رام الله - خاص قدس الإخبارية: فجرت الرسومات المسيئة للرئيس الراحل ياسر عرفات، أزمة قد تتجاوز بحدودها منطق وحدود الحدث نفسه، خاصة في ظل ما يمكن وصفه باشتداد "معركة الخلافة" التي كان ترشيح حسين الشيخ لعضوية تنفيذية منظمة التحرير خلفا لصائب عريقات، بمثابة إعلان رسمي حقيقي عن بدئها.
عباس أمر بخفض وتيرة الانتقاد
وتشير مصادر مطلعة لـ شبكة قدس أن الرئيس محمود عباس ومن حوله يحاولون خفض وتيرة الانتقادات المتعلقة بالرسومات المسيئة، وقد أصدر توجيهات بهذا الشأن، بما في ذلك الطلب بعدم إصدار بيانات تطالب بإقالة الحكومة أو تحميلها مسؤولية ما جرى، تحت شعار أن الحدث استغلته قوى المعارضة.
وتقول المصادر لـ قدس إن التوجه السائد لدى رئاسة السلطة الفلسطينية هو تحميل المسؤولية لمسؤولين إداريين في متحف ومؤسسة ياسر عرفات، أبرزهم؛ مدير عام المؤسسة، أحمد صبح، وقد أُصدر قرار بتشكيل لجنة التحقيق للنظر في القضية.
تتقاطع هذه المعلومات مع ما صرح به الناطق باسم حركة فتح حسين حمايل، الذي قال إن الدعوات لإقالة محمد اشتية، صدرت عن نشطاء على الفيسبوك. متجاهلا حقيقة أن بيانات صدرت عن حركة فتح في بلاطة، ومفوضية المنظمات الشعبية في فتح، وعدة مناطق بالضفة، طالبت بإقالة اشتية.
وبحسب حمايل، فإن الحكومة ستكون ممثلة في لجنة التحقيق، وستتابعها. وهذا من شأنه أن يعفيها ورئيسها من المسؤولية أو المساءلة كطرف متهم في قضية الرسومات المسيئة، رغم أن اشتية كان قد شارك في افتتاح المعرض إلى جانب عضو مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات انتصار الوزير.
محاولات التنصل من المسؤولية والرعاية للمؤتمر، ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يتضح أن موقع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون على الإنترنت قد حذف مادتين إعلاميتين عن رعاية الرئيس محمود عباس للمؤتمر، إحداها مقابلة عبر خاصية البث المباشر من المعرض.
اشتية إلى الواجهة من جديد
اللافت أن صور الرسومات المسيئة قد ضُمنت في الدعوة التي وزعت قبل افتتاح المعرض، ولم تلق اهتماما أو انتقادا، وهو ما يشير وفق مراقبين إلى أن الأزمة التي أثيرت حوله تعبر في حقيقتها عن الأزمة الداخلية الفتحاوية بعد ترشيح الشيخ لتنفيذية المنظمة.
ويظهر من البيانات التي صدرت يوم أمس عن هيئات ومناطق تنظيمية معينة، أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي كان له دور في توجيه أصابع الاتهام لـ اشتية، ورفع سقف الاحتجاج والمطالب، وهذا ينسجم مع موقفه من الحكومة الحالية، والترشيحات الفتحاوية الأخيرة لمناصب في منظمة التحرير.
وتكشف المصادر لـ قدس أن محاولة إقالة حكومة اشتية ليست طارئا على أجندة عمل بعض أعضاء مركزية فتح، ومن بينهم جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي وصبري صيدم، إذ سعى الثلاثة - كان معهم عباس زكي وتراجع - لإقالة الحكومة وقادوا حراكا في هذا الأمر، معتبرين أنها فشلت في معالجة قضايا الشعب وقدمت نموذجا سيئا للحكم الفتحاوي، لكن هذا الحراك أُحبط من قبل الرئيس عباس، الذي أبدى في البداية ظاهريا تفهمه لمواقف الثلاثة.
وتؤكد مصادر عدة لـ قدس أن هناك شبه إجماع فتحاوي على فشل اشتية وحكومته في إدارة الشأن العام، لكن لحسن حظه أن التيار الذي يتبنى مطلب إقالته، هو النقيض لحسين الشيخ وماجد فرج وبالتالي محمود عباس، ولذلك فإنه ينجو بفعل هذه المعادلة من الإقالة.
أزمة على أبواب المؤتمر الثامن
ترجح مصادر لـ شبكة قدس أن يجري تأجيل المؤتمر الثامن لحركة فتح، بسبب اشتداد الخلافات داخل حركة فتح بعد تشريح الشيخ لعضوية المنظمة، وأحد المواعيد المقترحة للتأجيل هو نهاية عام 2023، وهو ما يلقى معارضة شديدة من بعض أعضاء مركزية فتح من بينهم الرجوب، وبالتالي لا حسم نهائي في هذا السياق حتى اللحظة.
يوم أمس صرّح الرجوب بشكل واضح، خلال حديث في إقليم فتح وسط الخليل، أنه يجب العمل على عقد المؤتمر في تاريخه، وأي حديث عن تأجيله أو الانتخابات البلدية، هو أمر خاطئ، لأنها استحقاقات قانونية ونظامية مطلوبة ومن الضروري إنجاحها.
ويخشى التيار المتمثل بالشيخ وعباس أن يجري معاقبتهم من خلال المؤتمر، وهو ما دفعهم لاقتراح آليات ومعايير جديدة لاختيار المشاركين، الأمر الذي يرفضه أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، وتصرّ على اعتماد الآليات والمعايير القديمة.
وفق المصادر، فقد صرّح الرجوب لمقربين منه ولأعضاء في مركزية فتح بأن الشيخ لن يكون رئيسا في أي حال من الأحوال، وأن على الرئيس عباس عدم مواصلة وضع العراقيل أمام الاختيار الديمقراطي داخل الحركة وفق الأنظمة واللوائح والقوانين، وهو "ما من شأنه أن يسبب لنا أزمة حتى بعد وفاته".
في حديثه أمام إقليم فتح وسط الخليل، ألمح الرجوب لفكرة توريث الشيخ، وقال إن مهمة الرئيس عباس المساعدة في تمكين حركة فتح، بتوفير كل الظروف المناسبة، التي تمكنها من قيادة الشعب الفلسطيني في الحاضر والمستقبل، منوها إلى ضرورة وجود أدوات قياس للحكم على سلوك أي شخص، وإلا "فإننا سنبقى مستمرين في الفوضى التي عشناها وما زلنا نعيشها"، كما قال.