رام الله - قدس الإخبارية: تدور حوله الروايات المتناقضة والتي لا تقوم على دليل قاطع، إذ تصر الرواية الإسرائيلية على أنه "قبر يوسف" النبي عليه السلام، فيما يؤكد الفلسطينيون ومعظم الروايات أنه مقام لرجل مسلم صالح، وأن رواية الاحتلال حول القبر هي رواية سياسية استيطانية.
لكن ما هي قصة هذا القبر الذي يشكل عامل توتير شبه يومي في الضفة الغربية وتحديدا في مدينة نابلس؟!
الاحتلال يسيطر على القبر
خضع "قبر يوسف" الموجود في منطقة "بلاطة البلد" شرقي مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، للاحتلال الإسرائيلي، إثر حرب حزيران/ يونيو عام 1967، التي أدت إلى احتلال الضفة الغربية، وما تبقى من فلسطين. ومنذ ذلك الحين أصبح "القبر" وجهة دائمة للمستوطنين للصلاة فيه وإقامة الطقوس التلمودية.
في عام 1986 أنشأ الاحتلال مدرسةً يهودية لتدريس التوراة، وفي عام 1990 تحول القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها الجيش، وصنف في العام ذاته ضمن ما تعرف بوزارة الأديان الإسرائيلية، واحدا من الأوقاف اليهودية.
تبلغ مساحة القبر 600 متر مربع، وهو عبارة عن غرفتين وساحة خارجية، تضم الغرفة الجنوبية وفق الادعاء التوراتي -أنه قبر النبي يوسف- تكسوه قبة مبنية على الطراز الإسلامي.. أما الغرفة الشمالية فهي استراحة تستخدم كمدرسة دينية، أو لممارسة طقوس يهودية كالصلاة وإقامة النذور وإطعام الزوار.
رواية إسرائيلية بلا أدلة
يكتسب القبر بعدا دينيا، حيث تزعم الروايات التوراتية أن رفات النبي يوسف نقله النبي موسى من مصر إلى منطقة "شكيم"، وهو لفظ عبراني ينسب إلى مدينة نابلس، لكن علماء الآثار ينفون الرواية الإسرائيلية، مشيرين إلى أن عمر المقام لا يتجاوز الـ250 عاما.
ويرى مؤرخون أنه لا يوجد ما يثبت صدق الرواية التوراتية حول وجود قبر النبي يوسف في هذه المنطقة، بدليل أن النبي موسى أتى بعد 200 عام على وفاة النبي يوسف، وبقي مكان دفنه في مصر مجهولا.. أما الدليل الآخر فهو أن القبر أو الضريح مبني وفق الطراز الإسلامي، حيث تكسوه قبة، وهي عادة كانت تستخدمها بعض الطوائف الإسلامية عند دفنها لأحد الموتى.
رواية فلسطينية لحكاية القبر
وتشير البحوث التاريخية إلى أن القبر حديث البناء يعود إلى العصر العثماني، عام 1904، حيث تم بناء الضريح تخليدا لرجل صالح كان يدعى يوسف دويكات، قدم إلى المنطقة، وكان يقوم بتدريس وتعليم الدين الإسلامي. وبعد وفاته كرمته الدولة العثمانية بإقامة ضريح باسمه، وبقي المكان مزارا للمسلمين، ومعبدا لبعض الطوائف الصوفية، التي أقامت طقوسا خاصة كختان المواليد تيمنا بالرجل الصالح.
ويؤكد الفلسطينيون أن الموقع هو أثر إسلامي مسجل لدى دائرة الأوقاف الإسلامية وكان مسجدا قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ويجمع مؤرخون أوروبيون تناولوا ما ورد عن النبي يوسف في التوراة على أنه إذا كان قد وصل إلى منصب أصبح معه اليد اليمنى لفرعون مصر، فلا بد أنه دفن في مصر، وفقا لما يميل إليه حتى مؤرخون إسرائيليون.
ويقول الأب عطا الله حنا، الناطق باسم بطريركية الروم الأرثوذكس في فلسطين وشرق الأردن، إن "قبر النبي يوسف موجود في مصر، وإن كل البحوث العلمية والتاريخية تؤكد ذلك".
مخاوف من إنشاء بؤر استيطانية
لكن سلطات الاحتلال ترفض الاعتراف بهذه الرواية، وتصر على ادعاءات الحق في ضم الضريح ضمن مناطق "سيادتها"، وهو ما يستفز الفلسطينيين، الذين يبدون قلقهم من أن يعيد الاحتلال تكرار تجربة السيطرة على الحرم الإبراهيمي، عبر إنشاء بؤر استيطانية في منطقة "قبر يوسف"، وتفرض تقسيما زمانيا ومكانيا، كما هو الحال في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي.
ويتصدى الفلسطينيون لمحاولات اقتحام القبر من قبل المستوطنين. ومنذ عام 1967، بدأت محاولات السيطرة على القبر، وكانت "هبة النفق" عام 1996 نقطة تحول بالنسبة لهذا الضريح، حيث جرت محاولات لإقامة بؤر استيطانية دائمة، وقد أسفرت الاشتباكات عن استشهاد ستة فلسطينيين.
وفي عام 2000 أعيدت المحاولة، وتفاديا لوقوع قتلى من اليهود، سيطر الاحتلال عسكريا على القبر وتولى منح التصاريح للزوار من خارج المنطقة. وتتواجد في الموقع قوات شرطية مهمتها منع الاحتكاك.
على إثر ذلك، فإنه في نهاية كل شهر ميلادي يجري تنسيق بين الاحتلال والشرطة الفلسطينية لزيارة القبر من قبل اليهود.
وفي كل مرة تفرض فيها زيارة المستوطنين للمقام تغلق القوات الإسرائيلية المنطقة المحيطة به.. وغالبا ما تندلع في المنطقة اشتباكات عنيفة مع الشبان الفلسطينيين.
محاولات فرض واقع جديد
ولم تتوقف محاولات الاحتلال فرض واقع جديد في منطقة "قبر يوسف". وتتنامى الدعوات التي يطلقها رؤساء مجالس المستوطنات للضغط على الحكومة لضم القبر إلى منطقة "السيادة" الإسرائيلية، ما يعني تهديد حياة أكثر من 30 ألف عائلة فلسطينية مهددة بالتهجير في حال جرت المصادقة على إقامة بؤر استيطانية دائمة في منطقة "قبر يوسف".
ويرى الفلسطينيون في ذلك تزييفا للحقائق هدفه سيطرة الاحتلال على المنطقة بذرائع دينية.
ويسلط اقتحام القبر الضوء على عشرات المواقع الأثرية أو التاريخية التي يتخذها المستوطنون ذريعة للاستيلاء عليها وتحويلها إلى كنس أو مزارات، لتكون بالتالي بؤرا لصراع ديني.
"قبر يوسف" في نابلس ومسجد بلال أو "قبة راحيل" في بيت لحم والمسجد الإبراهيمي في الخليل، هي مجرد أمثلة على عشرات المواقع الإسلامية التي استولى عليها المستوطنون وحولوها إلى معابد، وأقاموا حولها بؤرا استيطانية.
المصدر: عربي 21