حومش، مغتصبة صهيونية تقع على المدخل الجنوبي لمحافظة جنين، وعلى ثرى قرية سيلة الظهر الفلسطينية، تم إخلاؤها عام 2005م ضمن مشروع الانسحاب الأحادي الجانب الذي نفذه الكيان الصهيوني من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية تحت ضربات المقاومة الفلسطينية الباسلة.
إعادة رسم المستوطنات كان مهمًا للمستويين الأمني والسياسي في ذلك الوقت؛ كون الخسائر الناجمة عن وجود تلك المغتصبات ضمن المدى الجغرافي للمدن والقرى الفلسطينية لا يمكن استيعابها.
في نفس الوقت كان جمهور المستوطنين المستهدف من عملية الإخلاء يعارض الفكرة منذ البداية، وقاوم الإخلاء إلى أن تم الأمر، وكان يردد شعار "اليهودي لا يطرد اليهودي".
العامل الفكري الجامع للمستوطنين كان الانتماء إلى الفكر القومي الصهيوني الديني، وهو من أصعب وأشد التوجهات الفكرية ضمن خليط الأفكار التي يجمعها الكيان الصهيوني في نظرته المتطرفة والعنصرية تجاه المجتمع الفلسطيني.
لاحقًا تم إدراك الفوارق في الاتجاهات السياسية، والتي تمثلها الأحزاب الصهيونية، ليتم إنشاء أحزاب وجماعات تمثل الاتجاه القومي الصهيوني الديني، من أخطرها وأهمها جماعة فتية التلال بفكرها القائم على تدفيع الثمن، والتي تقوم بفعاليات متطرفة ولا تتوافق مع القانون في الكيان الصهيوني ضمن النظرة الشكلية للقانون.
ومع انقلاب الاتجاه السياسي الرسمي في الكيان الصهيوني تجاه اليمين ويمين وسط، أخذ المستوطنون مجالًا أوسع لاحتلال وإقامة بؤر استيطانية صغيرة في العديد من مناطق وقرى الضفة الغربية، والتي شكلت تحديًا أمنيًا جديدًا للمنظومة الأمنية في حمايتها ومتابعتها، كونها لا تحمل الصفة الرسمية للمستوطنات، وعليه لم يتم توجيه قوات أمنية لحمايتها بشكل رسمي، ومن جهة أخرى مع اعتبار تلك البؤر نقاط ارتكاز عسكرية مؤقتة لقوات الجيش الصهيوني وحرس الحدود على وجه الخصوص.
مغتصبة حومش التي تم إخلاؤها تقع على وجه التحديد وسط تجمع قرى فلسطينية، تحدها من الشمال قرية سيلة الظهر، ومن الشرق قرية جبع، ومن الجنوب قرية برقة نابلس، ومن الغرب قرية بزَّاريا، وأقرب طريق إليها يمر عبر قريتي سبسطية وبرقة نابلس، حتى يتم الوصول إلى مدخلها المشترك مع مدخل سيلة الظهر.
الموقع من الناحية الأمنية العسكرية يعتبر ضعيف جدًا لما ذُكر سابقًا من محيط معادي له، لكن بشكل ما يُعتبر نقطة ارتكاز عسكرية متقدمة قد تؤثر على المجهود الفلسطيني المقاوم في الحاضر والمستقبل.
المستوى الأمني الرسمي يُقدر الموقع ضمن معادلة الربح والخسارة ومستوى الخطورة، لكن جماعات المستوطنين لا يأخذون الأمر ضمن الاعتبارات الأمنية وحتى السياسية، فالنظرة الكلية لمسألة الاستيطان هي أيديولوجية بالأساس.
لسنوات طويلة بعد عملية الإخلاء لم يتم الاستفادة فلسطينيًا من عملية الإخلاء من خلال فرض وقائع جديدة، وذلك كأن يتم إعادة الأرض لأصحابها وإعمارها وإعادة زراعتها، إلخ.
وعليه، منذ سنواتٍ عدة كان يتواجد أحد مستوطني مغتصبة فادي شمرون وبشكل يومي داخل خيمة مؤقتة في مستوطنة حومش المخلاة بسلاحه الشخصي ضمن معادلة فرض الأمر الواقع لإعادة فتية التلال مستغلين بذلك نقاط الضعف لدى الفلسطينيين، والتي على رأسها محاربة أجهزة رام الله للمقاومة الفلسطينية وإحباط عملياتها لصالح أمن الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه من جهة، ومن جهةٍ أخرى كما ذكرنا التحولات السياسية الرسمية في الكيان الصهيوني لصالح اليمين.
لاحقًا، وخلال الخمس سنوات الماضية وبشكل غير قانوني، تم إنشاء مدرسة دينية مصغرة في مغتصبة حومش المخلاة على يد عناصر شبابية متطرفة -القتيل يهودا واحدًا منهم- من التجمعات الاستيطانية في المنطقة وعلى رأسها مغتصبة فادي شمرون إلى الغرب من نابلس الواقعة على أراضي قرى دير شرف وسبسطية وبزَّاريا، لتصبح هذه المدرسة مكان تجمع شبابي يفرض سياسة الأمر الواقع الاستيطانية من منظور أيديولوجي في عقل هذه المجموعة.
لم يتم الأخذ بالحسبان الموقع الخطير للجغرافيا المغتصبة ووجودها داخل محيط معادي من القرى الفلسطينية، إلا أن هذه المجموعة وغيرها يعتقدون بأن لهم رسالة مهمة من خلال تواجدهم في مواقع كهذه تحمل في طياتها العنف وحرق البيوت الفلسطينية كعائلة دوابشة، وقطع أشجار الزيتون والتخريب بشكل عام.
وزير الأمن الداخلي بارليف تحدث مؤخرًا حول العمليات البطولية التي شهدتها الضفة الغربية والقدس وتحديدًا الأخيرة يوم الخميس عن أن -كما يدعي- إرهاب الفلسطينيين قد أحنى رؤوس الكيان الصهيوني بشكل قبيح.
حماس سابقت إلى مباركة الحدث باعتباره جزءًا أصيلًا من نهجها المقاوم رغم كل العقبات على الأرض، وأن الشعب الفلسطيني سيستمر في مقاومته ضد الاحتلال ومستوطنيه حتى يتم طردهم من كل البلاد.
عودةً إلى البعد الآخر
في جنازة القتيل الصهيوني والتي أقيمت وسط غضب عارم من قبل أنصار التيار المتطرف، علت صيحات الانتقام من الفلسطينيين "الدم سيجر الدم" وعودة مغتصبة حومش إلى سابق عهدها، الإشكال هنا أن هؤلاء لم يدركوا بعد أن الشعب الفلسطيني ما زال حيًا ويعيش في هذه البلاد.