رام الله - خاص قدس الإخبارية: أجرت عدد من الفصائل الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة انتخابات شملت اختيار المسؤولين المحليين وأعضاء المكتب السياسي وصولا لمنصب الأمانة العامة أو رئاسة المكتب السياسي.
ويعتبر مؤتمر حركة فتح الذي عقد في 1964 هو أول مؤتمر فصائلي فلسطيني وجاء بعده مؤتمر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذي عقد في عام 1968، تبع ذلك مؤتمرات وتأسيس لمجموعة من الفصائل المحسوبة على التيار اليساري قبل ظهور التيار الإسلامي أواخر السبعينات وبداية الثمانينات.
وتشكل المؤتمرات والانتخابات الخاصة بالفصائل الفلسطينية فرصة للقواعد التنظيمية لاختيار قياداتها والمشاركة في صنع القرار بناءً على نظام هرمي محدد تحدده الانتخابات الداخلية للفصائل، والتي تختلف بين فصيل وآخر وفقاً للوائح كل تنظيم.
غير أن وجه الشبه في جميع الفصائل هو النظام الهرمي في عملية الاختيار، فلا تشارك القواعد في اختيار القيادة السياسية العليا وقيادة اللجان المركزية والمكاتب السياسية، وهو ما يضع الانتخابات أمام تحديات عدة أبرزها التحالفات أو ما يعرف بـ "الكولسات".
وخلال الأعوام الأخيرة عقدت عدة فصائل فلسطينية انتخاباتها أو مؤتمراتها بشكل كلي، كما حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، في الوقت الذي أجلت حركة فتح عقد مؤتمرها الثامن عدة مرات.
وعادة ما تشهد الانتخابات استقرارا في الأسماء على صعيد الصف القيادي الأول للفصائل الفلسطينية أو تغييرات محدودة طفيفة، باستثناء بعض الفصائل التي تشهد تغيير في منصب رئيس المكتب السياسي أو الأمين العام ونائبه كما حصل مؤخراً مع الجبهة الشعبية.
وتنص اللوائح والأنظمة الداخلية لبعض الفصائل على منع الترشح لأكثر من دورتين في نفس المنصب ما يؤدي لإحداث تغييرات شبه ملموسة في الكثير من هذه الأحزاب، في حين تبدو حركة فتح الأقل تغييراً في الجسم القيادي.
في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن الانتخابات الأصل أن تكون ذات طبيعة ديمقراطية وأن تمنع احتكار القيادة وأن تمثل أكبر شريحة ممكنة من الأطر التنظيمية، حتى لا يشوبها الكثير من الملاحظات.
ويوضح عرابي لـ "شبكة قدس" أن بعض الساحات لها حالة خاصة مثل الضفة المحتلة فلا يوجد انتخابات حقيقة عند فصائل المقاومة على وجه الخصوص، إذ يتم اللجوء لبدائل أخرى تراعي الظروف هناك.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي فإن من بين الإشكاليات التي تواجه الانتخابات التنظيمية تكمن في طبيعة إدارة العملية الانتخابية كالتحالفات الداخلية وما يسمى بـ "الكولسات"، بالإضافة إلى الجدوى من هذه الانتخابات في ظل أنها داخل حركات تحريرية.
وتساءل عرابي في حديثه: "الانتخابات الداخلية للفصائل تطرح أسئلة من باب الجدوى لهذه الانتخابات ومدى تأثيرها على الفصائل على اعتبار أنها تجري كل 4 سنوات إلى جانب الوقت المستنزف بعد إجراء الانتخابات كتوزيع المواقع والدخول في مبدأ المحاصصة في بعض الأحيان".
ويستدرك أن الانتخابات الداخلية للفصائل قد تكون ضرورية من أجل تحصين الجسم القيادي للفصائل الفلسطينية بحيث تبقى شرعية معقولة للقيادات أمام القواعد التنظيمية والجماهير الفلسطينية، غير أن الملاحظ أن غالبية الفصائل لا يوجد تغيير في الجسم القيادي العلوي بها وهو ما يعني أن هناك احتكاراً للقيادة.
ويعتبر أن غياب التغيير القيادي في الأجسام العليا للفصائل الفلسطينية يطرح سؤالاً عن أهمية الانتخابات طالما يغيب التغير أو الحضور الشبابي، وهو ما يضع قادة الفصائل أمام تحدي يتمثل في تحديد الأهداف الحقيقة للانتخابات.
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أنه لا يمكن وضع الفصائل الفلسطينية في نفس الكفة على صعيد ممارسة المستوى الديمقراطي، فهناك فصائل لا يمكنها الادعاء بممارسة الديمقراطية كون قيادتها على رأسها منذ سنوات طويلة.
ويوضح الشوبكي في حديث لـ "شبكة قدس" أن هناك فصائل وإن أجرت الانتخابات إلا أنها تتبع الإقصاء وهو ما حصل مؤخراً مع حركة فتح إذ كلما ظهر في البيت الفتحاوي رأي له اجتهادات سياسية مغايرة لرأي القيادة يتم فصله.
ويشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل إلى أن بعض فصائل اليسار الفلسطيني لم تتغير قيادتها إلا لبعض الظروف مثل الموت أو المرض، في المقابل فإن الحركات الإسلامية قد تكون هي الأنضج في عمليات التغيير على صعيد الوجوه السياسية أو بروز نخب شابة في مراكز صنع القرار.
ووفق الشوبكي فإن جوهر العملية الديمقراطية غير مرتبط فقط بالعملية الانتخابية، وبالتالي فإن هذه العملية كونها سرية تبقى في إطار مشوه لا يمكن ضبطه كما يتم ضبط أي عملية ديمقراطية نتيجة لكون هذه الفصائل حركات تحرر، بالإضافة إلى أنه ليس مطلوباً لمن الحركات الفلسطينية أن تكون ديمقراطية بالمعنى الحرفي وأن تمارس ما تمارسه الأحزاب السياسية.
وبشأن وجود التحالفات داخل الفصائل، يرى أستاذ العلوم السياسية أن الإشكالية التي قد تعترض الفصائل تكمن في أن يتم توزيع القوى داخل التنظيم بناءً على تحالفات الأفراد، إلى جانب أن هناك بعض الفصائل قد تتحكم بها جهات من ناحية المال وهناك فصائل تتحكم جهة بها من ناحية الأمن.
في سياق، متصل يعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسن عبده أن الحركات الإسلامية هي أفضل الفصائل من ناحية ممارسة العمل الديمقراطي بالرغم من الاتهامات التي وجهت لها على مدار عقود بـ "الظلامية" أو "الرجعية".
ويقول عبده لـ "شبكة قدس" إن هناك تطور على صعيد ممارسة الحركات الفلسطينية للعمل الديمقراطي فهناك حركتي الجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في الوقت الذي تبدو فيه تجربة فتح مختلفة تماماً عن البقية نتيجة تحكم رئيسها بها.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أن حضور التحالفات أو "الكولسات" داخل التنظيمات أمر طبيعي غير أنه يبقى في إطار محدود إذا ما جرت الانتخابات أو المؤتمرات الفصائلية باستمرار وهو الأمر الذي يبعد الديكتاتورية عن قيادتها