رام الله المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: شهد العام 2021، انتكاسة كبيرة في واقع الحريات فلسطينيا، رغم أنه العام الذي صدر فيه مرسوم رئاسي بشأن الحريات العامة (فبراير 2021)، والذي أكد على تعزيز مناخ الحريات العامة في كافة أرجاء فلسطين، بما فيها حرية العمل السياسي والوطني، والتأكيد على حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، لأسباب تتعلق بحرية الرأي والانتماء السياسي.
وجاء المرسوم الرئاسي، لاحقا لإصدار الرئيس مرسوما بتحديد موعد إجراء الانتخابات، ليشدد على إطلاق سراح المحتجزين والموقوفين والمعتقلين على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي، أو لأسباب حزبية أو فصائلية.
وعلى الرغم من القرار الذي شدد على الحريات العامة، إلا أن العام ذاته شهد انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان والحريات العامة، والتضييقات على العمل السياسي، وقد سجلت اعتداءات متصاعدة ومكثفة قامت بها الأجهزة الأمنية بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان تمثلت ذروتها بمقتل الناشط السياسي نزار بنات على يد الأجهزة الأمنية في حزيران 2021.
إلغاء الانتخابات
مع تتبع سير الأحداث خلال العام 2021؛ أصدر الرئيس مرسوم تحديد موعد إجراء الانتخابات في 15 كانون الثاني 2021، وتم إصدار مرسوم جديد في 30 نيسان 2021 يقضي بتأجيل الانتخابات العامة بحجة عدم إمكانية إجرائها في مدينة القدس المحتلة، قبل أقل من شهر على موعد إجراء الانتخابات التشريعية، حيث كشفت مصادر لشبكة قدس في حينه، أن السلطة الفلسطينية لم تتقدم بالأساس للاتحاد الأوروبي بأي طلب حول إجراء الانتخابات في القدس أو السعي لإيجاد بدائل وترتيبات فنية لإتمام عملية الانتخاب بالقدس، كما لم تطلع السلطة الأطراف الدولية على أي رسالة إسرائيلية بخصوص عدم إجراء الانتخابات في القدس، وأن قرار التأجيل يعود إلى الخلافات داخل حركة فتح وخشيتها من عدم تحقيق الفوز الذي تطمح به.
ورفضت معظم الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، قرار الرئيس تأجيل الانتخابات، في حين اعتبر خبراء ومراقبون، أن قرار التأجيل اعتداء على حق الشعب في الترشح والانتخاب، ومماطلة من السلطة الفلسطينية للحفاظ على مكانها في ظل أزماتها.
مقتل نزار بنات.. قمع التظاهرات المطالبة بالعدالة
كان مقتل الناشط السياسي نزار بنات، ورئيس قائمة الحرية والكرامة الانتخابية من أبرز مظاهر الانتهاكات الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان التي مارستها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث اغتالت عناصر من الأجهزة الأمنية الناشط بنات في مدينة الخليل المحتلة في 24 حزيران 2021، وذلك بعد أسابيع طويلة من الملاحقة على خلفية آرائه. في 24 حزيران 2021، بعد ساعات من إعلان مقتل الناشط بنات، خرجت مظاهرات في مدينتي الخليل ورام الله احتجاجا على وفاته، وشارك العشرات من الفلسطينيين في احتجاج في دوار المنارة وسط رام الله، منددين بجريمة الاغتيال. وفي 26 حزيران خرج عشرات المتظاهرين في رام الله، ضد مقتل الناشط بنات، وقد قوبل ذلك بانتشار أمني مكثف، قبل أن تبدأ عملية قمع شارك فيها رجال أمن بلباس مدني وعسكري، وتعرض صحفيون ومشاركون بالتظاهرة وناشطون حقوقيون للاعتداء والضرب والسحل، وكشف الهلال الأحمر الفلسطيني حينها عن إصابة العشرات جراء قمع التظاهرة.
وفي 22 آب، منعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، تنظيم مظاهرة وسط رام الله، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن اغتيال بنات، ونفذت حملة اعتقال في صفوف المشاركين، وقد دعت هيئات ومؤسسات حقوقية للإفراج عنهم، مشيرة إلى أن ما يجري تخط لكل الخطوط الحمراء. وقد تكرر لاحقا مشهد الاعتداء على المشاركين في الوقفات الاحتجاجية وفي 5 يوليو نفذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية عملية قمع ضد أهالي المعتقلين السياسيين، خلال اعتصامهم أمام مقر شرطة البالوع، وقد تعرضت أسيرات محررات وكاتبات صحفيات ونقيبة المهندسين الحالية للاعتقال والضرب والسحل، بالإضافة لأسرى محررين وناشطين حقوقيين.
