فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: "قبل سنوات كان هناك داخل كل غرفة بالسجن خزائن خشبية وعلى كل منها قطعة حديدية أخرجتها وجهزتها كسكين، واستخدمتها لعمل فتحات في الأرضية حتى نجحت بإخراج بلاطة ربما كان وزنها مئة كيلو أو أكثر، هذه المرحلة احتاجت 20 يوماً، وعندما رفعتها رأيت الحديد أسفلها، قطعت الحديد باستخدام (برغي)، وجدته على الأرض خلال تجولي في ساحة السجن، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020 بدأ العمل في النفق هذا أهم تاريخ في حياتي كأنني ولدت مجدداً"، بهذه الكلمات يصف الأسير محمود العارضة خلال التحقيق معه من قبل شرطة ومخابرات الاحتلال، عملية "نفق الحرية" التي قادها وأشرف عليها، ونجحت بتحريره مع خمسة من رفاقه الأسرى من سجن "جلبوع"، في أيلول/ سبتمبر الماضي.
تفاصيل جديدة عن العملية كشفها تقرير للقناة "12" العبرية، وتضمن التقرير صوراً تعرض لأول مرة عن النفق الذي حفره العارضة مع رفاقه الأسرى ومشاهد للحظة نجاحهم بالتحرر من السجن، حيث بقوا لمدة 20 دقيقة ينتظرون خروج آخر رفيق لهم، ولم يلاحظ أحد على أبراج المراقبة ذلك.
يقول المحامي رسلان محاجنة الذي التقى العارضة بعد اعتقاله: "محمود قال لي لا أفق للإفراج عني لذلك دائماً أفكر بالهرب، منذ وصولي إلى جلبوع وأنا أفكر بذلك، قال إن أكثر مكان مناسب له هو جلبوع لأنه يعرف طبيعة الأرض، لا يوجد ولا شيء، والسجن قريب من قريته في جنين".
ويضيف: كان ينزل كل يوم إلى ساحة السجن وينظر ويقيس المسافات بعينيه بينه وبين برج الحراسة والجدران، وعند عودته إلى الغرفة يرسم الخرائط الهندسية، ثم يخربها كي لا تكشفه إدارة السجن،
ويؤكد أحد ضباط إدارة سجون الاحتلال على ذلك بالقول: "كان يحصي عدد البلاطات من الغرفة حتى الخارج، كل هذه الخطوات ليرسم صورة دقيقة عن الواقع، وصولاً إلى الخروج من السجن،
تقول الصحفية التي أعدت التقرير: "حتى الأسرى لم يخطر ببالهم أن الحارسة على برج المراقبة كانت نائمة، وأن السجان المكلف بمراقبة الشاشات لم يشاهد الصور التي عرضت مباشرة لهروب الأسرى على مدار 20 دقيقة، كل منظومات السجن انهارت واحدة تلو الأخرى"
"مخابرات، اليمام، وحدات خاصة شاركت على مدار 14 يوماً في ملاحقة الأسرى الستة"، وفي النهاية تزعم القناة: "أمسك باثنين منهم شرطي متطوع في الناصرة"
وتطرق التقرير إلى تاريخ القائد العارضة، حيث اعتقل عقب تنفيذه عملية إطلاق نار أدت لمقتل عنصر من شرطة الاحتلال يسكن في مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي محافظة سلفيت
وعن سبب اختياره للبلاطة أسفل الحمام للحفر، يقول المحامي: "العارضة راقب السجان أين يقف وقرر أن المكان المناسب للحفر هو قرب الحمام"، ويتابع: محمود قال لي: "رسلان يجب أن تعرف أن من يقف في مكان جيد لا يفتش أسفل قدميه".
وينقل التقرير عن العارضة قوله في محضر التحقيق: "على مدار 15 عاماً وأنا أعرف أن الأرضية أسفل الحمام ضعيفة ويمكن حفر النفق داخلها، ووجدت هذه النقطة".
ويضيف التقرير: "على مدار 40 يوماً أنهى قص لوح الشايش والحديد أسفله ثم اكتشف وجود أرضية اسمنت واحدة"، ويكشف أن محمود عثر أسفل الغرفة على صخرة يبلغ وزنها 10 كيلو واستخدمتها كمطرقة وصنع من العصا ما يشبه "الإزميل" لتوسعة مدخل النفق.
كيف عرف بأي منطقة يجب أن يحفر؟ يجيب ضابط إسرائيلي: "أحصى عدد البلاطات وعرف من أي منطقة أسهل للخروج، هذا سهل جداً، عند النظر للغرف والمبنى والقسم لا يوجد طريق آخر، يمكن رؤية المسار الصحيح.
