الضفة الغربية المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: "كنا كأي أسير يتحرر من السجن، يستقبله أهله وأصدقاؤه وزملاؤه من الأسرى المحررين، وكنا مستعدين لهذه المناسبة الوطنية والاجتماعية العامة، واحتشدنا قرب الحاجز الشمالي لمدينة البيرة لاستقبال معتصم، ثم اقتربت منا عناصر أمنية بلباس مدني وقامت بالتصوير.."، يروي الأسير المحرر مصعب زلوم تفاصيل اعتداء الأجهزة الأمنية على موكب استقبال شقيقه الأسير المحرر معتصم بعد عامٍ من اعتقاله في سجون الاحتلال.
ويتابع زلوم في حديثه لـ "شبكة قدس"، سرد تفاصيل ذاك اليوم في 21 نوفمبر 2021 قائلا: "حين رأينا توتر الأوضاع بهذه الطريقة، اكتفينا بالحاضرين وتحركنا سريعًا من المكان، ومباشرة تفاجأنا بوجود حاجز للشرطة، أوقفونا وطلبوا منا إنزال الرايات بشكل رسمي، وبعدها طلبوا وقف هتافات الشباب المشاركين في الاستقبال، واتضح فيما بعد أن هذه الخطوات ما هي إلا مماطلة تدريجية تستهدف تعطيل سيرنا لحين وصول قوات وتعزيزات".
بعد وصول تعزيزات من الأجهزة الأمنية لاعتراض موكب الأسير المحرر معتصم زلوم، بدأت الأجهزة الأمنية بالاعتداء على الموجودين بالهراوات وغاز الفلفل، وأسفر الاعتداء عن عدد من الإصابات طالت شقيقه مصعب الذي نقل للمستشفى في حينه.
حادثة اعتداء الأجهزة الأمنية على موكب استقبال معتصم زلوم، ليست منعزلة بمفردها، بل تأتي ضمن سلسلة اعتداء على مواكب الأسرى المحررين، كانت آخرها ليلة أمس الأحد 12 ديسمبر 2021، حين اعتدت الأجهزة الأمنية على حفل استقبال الأسير المحرر محمد العارف بعد 19 عامًا قضاها في سجون الاحتلال، وقامت بإطلاق قنابل الغاز ما تسبب بإصابة الأسير نفسه بالاختناق والإغماء، إضافة إلى إصابات في صفوف المشاركين.
وخلال الأسابيع الأخيرة، وثقت الكاميرات اعتداء الأجهزة الأمنية على مواكب استقبال عدد من الأسرى المحررين، مثل مصطفى خدرج في قلقيلية، وعبادة قنيص في بيت لحم، وعزمي أبو عودة في طمون، تخللها إنزال ومصادرة رايات تعود لحركات حماس والجهاد الإسلامي.
حماس: الاعتداء انسجام مع رغبة الاحتلال
يرى القيادي في حركة حماس، حسن يوسف أن هذه الاعتداءات وشن حرب ضروسٍ على الرايات والرموز الوطنية جاءت تلبيةً وانسجامًا مع رغبة الاحتلال، وخاصة على إثر لقاء مسؤول الشاباك لدى الاحتلال مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد الجنازة المهيبة للقائد الوطني وصفي قبها.
ويضيف يوسف -اعتقله الاحتلال صباح اليوم- لـ "شبكة قدس"، أن الاعتداء على موكب الأسرى المحررين هو نوع من التنغيص عليه وعلى أهله، وبدلًا من إكرامه، يجد الأسير نفسه أمام هذه المنغصات التي تطفئ البهجة، ومع شديد الأسف وكأن معركة البعض اختزلت في محاربة هذه المواكب.
ويؤكد القيادي في حماس على أن هذه الاعتداءات تستهدف قوى شعبنا المقاوِمة، وتهدد بمخاطر كبيرة وحدتنا ونسيجنا الاجتماعي، وهي اعتداء على سنة وطنية وأخلاقية وإنسانية تجاه هذا المعتقل الذي قدم ما قدم من سنوات طويلة أو قصيرة نيابة عن أبناء شعبه وتقدم صامدًا وشامخًا أمام الاحتلال الإسرائيلي وكان مصيره السجن، مشددًا، على أن الأسرى "هم تيجان على الرؤوس ولا تجوز الإساءة لهم، خاصة فيما تقوم به الأجهزة الأمنية في الفترة الأخيرة".
