فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: أدب السجون أو ثقافة المقاومة؛ هو ما يطلق على الإنتاج الأدبي أو الفكري أو الثقافي أو العلمي الذي ينتجه الأسرى في سجون الاحتلال، وبات يعد شكلاً مؤثراً من أشكال المقاومة، يخشاه الاحتلال، فهو يسهم بإبقاء الأسير الفلسطيني مرفوع الرأس والمعنويات وبالتالي ينعكس إيجابًا على الفلسطينيين، إضافة إلى فضح الاحتلال وكشف جرائمه أمام العالم.
لذا تلاحق إدارات السجون ومن ورائها كل مكونات الاحتلال هذا النوع من المقاومة، خاصة أن أدب السجون يشعرها بفشل أنها لم تتمكن من سلخ الأسرى عن قضيتهم ووطنهم، وأنهم باتوا عناصر فعالة ومؤثرة ولكن بقوالب جديدة.
مقاومة من نوع خاص
يقول الكاتب والأسير المحرر وليد الهودلي لـ"شبكة قدس" انه توجد نهضة ثقافية وفكرية داخل السجون، ورغم صعوبة الكتابة وتهريب الكتابات لخارج السجن إلا أن الأسرى يصرون على العطاء لتحقيق ذواتهم وخدمة قضيتهم.
ويضيف الهودلي (62 عامًا)، والمولود في مخيم الجلزون قضاء رام الله: "يستمر الأسير بخدمة شعبه وقضيته حتى بعد الاعتقال، لكنه يأخذ شكلاً جديدًا، فيدخل معترك أدب وثقافة المقاومة، ويكتب من داخل معاقل الأحرار، ويحقق حريته من خلال قلمه، فيكتب ما يحدث داخل السجون بقوالب مختلفة، ومؤلفات ذات طابع سياسي أو تأريخي أو علمي، ليزود العالم بتجربة فريدة".
وعن رحلة الإنتاج الفكري داخل السجون، يصفها الهودلي بالتجربة المريرة، قائلا: "الأسير الكاتب يبذل جهدًا كبيرًا، وجهدًا أكبر للحفاظ على ما يكتب خاصة وأنه خلال التفتيش المستمر لزنازين الأسرى تتم مصادرة الكتابات والمؤلفات".
ويضيف الهودلي الذي أمضى 14 عامًا في سجون الاحتلال: "صادر الاحتلال روايتي مدفن الأحياء وأعدت كتابتها عام 1998، وصادر رواية هكذا أصبح جاسوساً بينما كانت في مرحلة التهريب لخارج السجن، وصادر الاحتلال رواية الحرية بجبل النار والتي لم أعد كتابتها".
ويشير إلى أن الاحتلال يخشى من الرواية الفلسطينية "لذا يحارب أي إنتاج من داخل السجون، لدرجة أنه يجبر الأسرى على تغيير ملابسهم الداخلية قبل الإفراج عنهم حتى يتأكد أنهم لا يهربون شيئاً، وهذا دليل أن الاحتلال يخاف من هذه الكتابات ويحاول خنقها والقضاء عليها بمهدها، لكونها تشكل ضررًا له وتنقض راويته، وتدعم الحق الفلسطيني".
وحول طرق إخفاء أو تهريب الإنتاج الفكري للأسرى، يوضح الهودلي أنها عديدة، ولكن أشهرها (الكبسلة)، والتي تتم فيها كتابة المؤلف على ورق صغير شفاف، ووضعها في كبسولة صغيرة يتم بلعها، لذا الروايات تكون مقسمة على كبسولات كثيرة وتهرب على مراحل.
ويشير الهودلي إلى أن الاحتلال يعاقب الأسير في حال ضبطه وهو يؤلف أو يهرب إنتاجًا، كما يعاقبه في حال نشر للأسير كتاب، "فمثلاً سجنت لعشرين شهرا على رواية ستائر العتمة التي ألفتها عام 2001، والتي تتناول تجربتي في الاعتقال والتحقيق وظروف السجن والتعذيب، ولما تحولت لفيلم سينمائي سجنت 4 أشهر إضافية".
ويرى الهودلي أن الاهتمام بما يكتب في السجون، ليس بالقدر المطلوب وأهمية ما يُكتب، وأن الكثيرين من الأسرى يطبعون كتبهم على نفقتهم الخاصة، كما جرى مع روايته ستائر العتمة حيث تكفل بالطبعة الأولى ومن ثم طبعت بدور نشر 11 مرة، ومجموعة قصصية ألفها عام 1999 ولم تجد من يطبعها إلا بعد 15 عامًا.
يشار إلى أن مكتبة وليد الهودلي مليئة بالمؤلفات الأدبية والقصصية والروايات، من بينها 17 كتابًا صدرت ونشرت وهو في الأسر، ومن أبرز مؤلفاته رواية مدفن الأحياء، والشعاع القادم من الجنوب، ورواية ستائر العتمة، ورواية ليل غزة الفسفوري، والمجموعة القصصية أبو هريرة في هداريم.
