تحاول قيادات السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو سيئة الذكر؛ أن تتعامل مع كل مصيبة وثغرة من ثغرات تلك الاتفاقية أنها بند قابل للتفاوض؛ حيث تم تحويل حتى المتفق عليه إلى موقع تفاوض تحت إطار الانتصار الوطني والمشروع التحرري، بينما على أرض الواقع يسارع الاحتلال إلى العديد من المجالات لتهويدها وللسيطرة عليها ولإنهاء أي نقاش فيها ميدانيا بفعل تغيير الجغرافيا والمعالم، هناك حيث المعادلة المتآكلة والتي لا يسمع عنها إلا في أوساط السلطة وهي معادلة الهيبة والمشروع الوطني والسيادة وغيرها.
ولا تستخدم هذه العبارات إلا فقط في الداخل الفلسطيني بينما هي معدومة حتى في الاتفاقية التي جلبت هذه السيادة الوهمية.
ملفات الانتخابات البرلمانية والرئاسية مجمدة وتكاد تكون ملغية، وحين الحديث عنها تخرج أسطوانة مشروخة أن القضية الفلسطينية تمر في مراحل خطيرة وجب ان لا تتغير القيادة حتى لا تهدر الفرص؛ وأي فرص يتحدثون عنها إنما هي وهمية.
حينما يتم اقتحام مناطق "أ" ذات السيادة الأمنية والإدارية الفلسطينية من الاحتلال والذي يعد انتهاكا لما أسموه انتصار أوسلو بأن أقامت دولة للفلسطينيين على أرضهم؛ لا تتصدى لهم أجهزة أمن السلطة بل وتقوم بالتنسيق معهم ويتم الاغتيال للمقاومين في قلب المدن، وحينما يتحرر أسير وتحمل الرايات الفصائلية تتداعى كل تلك الأجهزة الأمنية لإزالتها، وبعض المواقع يتعرض فيها الأهالي للضرب والغاز المسيل للدموع وتبدأ أسطوانة السيادة والمشروع التحرري.
حينما يحاصر الاحتلال الشعب الفلسطيني ويقطع الرواتب ويرفع الضرائب لا يسمع أي صوت لسلطة السيادة والتحرر؛ ولا موقف واحد يسجل كي يتراجع الاحتلال عن هذه الممارسات والعقوبات، بينما تفرض السلطة العقوبات المتتالية على غزة في كل مرة بحجة أن السيادة والتمكين غائبان هناك، رغم أن ما تبقى من تجربة ديمقراطية بأركانها وبرلمانها ومؤسساتها فقط موجود في غزة.
الخاسرون في كل معركة ويبشرون بأعظم النصر هذا ملخص المشهد الذي في كل يوم يروج للهزيمة أنها انتصار ولانعدام الاستراتيجية أنه تكتيك، ولتجاهل الوحدة الوطنية والتوافق والجو البرلماني أنه إجراء لمنع الإضرار بالقضية الفلسطينية وعدم تعاطي العالم معنا؛ ولكل هزيمة تجد تبريرا وكل شكلية انتصار تجد زوبعة ونياشين وطحنا للهواء.
غير أن الشارع الفلسطيني بات يدرك جيدا أن أوسلو هزيمة وأن مسارها دمار وأدواتها خراب وأن المقاومة صفعة لكل من حاول تمريرها.. شارع تكالبت عليه كل الدنيا كي يسمي موته وهدر أرضه ومقدساته سلاما.
تكالبت عليه كل الدنيا كي يرى نفسه وهو يقدم لجلاده التنسيق والأرض والأمن والمال أنه شجاع ليقال سلام الشجعان.
شارع بعد كل هذه المخططات لإحباطه وترويض أحلامه جاءت المقاومة لتعيد برمجة الحياة لطبيعتها بين انتصار وصمود وبين هزيمة وإذلال، بين سيف لا يغمد وبين كفاح من الميثاق حُذف.
بين بوابة يكسرها شباب غاضب على درجات باب العمود وبين سيادة تمزقها دبابات الاحتلال يوميا ولا يتذكرها من يتشدق بها إلا لمحاربة الشعب.
محطات كثيرة نسفت كل ما بنوه ليقنعوا الشارع أنه الانتصار وأنها الحياة وأنه المشروع الوطني، فالأسرى والقدس ملفات باتت النار تشتعل منها والنصر فيها.
الانتصار المهزوم الذي فشل مروجوه لجعله المقدس والإنجاز، عرّته المقاومة وفطنة الشعب وإرادة الصمود، عرته مخططات الاحتلال وخبثه وفساد القائمين عليه ومكرهم.
فعاد للواجهة التعريف الحقيقي للانتصار ومعالمه وعناصره؛ فبعد ٣٠ عاما تقريبا على أوسلو اللعينة وخباياها ورعاتها وطمس كل معالم الصمود للشعب؛ انتقل الأخير لمرحلة يفرض المشهد لا يعيشه ويبني النصر لا يتبناه ويدحر الهزيمة لا يسوقها.
ويلات وعذاب وهدر للوقت والأرض والدم على مدار ثلاثة عقود سبقتها نكبة تلتها نكسة؛ وفي كل ثنايا هذا التاريخ ألم وقصة وفراق وحرمان، فمن الطبيعي أن يكون الشعب منتصرا لأن إرادة الحق فكرة لا يمكن لها الفناء.