حركة الجهاد: الاعتداء قرار سياسي
لم يقتصر اعتداء الأجهزة الأمنية على مواكب الأسرى المحررين من أبناء حركة حماس فحسب، بل أيضًا طالت الاعتداءات أسرى حركة الجهاد الإسلامي، كما حصل خلال استقبال الأسير المحرر عزمي أبو عودة، شقيق الشهيد صدام أبو عودة، في بلدة طمون قرب مدينة طوباس المحتلة، بعد أكثر من 16 شهرًا من اعتقاله في سجون الاحتلال.
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان، إنه من الواضح وجود قرارٍ سياسي بحظر رفع رايات القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى، "ولا نعرف ما الخطوة التالية لقرار حظر رفع رايات الفصائل في فعاليات الأسرى".
ويستكمل عدنان حديثه قائلا: من يريد شطب هذه الرايات يريد شطب التوجه الفكري من خلال ملاحقة تلك الرايات، وما يحصل الآن سيحول الفرحة إلى غصة، والاحتلال يحاول عبر الاعتقالات والقتل أن يجعلنا نخاف على أنفسنا، والسلطة هي الأخرى تريد أن تجعلنا ضابطين لإيقاعنا.
ويروي عدنان، والذي كان حاضرًا في استقبال الأسير المحرر بني عودة: " كنتُ شاهدًا في استقبال الأسير أبو سياف حيث منعوا رفع الرايات، وأطلقوا الرصاص الحي، ونخشى أن تقود هذه التصرفات إلى عواقب وخيمة، ومن يستخدم الرصاص الحي لتفريق المحتفلين قد يقتل أو يجرح أحدًا من الأسرى المحررين أو أهلهم".
ويتابع عدنان: "كان الأولى بالسلطة بعد قتل نزار بنات تعديل مسارها في مسألة الحريات، ولكن قتل نزار بنات وعدم محاسبة قيادة السلطة يقود إلى مزيد من التغول الأمني والقبضة الأمنية والاعتداءات غير المسبوقة، وجميعها جاءت بعد تشييع القائد الوطني والمقاوم وصفي قبها الذي كان من الأجدر أن ترسل السلطة مسؤولين للمشاركة في جنازته".
ويشدد عدنان على أن حظر الرايات والاعتداءات على استقبال الأسرى المحررين، "تتساوق مع الاحتلال في ملاحقتنا، وكيف يدعون لاجتماعات معنا ويريدون الوحدة، وهم يلاحقون أي مظهر لتواجدنا"، داعيًا إلى اجتماعٍ وطني عاجل في الضفة من القوى والفصائل لتدارس قرار السلطة بحظر التواجد العلني لقوى المقاومة، ومنها استقبال المحررين وتشييع الشهداء.
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يقول المختص في شؤون الأسرى فؤاد خفش، "إن حوادث الاعتداء ليست بالشيء الجديد، فمنذ الانقسام الفلسطيني وحتى هذه اللحظة، تحاول الأجهزة الأمنية خلال استقبال أغلب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وتحديدًا من ينتمون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي مصادرة الحرية في التعبير عن الفرحة لهذا الأسير، في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة فيه إلى الوحدة الوطنية وإلى تكريم هؤلاء الأسرى".
ويشير المختص في شؤون الأسرى، إلى وجود تمييز قائم من السلطة الفلسطينية في تعاملها مع الأسرى المحررين، موضحًا، "نشاهد مواكب استقبال أسرى من حركة فتح، وترفع فيها الرايات الصفراء، وتطلق النيران دون أن تكون هناك محاسبة من الأجهزة الأمنية، بل على العكس تشارك الأجهزة الأمنية في إطلاق النار في الهواء في مواكب استقبال الأسرى المحسوبين على حركة فتح".
بدوره، يستنكر رئيس تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة الغربية خليل عساف، الاعتداء على مواكب استقبال الأسرى المحررين، والتي كان آخرها ما حدث في حفل استقبال الأسير محمد العارف، ويضيف: "الأصل أن يلاقى الأسير بكل احتفاء، وفي حالة من الوحدة والتآخي والاحترام، وأن يتم فحصه طبيًا بشكل سريع وتهيئة كل شيء، فالأسير لم يسجن لسبب شخصي وإنما سجن بسبب الوطن، وهو كان رفيقًا لكل الفصائل في المعتقل".
ويشدد عساف في حديثه لـ "شبكة قدس" على أن الاعتداء على مواكب استقبال الأسرى المحررين هو "اعتداء على القانون"، وأنه لا يوجد ما يمنع الاحتفال ورفع رايات لأي فصيل كان سواء حماس أو أي فصيل آخر، وهو شيء غير مجرّم قانونيًا.