رحلة صعبة
الكاتب المحرر رأفت حمدونة 52 عامًا، يتفق مع سابقه بأن كل عمل فكري داخل السجون يواجه العديد من العقبات حتى يرى النور، وأن الأسير يعاني الكثير من أجل الحفاظ على مادته وتهريبها سواء كانت أدبًا أو تأربخًا أو سياسة أو علومًا.
ويوضح حمدونة لـ"شبكة قدس"، أن هناك تفتيشا يوميا لزنازين الأسرى وآخر موسميا، والأخير يكون أكثر دقة وهمجية وتتم خلاله مصادرة الكثير من ممتلكات الأسرى، "وبمصادرة الإنتاج الفكري تكون هناك صعوبة في إعادة كتابته من جديد".
ويبين حمدونة الذي أمضى 15 عاماً في الأسر، أنه "كلما طالت فترة التأليف فإن الاحتفاظ بالمادة يكون صعبًا، والخوف من ضبطها ومصادرتها يزداد، فسابقًا لم يكن مسموح بالقرطاسية، فكان الأسرى يحصلون على أنابيب الأقلام بطرق صعبة، وكانوا يستخدمون أوراق وملصقات السلع الغذائية للكتابة عليها، ولكن بعد نضال طويل وإضرابات من الحركة الأسيرة رضخ الاحتلال ووفر القرطاسية في كانتين السجن لأغراض التعلم والدراسة".
ويقول حمدونة: "لمواجهة مصادرة الكتابات، ابتكر الأسرى الكبسولة حيث يكتب الإنتاج الفكري على ورق صغير بخط صغير جدًا ممكن، ويتم وضعها بكبسولة لحفظها، ويضطر الأسير لبلع الكبسولة أو عشرات الكبسولات، حتى يحفظها أو يهربها لخارج السجن".
يضيف حمدونة: "مؤخرًا بات هناك تهريب جوالات لداخل السجون بطرق خاصة لا نود ذكرها، وهذا سهل تهريب المواد الفكرية، وأيضا سهل التواصل في ظل منع الزيارات بعد عام 2000، وهنا تجاوزنا مصادرة المواد من الاحتلال وساعد كثيرا على الحفاظ على المواد".
ويرى حمدونة أن أكبر عقاب للأسير هو مصادرة مادته، "ولو كانت المادة غير أدبية، مثلًا دراسات أمنية أو سياسية، يتم معاقبة وعزل الأسير لأنه يشكل خطرا وقد يؤثر على الأسرى، وإذا تم ضبط عملية تهريب يعاقب الأسير المؤلف وكل من ساعده".
ويعتقد حمدونة أن هناك تقصيرا بحق الأسرى ومؤلفاتهم، والمطلوب الاهتمام أكثر بإنتاج الأسرى الثقافي والفكري والأدبي والعلمي، خاصة أنها كلها على مستوى عال.
وتضم مكتبة المحرر حمدونة 10 مؤلفات من بينها أربع روايات صدرت ونشرت وهو في الأسر، وهي رواية الشتات، ورواية لن يموت الحلم، ورواية قلبي والمخيم، ورواية عاشق من جنين، بالإضافة لكتب ألفها مثل الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين، الإدارة والتنظيم للحركة الأسيرة، والجيش الإسرائيلي مركبات القوة والانحطاط والذي طبع قبل شهر وغيرها، بالإضافة إلى عشرات المقالات والدراسات.
كما قدم حمدونة مساقات دراسية للجامعات منها مساق لجامعة خضوري ومساق لجامعة الخليل، ومساق للجامعة الأمريكية، وحاليًا يجري تحكيم مساق لجامعة القدس المفتوحة.
تضافر الجهود
وزارة الأسرى والمحررين بغزة وعلى لسان مدير الإعلام فيها إسلام عبده قالت: "الأسرى تغلبوا على ظلام السجن من خلال كتابات تعبر عن فكر ومعاناة وآمال الحركة الأسيرة، وأفشلوا محاولات الاحتلال طمس حياتهم".
وأضاف عبده ل"شبكة قدس": "هناك انتصارات كبيرة للأسرى في موضوع الإنتاج الفكري والثقافي، حيث رأت الكثير من المؤلفات النور، ووزارة الأسرى لديها اهتمام خاص بهذا التراث الأدبي والفكري والعلمي"، مشيراً لحرص الوزارة على طباعة إنتاج الأسرى وتوزيعه على أوسع نطاق، إضافة لحفظه وتوثيقه.
ويؤكد عبده على أهمية أن تتضافر الجهود من أجل الحفاظ على الإنتاج الفكري والثقافي للأسرى، والعمل على نشره وتوزيعه على صعيد عالمي، وحفظه كعلامة مميزة لصمود وصبر الأسرى، وجرائم الاحتلال.