنع ممارسة الأنشطة حتى الحصول على ترخيص لكل نشاط على حدى من قبل جهات حكومية".
وبحسب خدرج، فإنها تمتلك ترخيصاً للمركز من قبل وزارة الاقتصاد الوطني تحت مسمى "شركة ثقافية" وهو الأمر الذي يمكّنها من العمل بشكل قانوني، بخلاف ما يحاول جهاز الأمن الوقائي تمريره والذي طلب تراخيصاً من وزارة الثقافة والتربية والتعليم والعمل حسب طبيعة النشاط الذي يقيمه المركز.
وتابعت خدرج في لقاء مع "شبكة قُدس": "الضابط في الأمن الوقائي أبلغني حرفياً بأن أي نشاط أريد ممارسته في المركز يجب إحضار ترخيص خاص به وهو أمر غير منطقي"، مشيرة إلى أن ما فجر الأزمة هو البرنامج الذي ينفذه المركز والذي يحمل اسم "خارج القيد" والذي يعنى بالحديث عن النطف المحررة.
ولفتت خدرج، إلى أن هذا البرنامج الذي ينظمه المركز كان بصدد استدعاء زوجة الأسير عباس السيد صاحب فكرة سفراء الحرية "النطف المحررة" من أجل الحديث عن هذه التجربة، لافتة إلى أنه وفور نشر إعلان اللقاء تم استدعاء القائمين على المركز.
وأوضحت أن المحقق في الأمن الوقائي طلب منها وقف هذا البرنامج إلى حين إحضار ترخيص من قبل نادي الأسير بالموافقة على تنفيذ هذا البرنامج، لافتة إلى أنها وقعت على تعهد بعدم تنفيذ أي نشاط حتى جلب التراخيص المطلوبة.
ووفق خدرج فإنها قامت بزيارة كافة الوزارات التي طلب منها الوقائي الحصول على تصاريح منها وكانت المفاجأة بأنها ووفق ترخيص من وزارة الاقتصاد يمكنها ممارسة عملها دون الحاجة لمزيد من الاعتمادات القانونية.
وأردفت: "بعد الزيارات التي قمت بها للوزارات والمؤسسات الرسمية، قمنا بإعادة افتتاح المركز وممارسة عملنا وقبل نحو أسبوعين تم الاتصال بي مرتين للحضور الفوري لدى جهاز الأمن الوقائي ولم أحضر وأرفض الذهاب حتى اللحظة لأن عملي قانوني".
أما غالية أبو سليم والدة الاستشهادي رامز والأسير المحرر صائب أبو سليم، فتم استدعاؤها من قبل جهاز المخابرات العامة في رام الله للتحقيق دون الإشارة لأسباب الاستدعاء.
وقالت أبو سليم لـ "شبكة قدس" إن المخابرات استدعتها السبت الماضي للتحقيق ولم يكن الضابط موجوداً فتم تأجيل الموعد حتى اليوم الخميس 30 يونيو 2022، وتم الاكتفاء بإطلاع الضابط المسؤول على الاستدعاء والهوية الشخصية.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تخضع فيها أبو سليم للاستدعاء إذ سبق وأن تكرر الأمر قبل نحو 4 سنوات لدى جهاز المخابرات العامة خلال عودتها إلى الضفة المحتلة من الأردن.
رفض فصائلي
من جانبه، قال مسؤول دائرة العلاقات الوطنية بالضفة الغربية المحتلة في حركة حماس، جاسر البرغوثي، إن الأجهزة الأمنية وصلت إلى حد غير مسبوق في الاعتداء على الحريات العامة حتى وصل الأمر إلى استدعاء والدة استشهادي تبلغ من العمر "65" عاماً.
ووصف البرغوثي في حديثه لـ "شبكة قدس" بأن ما يجري تراجع في القيم والأخلاق العامة للأجهزة الأمنية بالضفة ويندرج في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس وخلافته، لافتاً إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تسارعاً كبيراً في حملات الاستدعاء للسيدات.
وبين القيادي في حركة حماس أنه في بعض الحالات تم استدعاء والدة أسير على خلفية تدريسها للقرآن الكريم أو اعتقال الأبناء للضغط على أمهاتهم لوقف أنشطتهن المجتمعية، داعياً إلى وقفة فصائلية وجماهيرية في وجه ما تقوم به الأجهزة الأمنية.
في سياق متصل، اعتبر الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية المحتلة، طارق عز الدين، أن حملات الاعتقال والاستدعاء التي تتم بشكل عام خلال الفترة الأخيرة ولها علاقة بالنشاط الوطني؛ عمل مدان ومرفوض ويجب وقفه فوراً من قبل الأجهزة الأمنية.
وقال عز الدين لـ "شبكة قدس" إن الاستدعاءات لا تخدم الفلسطينيين وتضر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، مشدداً على أن استدعاء النساء من أخطر الاستدعاءات على خلفية نشاطات إنسانية أو خيرية أو وطنية ويجب التصدي له.
وتابع قائلاً: "من غير المقبول أن يتم استدعاء السيدات للتحقيق معهن ولا نقبل أن يتم المساس بهن تحت أي سبب أو مبرر كان ويجب رص الصفوف لمواجهة الاحتلال وحربه اليومية على الفلسطينيين في مختلف مناطق تواجدهم".
مخالفة قانونية ودستورية
من جانبه، أكد مسؤول الشؤون السيىاساتية والقانونية في مركزة مساواة إبراهيم البرغوثي معارضته لأي استدعاء أو اعتقال على خلفية رأي سياسي أو حرية الرأي والتعبير.
وقال البرغوثي لـ "شبكة قدس"، إن المادة 26 من القانون الأساسي الفلسطيني نصت بوضوح على حق الفلسطينيين عموماً دون تقييد أو تحديد أو تمييز، بالمشاركة في الحياة السياسية العامة، موضحاً أن الاعتقال السياسي أو الاستدعاء يتعارض مع النصوص الدستورية بدءًا من المادة الثانية والخامسة والسادسة والتاسعة والعاشرة والحادية عشر من القانون الأساسي.
وأضاف أن الاستدعاء أو الاعتقال أو المحاكمة على خلفية إبداء الرأي السياسي أو الرأي النقدي لجهات الحكم يعتبر مساساً بالحقوق الدستورية ويجب مساءلة مرتكبيه، منوهاً إلى أن الاستدعاء سواء كان لرجل أو سيدة يعتبر باطلاً.
وبحسب البرغوثي فإن "متطلبات توفير الحماية والسلامة الجسدية والكرامة الإنسانية هي متطلب أساسي في التعامل مع المرأة الفلسطينية في مثل هذه الحالات وغيرها، وبالتالي فإنه لا بديل عن احترام القانون الأساسي وتحقيق المصالحة بشكل جدي وحقيقي".