في مقابلةٍ أُجريت مع الضابط السابق في وحدة 8200 الاستخبارية، ولاحقًا ضابط تحليل في جهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك"، عالم التاريخ والسلوكيات البشرية "رونيت مارزن" والتي تخصصت في قراءة وتحليل السلوك العربي استنادً إلى المناهج التي تقدم السرديات التاريخية بما يخدم تقديم صورة استشرافية، مقدمةً للأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني نبوءاتٍ قد تتحقق بحسب مقارباتها التاريخية مع الميدان.
تقدم المقابلة المنشورة في جريدة هآرتس ذات التوجه اليساري بتاريخ 26/11/2021 عدة أفكار يجب التعمق في فحصها وقراءتها، فهكذا يتم النظر إلينا وتقييمنا من قبل عدونا، ومن أهم الأفكار المطروحة في المقابلة نطرحها هنا مع التحليل:
1. تقول رونين قبل ثلاثة شهور من معركة حامي الأسوار -سيف القدس- حرب غزة الأخيرة: "فإنه سوف تحدث أعمال عنف في الوسط العربي في الكيان الصهيوني"، وفي استدراك لما حصل كوننا تابعنا بافتخار ثورة المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل ضد الوجود اليهودي بكليته أيام معركة سيف القدس، نجد أن التقييم كان حاضرًا في المستوى الأمني والنخبوي داخل الكيان الصهيوني، لأن ما حصل سيحصل، ولم يتم تدارك الإمكانيات والتوقعات من قبل الجهاز الإداري والأمني في كيان الصهيوني، حتى لا يشكل ذلك عنصر ضغط على المنظومة من الداخل، بل تم تجاهل التحذيرات داخل حكومةٍ وأحزابٍ منشغلةٍ بمنافسة داخلية على الحكم وإمكانية استبدال نتنياهو بغيره.
لكن الأهم من ذلك هل وصلتنا نحن الفلسطينيون من أن هذا الاستشراف الذي قدمته الضابط الاستخباراتي السابق يجب الانتباه له وأخذه بعين الاعتبار والعمل عليه، أم أننا تفاجأنا كغيرنا من هذا الحراك الجماهيري المفاجئ في الداخل المحتل؟
2. وفي استباق لما سيحدث، تقول رونيت: "فتح التنظيم الذي تستند عليه السلطة الفلسطينية سوف ينقلب على رؤوسكم من أجل أن تنقذ ما بقي من شرعيتها في الشارع الفلسطيني، وعليه سوف تغامر فتح بكل شيء، والقصة هذه ستخرج من جنين باتجاه المقاطعة في رام الله، وأبو مازن لا يستحوذ على الشرعية التنظيمية أو الشعبية، بل إنه حصان ميت لا يجب المراهنة عليه، فهو يمتلك منزل في الأردن، وهو سيهرب إليه".
ومع مقاربةٍ لما تقول رونيت وبين الوقائع في شمال الضفة الغربية بدءًا من نابلس ومخيمها إلى جنين ومخيمها، فإن حالة التسليح والتجييش بين عموم شبابنا الفلسطيني المتحمس للمعركة مع العدو الصهيوني يسدد ويقارب الإمكانيات لتحقيق ذلك، وأول خطوة كانت رفض قرارات أبو مازن ورفض الانصياع لتعليمات وقرارات أجهزة أمن رام الله التي لا تقدم شيء على المستوى الوطني للحفاظ على الإنسان الفلسطيني بشكله المجرد، لا بل من خلال التنسيق الأمني الذي تعيش تلك الأجهزة من خلاله، تقوم بمواجهة أي نفس وطني مقاوم من أي اتجاهٍ كان، من خلال اعتقاله أو متابعته وتسليم ما تملك من معلومات للعدو الصهيوني، وهو يقوم باللازم، وعليه من الطبيعي جدًا أن يتم تقييم الوضع بهذه الشاكلة، لذا نحن أصحاب التيار الوطني الفلسطيني أين موقعنا مما سيحصل؟ وماذا أعددنا له؟
3. وفي قراءة ذات أبعاد أيديولوجية وأمنية، تقدم تقديرات لشكل الفعل القطري في المنطقة العربية، القائم على تفعيل الأصوات الباردة مثل الأستاذ عزمي بشارة، والشيخ الكبير يوسف القرضاوي، وآخرين في مناقشات مفتوحة عبر منصة الجزيرة وما تحويه من أدوات، لنقاش الإشكاليات الشعبوية العربية منها والإسلامية العالمية، التي تلامس عواطف ووجدان أعداد كبيرة من الأمتين العربية والإسلامية، مما يشكل في النهاية ثورات وصراع دموي كما حصل في عام 2011م بداية الربيع العربي ضد كل المنظومة الأبوية الحاكمة في المنطقة العربية ككل، وخلف كل حدث تقف الجزيرة بإحدى منصاتها، وهذا ما تعتقده أنه حصل في حوادث المسجد الأقصى العام الماضي، والتي قادت إلى معركة لم يكن أحد بحسبانها سوى من أعد لها عدتها، وعليه سمعنا أصوات من داخل المسجد الأقصى تنادي باسم المجاهد الكبير محمد الضيف أبو خالد.
وتعتقد رونيت أن هذا الأمر لم يحدث أبدًا أن قام أهالي القدس وتوجهوا إلى حماس للنصرة والفزعة كما في التراث الفلسطيني الاجتماعي والوطني، وبقناعة الضابط رونيت أن هناك شخص ما قد جند هذا النداء للقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف من أجل أن يتم إحراجه ووضعه في الزاوية ضمن معادلة الثقافة الأبوية العربية السائدة في المجتمعات العربية عندما تتحدى الرجولة في صميم أحدهم، هذا يقوده حتمًا إلى الجنون، وتكمل حديثها وتجيب أن هذا الشخص هي قطر وقيادة حماس في الخارج ضمن مؤامرة لتسوية الوضع لحسابٍ تجريه قطر مع قيادة حماس في الخارج.
ومع عدم ذكرنا لكثيرٍ من التفاصيل التي تطرحها رونيت ترفعًا وتنزهًا، إلا أننا يجب أن نقرأ جيدًا ما يكتب بوضوح في العصف الأمني الصهيوني حول أفكار وتمنيات يعملون من أجلها لإثارتها على الساحة الفلسطينية، وليس الحديث عن موضوعية الطرح السابق أو إثارة عقلانية ما يتم تداوله بقدر أن لكل طرف رغبات وتوجهات يتم العمل عليها.
الخطأ الكبير هنا في أطروحات ضابط رونيت هو إسقاط قراءة تحليلية سلوكية تاريخية على إطار لبعد آخر يندرج تحت الفعل الأيديولوجي، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بالقدس والمسجد الأقصى ونداء الحرائر من مرابطاتنا ومجاهدينا، فإن الأمر هنا له بعدٌ آخر أكدته الضابط رونيت.
ومع خاتمة الحديث هنا، تعتبر رونيت أن الحديث مع حماس أمر لا مفر منه، ويجب استدراك الوقت والحديث مع حماس كونها لاعب سياسي ولها ذراع عسكري، وعليه فإنها تقول أنه من المناسب للكيان الصهيوني أن يفتح المجال لحماس للتحول إلى لاعب سياسي متكامل، والاتفاق معها، وإلا سيكون هناك آخرين لا يمكن الحديث معهم.