زيادة وتيرة الاعتقال السياسي
مع بداية شهر تشرين الأول 2021 شهدت الضفة المحتلة، حملة اعتقالات سياسية واسعة في صفوف نشطاء وصحفيين وطلاب جامعات وأسرى محررين من قبل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وقد تزامنت مع هذه الاعتقالات مشاهد موثقة بعدسات الكاميرات للتضييق على الحريات العامة وقمع حرية العمل السياسي، كما حدث في جنازة الشهيد أمجد أبو سلطان في مدينة بيت لحم، حيث اعتدى أفراد من الأجهزة الأمنية بلباس مدني على المشاركين في الجنازة من أبناء الجبهة الشعبية وحماس والجهاد الإسلامي، وصادروا راياتهم.
وقد بلغت هذه الاعتقالات ذروتها بشكل خاص في مدينة جنين في أعقاب الحديث عن خطة أمنية طرحت بشكل واضح بعد جنازة وزير الأسرى السابق والقيادي في حماس وصفي قبها، وكشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أن الرئيس محمود عباس قرر تغيير قادة الأجهزة الأمنية في جنين، وأوعز بعملية عسكرية فيها، وتبعه تصريح محافظ جنين أكرم الرجوب بأن "أبناء المؤسسة الأمنية كافةً يبذلون جهودًا كبيرة في حفظ الأمن والنظام وإرساء سيادة القانون".
وفي 2 كانون الأول 2021 أصدرت مجموعة "محامون من أجل العدالة" بيانا حول تصاعد وتيرة حملات الاعتقال التي تنفذها الأجهزة الأمنية في محافظات الضفة الغربية المحتلة منذ بداية شهر تشرين أول المنصرم، والذي يعكس مدى تردي أوضاع حقوق الإنسان في فلسطين.
وأوضحت المجموعة أنها وثقت عشرات حالات الاعتقال التي طالت مواطنين ونشطاء على خلفيات متعددة بسبب الانتماء السياسي أو ممارسة حرية الرأي والتعبير. وأضافت "تجاوز عدد المعتقلين ما بين موقوفين أو مفرج عنهم منذ منتصف مايو الماضي حتى الآن؛ ما يقارب مائتي حالة اعتقال، وهذه الأرقام هي الأسوء منذ سنوات في سجل حقوق الإنسان في مناطق السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية". وأكدت أن توثيقات المجموعة تشير إلى أن غالب هذه الاعتقالات جرت دون إبراز مذكرة توقيف أو تفتيش صادرة من جهات الاختصاص ممثلة بجهاز النيابة العامة، إلا أنه فور تنفيذ هذه الاعتقالات تبدأ في اليوم التالي إجراءات شرعنة هذه الاعتقالات من قبل النيابات المختصة.
استهداف مواكب الأسرى
في 21 تشرين الثاني قمعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية موكب استقبال الأسير معتصم زلوم، لتبدأ بعد هذا التاريخ حمل قمع منظم بحق مواكب استقبال الأسرى، وفي 12 كانون الأول 2021، اعتدت الأجهزة الأمنية على حفل استقبال الأسير المحرر محمد العارف بعد 19 عامًا قضاها في سجون الاحتلال، وقامت بإطلاق قنابل الغاز ما تسبب بإصابة الأسير نفسه بالاختناق والإغماء، إضافة إلى إصابات في صفوف المشاركين. وخلال الأسابيع الأخيرة، وثقت الكاميرات اعتداء الأجهزة الأمنية على مواكب استقبال عدد من الأسرى المحررين، مثل مصطفى خدرج في قلقيلية، وعبادة قنيص في بيت لحم، وعزمي أبو عودة في طمون، تخللها إنزال ومصادرة رايات للفصائل. وفي 22 كانون الأول أعلن عن وفاة الشاب أمير اللداوي متأثرا بإصابته التي أصيب بها خلال ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية في أريحا أثناء استقباله الأسير المحرر القيادي بحركة حماس شاكر عمارة في 14 كانون الأول.