ارتفاع منسوب التحذير الإسرائيلي، في هذه الأيام، بشكل كبير من إمكانية تجدد اندلاع المواجهات في مدن وبلدات الداخل الفلسطيني لا سيّما فيما يسمى “المدن المختلطة” على غرار تلك التي اندلعت خلال الهبة الشعبية (هبة الكرامة) يوم 28 من شهر رمضان- 10 أيار/مايو الماضي؛ يدل بوضوح على حقيقة مفادها أن ساعة الانفجار قد اقتربت. وكنت قد أوردت في مقال نُشر في صحيفة “المدينة” في تاريخ 17/9/2021 تحت عنوان (فلنحذر من هذه التحذيرات) أن التقديرات الإسرائيلية باتت تتوقع أن تكون الموجة القادمة أكثر عنفًا من سابقاتها وما هي إلا مسألة وقت، وذلك وفقًا لتحذيرات توقعتها تقديرات إسرائيلية وردت في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية في ذلك الوقت.
الدلائل التي تشير إلى اندلاع المواجهات هذه المرة، ليست هي التصريحات المبنية على تقديرات وتحليلات صادرة عن المستوى الأكاديمي والسياسي والإعلامي، إنما هي تحركات واستعدادات ميدانية لا تخفى على أحد، والتي لا تأتي بمعزل عن أجواء التحريض العام في البلاد على الفلسطينيين بدعم من وزراء حكومة الاحتلال ورؤساء سلطات محلية يهودية وشخصيات إسرائيلية من مختلف المستويات الرسمية.
لا بدّ من الإشارة هنا، إلى أن هذه التحذيرات الإسرائيلية المبنية على التقديرات، دائمًا تأتي مرتبطة وملازمة مع توقعات حدوث مزيد من التصعيد للأوضاع الأمنية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والتي ستمتد بطبيعة الحال إلى مناطق الداخل الفلسطيني. وذلك يعود لأن أبناء الداخل الفلسطيني لم يكونوا في يوم من الأيام بمعزل عن القضايا الفلسطينية بالرغم من محاولات عزلهم جغرافيًا وشعوريًا وحتى إنسانيًا عن أبناء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وفي دول اللجوء والشتات.
هذا واقع لا تستطيع المؤسسة الإسرائيلية إنكاره أو التغافل عنه، فهي تتعامل مع هذا الواقع من منطلقات أمنية ومن خلال نظرتها العنصرية العدائية لمجموعة أصلانية تعيش على أرضها وفي وطنها كطابور خامس وكخطر استراتيجي وعقبات يجب التغلب عليها أو إزالتها في أقل تقدير. وهي تعلم جيدًا حقيقة أن قاعدة الداخل الفلسطيني هي الانحياز إلى الهمّ الجماعي وإلى قضاياه المصيرية وقد أدّى أبناء الداخل عبر العديد من المحطات دورا مركزيًا في نصرة القضايا الفلسطينية والمقدسات والقدس والمسجد الأقصى وقدّم في سبيلها التضحيات على مختلف أشكالها عبر مسيرة طويلة. كما تعلم المؤسسة الإسرائيلية جيدًا أن ظاهرة عرب الائتلاف الحكومي ودعاة الأسرلة والاندماج وما يسمى (التعايش العربي الإسرائيلي) الذي يدعو للانسلاخ عن قضاياه الجماعية والمصيرية ما هي إلا ظاهرة عابرة وشاذّة عن القاعدة سرعان ما تُبدد الأحداث أوهامها كما بدّدتها في “هبة الكرامة”.
لذلك، باتت المؤسسة الإسرائيلية تعمل ألف حساب وحساب لساعة الانفجار هذه، وتُعد لها العُدة في السر والعلن. واستخلاصًا للعبر من أحداث “هبة الكرامة”، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعدّ خطة عسكرية خاصة لـ “تحصين الجبهة الداخلية” عبر حشد قوات من حرس الحدود ونشرها بمحيط البلدات الفلسطينية والمدن الساحلية وعلى الطرقات الرئيسية في البلاد من أجل دعم شرطة الاحتلال الإسرائيلية في فرض السيطرة والنظام وضمان تنقل قوات الجيش في الطرقات والمحاور الرئيسية والمناطق المتاخمة للقواعد العسكرية ومنع أي أحداث من شأنها أن تستهدف اليهود، بحسب ما أوردته وسائل إعلام عبرية.
إلى جانب هذه القرائن والدلائل التي تنذر باقتراب ساعة الانفجار، فإن من تجليات التحركات والاستعدادات الميدانية الإسرائيلية للتعامل مع ما يمكن أن يحدث داخل البلدات الفلسطينية، فإن منطقة النقب شهدت مؤخرًا، إنزالا جويًّا لقوات من شرطة الاحتلال على قرية أبو تلول، مع نصب خيمة تحكُّم عن بعد للإشراف على العملية في القرية، وحوت الخيمة عدة ضباط راقبوا العملية أولا بأول مع عملية الإنزال الجوي، مع العلم أن الإنزال الجوي، يُستخدم في حالات الحرب لإنزال قوات خلف خطوط العدو!! فما هي دلالات ذلك؟؟
لم يتوقف الأمر هنا، فبعدها بأيام قليلة، جاءت جولة رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت مع حاشية من غلاة المتطرفين والعنصريين لمنطقة النقب، ووقف مشرفًا من على تلة قرب مدينة رهط، ويتحدث عن العنف ويصرّح؛ “انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم”!! هل الانتقال من الدفاع إلى الهجوم ضمن خطة لمكافحة العنف كما يدّعي؟ أم هي رسالة واضحة للداخل الفلسطيني بالتلويح من أجل تفعيل منظومة الطوارئ والحكم العسكري انطلاقًا من النقب؟
وليس أدلّ على أن ساعة الانفجار باتت وشيكة من غض شرطة الاحتلال الإسرائيلية وجهاز “الشاباك” الطرف عن وجود عصابات مستوطنين تضم نحو عشرين ألفًا من الإسرائيليين يعملون معًا ويستخدمون منصات التواصل الاجتماعي للتواصل وتنسيق تحركاتهم والدعوة لها. وتخطط هذه العصابات لجرائم ضد العرب الفلسطينيين في مدينة الرملة وسائر ما يسمى “المدن المختلطة”. في الوقت الذي يشّن فيه رئيس بلدية اللد المتطرف يائير رفيفو حملة تحريض عنصرية على المحامييّن خالد زبارقة وتيسير شعبان وهما يمثلان اللجنة الشعبية في اللد ولها نشاطها المعروف في مناهضة العنصرية الإسرائيلية.
ما أريد قوله، إن المؤسسة الإسرائيلية قرأت الخريطة جيدًا وتعلم أن ما كان من توقعات قبل أشهر وكان تحت مسمى “مسألة وقت”، أصبح اليوم واقعًا لا محالة، وتعلم المؤسسة أن سياستها وممارساتها العنصرية وانتهاكاتها المستمرة بحق المقدسات والأرض والإنسان تنذر باندلاع مواجهات تكون أكثر عنفًا من سابقتها، كما تتوقع، وها هي قد انطلقت شراراتها في القدس والضفة الغربية، في حين أعلنت غزة أنها على أهبة الاستعداد، والمؤسسة الإسرائيلية هي من يتحمل كامل المسؤولية على ما تحمله ساعة الانفجار الكبير من تداعيات لا تستطيع توقع حجم نتائجها الكارثية.