ويقول الضابط الذي يعمل في وحدة "لاهاف": "هذا شيء مختلف، بعضهم كان يريد القول أنه هو من فعل العملية كي يخلد اسمه كأسطورة".
ويتابع التقرير: "على مدار أسابيع استمر العارضة بالعمل لوحده في حفر النفق، وقرر من هم الأشخاص الذين سيرافقونه في الهروب، وأخفى العملية عن بقية رفاقه الأسرى، كل من حاول الاستفسار عن ما يجري، قالوا له إن محمود يجهز مخبأ للهاتف".
في المرحلة التالية أخبر محمود الأسيرين يعقوب قادري وأيهم كممجي ومحمد العارضة عن العملية، وشاركوا في الحفر وتم ذلك بسهولة، تقول الصحفية، وكيف نقل محمد من هداريم إلى جلبوع؟ يرد المحامي خالد محاجنة: محمد ابن عم محمود ونقل له رسالة مع الأسرى نقلوا من جلبوع إلى هداريم بأن يطلب النقل عنده.
تشير القناة إلى أن الأسير العارضة وعدد من رفاقه في عملية "نفق الحرية"، كانوا مشاركين أيضاً في حفر نفق داخل سجن "شطة" المحاور لسجن "جلبوع"، في عام 2014، لكن إدارة السجن سمحت للأسرى الثلاثة المصنفين بأنهم "أسرى ذوو مخاطر عالية للهروب"، بالاجتماع معاً في نفس الغرفة، وهذا كل ما يحتاجونه حتى يحاولوا الهرب مجدداً.
بعد 60 يوماً من العمل في حفر النفق، نزل العارضة لأول مرة أسفل غرفته، وحسب إحدى الاعترافات التي نقلها التقرير، فقد استعمل الأسرى "القداحات" لإضاءة الطريق أمامهم خلال العمل، وكانوا يحفرون بدون وجود ضوء كافي، وتنقل عن العارضة قوله: "كنت اعتقد أنني أعرف ما يوجد تحت الغرفة لأنني حفرت سابقاً نفقاً تحت سجن شطة، ولكن ما وجدناه أسفل سجن جلبوع أدهشنا!"
عن هذه اللحظة يروي المحامي رسلان محاجنة كما سمع من العارضة: "عندما نزلوا إلى الأسفل عثروا على عصي حديدية تركها العاملون عند بناء السجن ومعدات أخرى وكأنهم قد عثروا على كنز حينها".
"أهم شيء عند محمود كان حماية منطقة الباب، لأنها مكشوفة أمام السجانين"، يقول شقيقه، وعن طريقة تمويه عملية الحفر عند البلاطة: "أغلقنا المنطقة باستخدام الصابون الذي نشتريه من السجن"، يقول القادري خلال التحقيق: "لم ينتبهوا أبداً".
في الربيع سارع الأسرى في عمليات الحفر، كانوا يعملون من الساعة 11 حتى الثالثة بعد الظهر، وبعد انتهاء العدد الذي تجريه إدارة السجن، يكملون العمل من الثالثة والنصف حتى السابعة مساءً، وعن هذه المرحلة يقول الأسرى: كنا نزحف على بطوننا وعندما نصطدم بعامود أو اسمنت نتجاوزه ونحفر يميناً أو يساراً.
يعتبر الضابط من وحدة "لاهاف" العمل الذي قام به الأسرى في "جلبوع"، أن دافعه هو "الرغبة الكبيرة في الهروب"، وقال: "لقد حفروا بأيديهم".
ويروي المحامي رسلان محاجنة أن محمود قال له: "حظنا كبير بوجود أسير معنا اسمه مناضل نفعيات، كان عمله خارج السجن حفر آبار المياه، كان مناضل يحفر بقوة حصان".
مناضل نفيعات كان أصغر المشاركين في عملية الهروب، تقول الصحفية الإسرائيلية، وهو ينتمي كما بقية رفاقه إلى حركة الجهاد الإسلامي.
يزعم التقرير أن "مناضل عرض على رفاقه تهريب أسلحة من خلال النفق إلى داخل السجن وتهريب أكبر عدد من الأسرى"، وتشير إلى أن نفيعات كان من المقرر أن يتحرر من السجن خلال عام حيث أن فترة حكمه ليست طويلة ورغم ذلك انضم للعملية.
