الوقفة الأولى: يجري التعامل مع سقف ذبح القربان التوراتي في الأقصى بطريقة خطيرة على وعينا بصفته "الخطر الوحيد" الذي يتعلق به الغضب الشعبي أو الرد المقــاوم؛ وهذا يصب في مصلحة الاحتلال إذ يجعل كل ما دونه مقبولاً ومسلّماً به. وصول العدوان إلى حد التهديد بالقرابين يُفترض أن يعمق إدراكنا بالخطر الوجودي، وبضرورة المبادرة إلى وأدِه قبل أن يتقدم، لا أن يدجن وعينا على سقوف العدوان السابقة، وهذه وقفة مفتاحية في تقدير الموقف الحالي والتعامل معه.
الوقفة الثانية: الخطر الأبرز سياسياً في الفصح العبري هو محاولة فرض حقيقة تقاسم الأقصى كمقدس، باعتباره مسجداً و"هيكلاً" في الوقت عينه، يصلي فيه اليهود في عيدهم صباحاً ويصلي فيه المسلمون في قيامهم ليلاً، والسماح بتمرير الاقتحام في أيام الفصح الخمسة يعني أن هذا الأمر الواقع قد قُبل. لقد كان هذا بالضبط هو الخطر الذي قامت الهبة الشعبية في 28 رمضان الماضي لمنعه، وما انطلقت من بعده معركة سيف القدس، وهو اليوم يمرر تحت أعين الجميع، ويبدو أن لا أحد يدرك خطورة هذه المعادلة إلا ثلة المرابطين والمعتكفين وأهل الأقصى الذين يواجهون الاقتحام وحدهم ويدفعون ثمن صمودهم منذ صباح الجمعة حتى اليوم.
الوقفة الثالثة: لا بد للعقل المقاوم أن يحتاط من أن تتسلل إليه مقولات العجز التي يغرقنا بها النظام الرسمي العربي ونخبته المنتفعة؛ فالحديث عن "خط أحمر" في الأقصى ينطوي على عدة مغالطات: فهو أولاً يضفي المشروعية على الاحتلال والعدوان ويحصر المشكلة فيما هو جديد من هذا العدوان، وهو فضفاض ويصلح غطاءً لتمادي العدو كما يمكن أن يصلح كتهديد: فالخط الأحمر يمكن أن يكون مجرد الاحتلال، وممكن أن يكون إزالة الأقصى من الوجود وتأسيس الهيكل المزعوم في مكانه! فننتظر أيهما لنتحرك؟! الخط الأحمر هو أداة النظام الرسمي العربي لقول ما يدغدغ مشاعر الشعوب دون أن يترجم لأي فعل، ونحن شعوبٌ تريد تحرير المسجد الأقصى لا منع القرابين التوراتية فيه فقط!
الوقفة الرابعة: الأقصى مقدس إسلامي خالص، والقرار بشأنه إلهي مطلق، لا دور فيه لأي زعيم أو قائد أو دولة أو حركة، وما صدر في الصحافة الصهيونية عن "السماح للمسلمين بالصلاة" كشرط للوسطاء لعدم التحرك يجعل منه محل تفاوض، فمن نقر له بأن "يسمح" نقر له بمشروعية ما دائمة كانت أو مؤقتة، ولا بد من التنبه إلى هذا الفخ السياسي المنصوب من الصهاينة والوسطاء على حد سواء، فالمسجد الأقصى ليس محل تفاوض ولن يكون، ومجرد احتلاله يمنحنا كشعب وكأمة الحق بالرد في أي مكان وفي أي لحظة مناسبة لحين تحريره، ولا يوجد أي سقف آخر سوى ذلك، ومن يريد أن يحسب حساباته فليحسب من عنده.
انطلاقاً من ذلك كله، فالواجب اليوم أن يوضع منع الاقتحام في يومي الأربعاء والخميس هدفاً للتحرك الشعبي في القدس والأراضي المحتلة، وأن تجند في سبيل تحقيق ذلك كل الإمكانات المتاحة، لإفشال محاولة تقاسم الأقصى باعتباره مسجداً و"هيكلاً" في الوقت عينه، وتوجيه كل الطاقات والاهتمام والأولوية لفرض هذا التراجع على المحتل، خصوصاً وأن المرابطين على قلة عددهم تمكنوا بالإرادة والمبادرة التي فاجأت المحتل من إرباك تلك الاقتحامات ومنع صورة النصر فيها، وهو ما يجعل هذا السقف الضروري متاحاً وممكناً إن توفرت الإرادة الصادقة في الوصول إليه.