ويتساءل عضو لجنة الحريات في الضفة: لا أعلم لماذا يصرّ البعض على خلق حالة من التوتر وتعزيز الانقسام، وخلق حالة من القهر والعداء والتمييز، ومنح الحقوق لأشخاص دون غيرهم. مضيفًا: "هم يريدون أن يصلوا بالبلد للانفجار، وأقول لهم إنها ستفجر في وجههم، وعليهم أن يتقوا الله في شعبهم ووطنهم".
تصاعد القمع السياسي
ويأتي الاعتداء على استقبال الأسرى المحررين، ضمن تصاعدٍ ملحوظ في انتهاك الحريات العامة والقمع السياسي، والتضييق على حرية الرأي والتعبير في الضفة الغربية خلال الأسابيع الأخيرة، وما تزامن معها من ملاحقة الأجهزة الأمنية لعدد كبير من النشطاء والأسرى المحررين وطلاب الجامعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.
عضو مجموعة "محامون من أجل العدالة" المحامي ظافر صعايدة، يرى أن الاعتداء على مواكب الأسرى المحررين وعلى المشاركين فيها يمثل اعتداءً على حرية العمل السياسي، والرأي والتعبير والتجمع، خاصة أن هذه المواكب والجموع، لا تقوم بأي فعل يشكل جريمة في القانون الفلسطيني.
ويضيف صعايدة، في حديثه لـ "شبكة قدس"، يعني ذلك أن واجب أجهزة السلطة التنفيذية توفير الحماية لهذه المواكب، أما التعرض لها فهو يعتبر، بكل أسف، إهدارًا لهذه الحقوق، وللحريات الأساسية التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني.
ويؤكد: "هذا بلا شك استمرار لحالة الترهل والفوضى التي تعم الشارع، ويعتبر مؤشرا خطيرا على تدهور حالة حقوق الإنسان، ونعتبر كنشطاء وحقوقيين، أنه هناك أهمية لأن يكون هناك تحرك واسع لوضع حد لجميع هذه الانتهاكات، والتوقف عن استهداف الناس بشكل عام، وخاصة الأسرى المحررين.
ويشير الحقوقي صعايدة، إلى أن النصيب الأكبر من حصيلة الاعتقالات السياسية التي ترصدها المؤسسات الحقوقية؛ لأسرى محررين، قائلا: في بعض الأحيان تتم ملاحقة الأسرى المحررين على ملفات سبق وأن تمت ملاحقتهم عليها من قبل قوات الاحتلال، وما يجري غير قانوني وغير دستوري ولا ينسجم مع القوانين الوطنية.
وشدد المحامي صعايدة على ضرورة التحرك، وأن يكون هناك ميثاق وطني وميثاق شرف، يحظر بأي شكل من الأشكال التعرض للأهالي بشكل عام والمدافعين عن حقوق الإنسان والأسرى المحررين والتوقف عن هذه الملاحقات، مؤكدًا على وجوب محاسبة كل من يثبت تورطه في ارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان، ومحاسبة كل من أصدر أوامر بممارسة مثل هذه السلوكيات.
وحاولت "شبكة قدس" التواصل مع الأجهزة الأمنية للحصول على تعقيب؛ دون رد.
وتجد الإشارة، إلى أن اعتداءات الأجهزة الأمنية لم تقتصر فقط على مواكب الأسرى المحررين، بل طالت أيضًا جنازات الشهداء، كما حصل اليوم في مدينة نابلس خلال تشييع جثمان الشهيد جميل كيال، حين أطلقت الأجهزة الأمنية النار على المشاركين في التشييع، وما سبقها من اعتداءٍ على جنازة الشهيد أمجد أبو سلطان في مدينة بيت لحم.
وتعقيبًا على ما حدث في جنازة الشهيد كيال، يقول محافظ نابلس اللواء إبراهيم رمضان إن بعض "العابثين" أطلقوا النار بالقرب من جنازة الشهيد، ليرد الأمن بإطلاق قنابل الغاز بعد ذلك.
ويضيف رمضان في تصريحات خاصة لـ "شبكة قدس": "بالأمس قام الإسرائيليون بقتله، واليوم جئتم لإطلاق النار بجانبه، هذه قمة الوقاحة، سأبقى أحارب هذا الأمر بصفتي محافظًا لنابلس وأتصدى له"، مستكملاً: "في أعقاب إطلاق قنابل الغاز المشاركون تضايقوا بعض الشيء فيما استقرت الأوضاع حاليًا."