على مدى السنوات الثلاث الماضية ما بين 2019-2021 لعب التناظر بين التقويمين الهجري القمري، والعبري المختلط ما بين الشمسي والقمري، دوراً مهماً في وضع المناسبات والأعياد الإسلامية في مواجهة الأعياد العبرية التي توظفها جماعات الهيكل المتطرفة كذروات عدوانٍ وتهديد ضد الأقصى، وكانت تلك الخلفية عنوان معظم المواجهات التي شهدها الأقصى على مدى ثلاث سنوات تقريباً.
على مدى تلك السنوات جاءت الذكرى العبرية لاستكمال احتلال القدس في مواجهة 28 رمضان، فيما كانت "ذكرى خراب المعبد" الدينية اليهودية في مواجهة عيد الأضحى في 2019، وفي مواجهة يوم عرفة في 2020 ثم في مواجهة يوم التروية 2021. شهد المسجد الأقصى ثلاثة مواجهاتٍ في ثلاث سنوات على خلفية هذا التناظر: اقتحام 28 رمضان في 2-6-2019، ثم اقتحام الأضحى في 11-8-2019، ثم أخيراً اقتحام 28 رمضان الذي انفجرت منه معركة سيف القدس في 10-5-2021. ولولا أن وباء كورونا ألقى ظلالاً ثقيلة على عام 2020، لكانت المواجهة خلاله حتمية في شهر رمضان أيضاً.
اليوم ومع نهاية "عيد الأنوار" العبري الذي انتهى في 6-12-2021 تنطوي هذه الدورة من التقويم العبري ومدتها ثلاث سنوات، لتفتح الباب لدورة جديدة مدتها سنتان ستسود خلال عامي 2022-2023. وحتى لا نتوه في التعقيد الذي يلف التقويم العبري، يكفي أن ندرك الآتي: أن السنة العبرية شمسية من حيث السنوات، قمرية من حيث الشهور، وللمحافظة على توافق الدورتين القمرية والشمسية فإنها تضيف شهراً للسنة في كل سنتين أو ثلاثة، ضمن دورة تدوم 19 عاماً بينها 7 سنوات كبيسة و12 سنة عادية تعرف بالدورة الميتونية، وهذا ما يجعل المناسبات العبرية تتحرك أمام التقويم الميلادي لنحو 30 يوماً ثم تعود لنفس موقعها تقريباً مع بداية الدورة التصحيحية الجديدة. وبما أن العام الهجري قمري بشهوره وبسنواته، فإنه دائم التحرك في مواجهة التقويم الشمسي وفصول السنة، وهو ما ينتهي إلى تناظرات تاريخية بين المناسبات الإسلامية الهجرية واليهودية العبرية.
اليوم، ومع إضافة شهرٍ للسنة العبرية الكبيسة الحالية، فإن تناظراً هجرياً-عبرياً جديداً سينشأ على مدى عامي 2022-2023 قبل أن تأتي السنة العبرية الكبيسة التالية وتغيره؛ وخلال هاتين السنتين سينشأ واحد من أخطر التناظرات الهجرية-العبرية منذ احتلال فلسطين، ومنذ بدء مشروع استهداف المسجد الأقصى المبارك وستتقاطع المناسبات على الشكل التالي:
التقاطع الأخطر: سيكون ما بين شهر رمضان المبارك وعيد الفصح العبري الذي يستمر ثمانية أيام، ويعده الصهاينة أحد أهم "أعياد الحج" التي يتخذونها موسماً للعدوان على الأقصى وتهويده، وسيدوم ما بين 15-22 من شهر 4-2022، أي ما يقابل الأسبوع الثالث من رمضان ما بين 14 وحتى 21 رمضان 1444 هـ.
التقاطع الثاني: ما بين ذكرى "خراب الهيكل" ويوم عاشوراء، وسيكون ذلك يوم الأحد 7-8-2022 تحديداً.
التقاطع الثالث: وسيكون ما بين "عيد العرش: التوراتي الذي يدوم ثمانية أيام ما بين 10-17 من شهر 10-2022، وذكرى المولد النبوي التي ستكون قبله مباشرة في 8 أو 9 من شهر 10-2022.
في الخلاصة،
إن ما يتناوله هذا المقال ليس شأناً تفصيلياً أو تقنياً يهم بضعة مختصين وإن بدا كذلك لأول وهلة، بل هو واقع سينتج على الأرض ويتحول إلى دافع للمواجهة والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك على مدى العامين المقبلين 2022 و2023، وهو ما يحتم الاستعداد لتلك المواسم مسبقاً، وإدراك خطورتها، وخصوصاً موسم "عيد الفصح العبري" الذي تعد خلاله جماعات الهيكل المتطرفة لتقديم ذبيحتها في الأقصى، وهو مسعىً مستمر ومتصاعد منذ عام 2015 يستحق التوقف عنده في مقال آخر لاحقاً...
ودعونا نستذكر أن ثورة البراق، أولى الانتفاضات الشعبية الفلسطينية الكبرى هي وليدة تناظر كهذا، فقد حلت "ذكرى خراب الهيكل" العبرية حينها في يوم الخميس 15-8-1929 تلاها الاحتفال المركزي بالمولد النبوي الذي كان مناسبة إسلامية كبرى في ذلك الزمن، في يوم الجمعة 16-8-1929، وهو ما كان عاملاً حاسماً في حضور الجماهير الشعبية وتفجر تلك الثورة من بعد صلاة الجمعة وبعد خطابات المفتي والعلماء عن ذكرى المولد النبوي والدفاع فيها عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الهجمة الصهيونية.