مع بدء وصول موجات الجراد المتتابعة إلى بلادنا, تهافتت وسائل الإعلام المختلفة للحديث عنه, و كثيرٌ ممن علّق آماله على كفاءة وزارة الزراعة الإسرائيلية في مكافحته و الحيلولة دون وصوله لأرضنا و محاصيلنا, و أضحى الجراد عدونا الأكبر, و الإحتلال حامينا, و مخلّصنا من هذه الوحوش الصغيرة الفتّاكة التي لا تترك أخضراً ولا يابس.
و لطالما عرفت فلسطين الجراد, و لطالما لم يترك أخضراً ولا يابس على هذه الأرض, و لكننا نعود و نقف, و لم نهلك, فها نحن هنا. و من أشهر هبّات الجراد التي جائت على بلادنا تلك الهبّة التي جائت عام 1915 في خضّم الحرب العالمية الأولى, كانت قد اجتاحت بلادنا أصلاً المجاعة و الفقر بسبب الحصار البحري الذي فرضه الحلفاء على الدولة العثمانية, و قد أقرّت الدولة في حينها أن على كل رجلٍ جميع كمية محددة من الجراد كإجراءٍ من شأنه القضاء على تلك الآفة.
و فيما يطمئن المسؤولين و المختصين في هذا المجال من قلة احتمالية وصول الجراد إلينا, فإني أدعوكم للتمعن قليلاً, لقد وصل إلينا الجراد فعلاً, و جرّدنا من كل شيء, لقد جرّدنا من حيفا و يافا. جرّدنا من بيوتنا, جرّدنا من مصانعنا, و مزارعنا و حقولنا, و لازال هذا الجراد الذي يعصف بنا منذ أكثر من ستة عقود, يقتل أطفالنا, و يسرق مياهنا, و يقطع أشجارنا, حتى زيتوننا المعمر منذ آلاف السنين, و الذي صمد في وجه آلاف هبّات الجراد القاتلة, قطعوه بلا رحمةٍ أو تفكير. إذاً من هو الجراد حقاً؟