شبكة قدس الإخبارية

خطاب المقاومة ومسيرة الأعلام

654235457.JPG
وسام الرفيدي

 

ربما كان من أبرز ما أفرزته مسيرة أعلام الصهاينة من مواقف وتداعيات هو ذلك النقاش حول مدى صوابية قرار المقاومة بعدم الرد التصعيدي على تلك المسيرة. النقاش المقصود هو ذلك الذي انطلق أصلاً من قاعدة التأييد الكامل للمقاومة ودعمها والدفاع عن مواقفها أمام المشككين بجدواها السياسية كخيار استراتيجي للتحرير (يخرج كتبة وسحيجة أوسلو من هذا النقاش مبدئياً). فمن على صفحات التواصل الاجتماعي، أو عبر الصحف المحلية أو العربية (ملفت ما كتبه إبراهيم الأمين رئيس تحرير الأخبار اللبنانية)، دار هذا النقاش تحديداً بين الداعمين للمقاومة حول سؤال محدد: هل كان يجب على المقاومة الرد التصعيدي على مسيرة الأعلام؟ ليتناسل منه سؤال مفصلي آخر: هل تنَاسَب خطاب المقاومة، وتحديداً خطاب السنوار وهنية وغيرهما، مع مستوى موقف المقاومة بعدم الرد التصعيدي؟ 

ربما تجدر هنا الإشارة لمعطى ظهر خلال النقاش يؤشر لخلل، بتقديرنا، ينبغي التلفت له، غير الخلل الأهم الذي سنأتي على ذكره لاحقاً. نعني بذلك الخلل، ذاك المستوى من التبريرية التي تتسم بقدر عالٍ من الخفة دفاعاً عن موقف المقاومة بعدم الرد. إن الحديث عن أن (لا جديد في مسيرة الأعلام) أو (منذ العام 67 والمسيرة تنظم)، بدا وكأنه يصب في خانة الموقف الصهيوني أكثر من خانة تبرير موقف المقاومة، دون الشك للحظة بسلامة نية القائل، علماً أن مقولة (جهنم مبلطة بالنيات الحسنة) مقولة لا زالت تثبت صحتها.

أما ما يمكن اعتباره (السيف المسلّط) بوجه أي موقف نقدي لقوى المقاومة فهو المنطلق من مقولة/ حجة ( أهل مكة أدرى بشعابها)، وعليه فليس أمام أي صوت خارج الغرفة المشتركة في دعوة لقبر النقد وإعلاء التسحيج. تبدو الحجة قوية. فعلا وبالتأكيد فإن لدى الغرفة المشتركة، معطيات وتفاصيل وحيثيات بالمئات، محلية وإقليمية، لوجستية وسياسية وعسكرية، تقف خلف أي قرار عسكري، فقرار القتال قرار مدروس لا انفعالي، هذا بالتأكيد. بافتراض أنه جرى ويجري توظيف تلك المعطيات وقراءتها بشكل دقيق لاتخاذ الموقف الصحيح، فتوفر المعطيات لا يعني بالضرورة قراءتها بشكل صحيح وبالتالي صحة القرار.

ولكن الصحيح أيضاً أن على أي قرار أن يراعي موقف الجماهير والتفافها ورغباتها وإن شئتم مزاجها. وهنا لا يختلف إثنان، أن شعبنا ملتف حول خيار المقاومة ومتعلق بردها ويطلب هذا الرد. وهنا (مربط الفرس) كما يقال.

هذا التعلق وطلب الرد لم يأت من فراغ. أولا وقبل كل شيء فهو نتاج الثقة المطلقة بالمقاومة وبإنجازها التاريخي في العام الماضي في معركة سيف القدس. وما عزز تلك الثقة هو تصريح أطراف المقاومة المستمر من أن ما قبل سيف القدس ليس كما بعدها، وبالتالي كان من حق الجماهير أن تطلب من المقاومة أن تتعامل مع الصهاينة بعد سيف القدس لا كما تعاملت من قبل. أما ما رفع مستوى الطلب هذا لحدود غير مسبوقة فهو الخطاب المعلن الذي رفع سقف المواجهة في حال تم تدنيس المسجد الأقصى باعتباره خطاً أحمر.

يوميا يجري تدنيس المسجد الأقصى، ومسيرة الأعلام تمت، ومستوى الاستفزاز الصهيوني بلغ مدى غير مسبوق، والتقسيم الزماني حقيقة على الأرض، ولذلك كان المنطقي والمشروع أن يقال للمقاومة على لسان داعميها: ألم يتلون الخط بالأحمر حتى اللحظة؟

قيل في المثل اليوناني: هنا الوردة فلترقص وهنا القلعة فلتقفز، وهذا يصلح كمدخل لاختتام هذه العجالة بالقول إن على قوى المقاومة أن تأخذ في حسبانها ليس فقط المعطيات بين أيديها وقدرتها على قراءتها بدقة، وليس فقط مزاج ورغبات والتفاف الجماهير، بل وأيضا ذاك التناسب بين الخطاب المعلن وقرار الممارسة العسكرية، فعند الوردة نرقص وعند القلعة نقفز، فالتناسبية بين الخطاب والممارسة في غاية الأهمية، أما إن جرى العكس كما في خطاب المقاومة المبالغ فيه بشكل غير مسبوق قبل مسيرة الأعلام وخلالها فهو لا يتناسب مع عدم الرد الأمر الذي يمكن أن يؤدي لزعزة الثقة بقوى المقاومة وإشاعة أجواء من الإحباط وتوسيع الطريق أمام خطابين بديلين يستميتان للسيطرة على عقل الشارع: الأول خطاب الصهاينة والثانية خطاب سلطة أوسلو. إن عدم التناسب بين الخطاب والممارسة أمر يستدعي الوقوف أمامه كخطأ جسيم ينبغي تداركه في المعارك اللاحقة.  

##مسيرة_الاعلام_والاشتباك_المستمر