كانت مهمة الأسير يعقوب القادري في العملية، كما يقول التقرير، غسل ملابسه رفاقه المتسخة من عمليات الحفر، لكن الرمال التي كانت تسقط منها بدأت بسد الأنابيب"، وعن "في حال جرى انسداد بشكل متكرر للأنابيب في الغرفة فهذا يعتبر ضوء أحمر".
وتعلق الصحفية معدة التقرير: "لكن لم يكن هناك أي ضوء أحمر حتى بعد انسداد الأنابيب مرة تلو الأخرى"، في إشارة إلى أن إدارة السجن لم تنتبه إلى ما يجري.
وتضيف: "قبل شهور من عملية الهروب أحضرت إدارة السجن مركبة لفتح الانسدادات"، يروي شقيق العارضة أن "الضباط والسجانين كانوا يقولوا لمحمود دائماً: "وين صرت بالحفر؟" على سبيل المناكفة لأنه سابقاً تعرض للعزل بعد حفره نفقاً في شطة، وهو يرد عليهم باستهزاء: "قربت"، وهم لا يعلمون أنه فعلاً يحفر نفقاً للهروب.
ويكشف التقرير أن سجاناً دخل إلى الغرفة التي تجري فيها عمليات الحفر، قبل شهور من الهروب، ووقف على مدخل النفق وهو لا يعلم أن تحته أسيراً يحفر بالأرض، وحينها أغلق رفاقه الفتحة عليه، عن هذه اللحظات العصيبة يروي الأسير الذي كان داخل النفق: "بدأت بالصراخ لأنني اختنقت".
ويتابع التقرير: "العارضة الذي خرج من النفق قبل دخول السجان، حاول كسب مزيد من الوقت في الحمام، واعتقد أن كل شيء انتهى عندما قام السجانون بعد الأسرى في الغرفة، وخشي أنهم سيعلمون بأن أسيراً غير موجود في الغرفة، حينها سألهم السجان كم عدد الأسرى في الغرفة؟ فأجابه العارضة بأنهم خمسة أسرى، وحينها سجل السجانون أن عدد الأسرى خمسة وكلهم كانوا في الغرفة وقت العدد، وبعد مغادرتهم أخرج العارضة الأسير المحتجز في النفق، وقال لرفاقه إنه في حال عاد السجان واكتشف أننا ستة أسرى في الغرفة سأقول له أنني قلت له ستة من البداية لكنه لم يسمعني جيداً، لكن السجانين لم يعودوا".
في يونيو/ حزيران بعد أن أنهى الأسرى حفر ثلثي النفق، استدعى أحد السجانين ضابطاً وأشار له إلى البلاطة التي كان الحفر يجري تحتها، وأخبره عن وجود كسر فيها، لكن الضابط لم يهتم بذلك، وقال له إن كثيراً من الأماكن يوجد فيه كسور وقد أجرت وحدة خاصة تفتيشاً سابقاً في المكان ولم يعثروا على شيء،
كيف عرف محمود العارضة أنه خارج السجن؟ يرد الضابط من إدارة سجون الاحتلال: "في آخر نقطة شاهدوا بصيصاً من النور حينها عرفوا أنهم وصلوا"، ويتابع التقرير: "محمود قال بأنه رأى الشمس حينها عرف بأنها نهاية النفق، بعد 9 شهور من الحفر عرف مع رفاقه أن النفق وصل إلى خارج جدران السجن، ولم يتبق سوى تحديد وقت الهروب
وضع محمود قائد العملية خطة لما بعد الهروب، يزعم التقرير أنه اعتمد فيها على "شقيقه الأصغر"، حيث اتصل به وطلب منه أن يحضر سيارة في اليوم التالي إلى نقطة لقاء خارج السجن.
ويضيف: "حتى لا يتهم شقيقه بالمساعدة في عملية الهروب، استعمل لغة وهمية في المكالمة، وعرض عليه عرضاً مفاجئاً"، وعن هذا العرض يقول شقيقه: "قلي في واحدة بدك تتجوزها إذا عجبتك وعجبتها بدكم تتجوزوا، خذ سيارة وروح على الناعورة في الليل، مشان المراة بدها تشوفك".
يقول التقرير إن العارضة عندما أنهى المكالمة مع شقيقه، كان متأكداً بأن لديه سيارة تنتظره في الخارج، وأمامه 36 ساعة لإنهاء ترتيبات عملية الهروب، لكن حدثاً جرى "أربك كل الخطط".
يكشف المحامي أن "أحد السجانين اكتشف خروج الرمال من الصرف الصحي، وحاول الأسرى إخفاء ذلك"، وتقول معدة التقرير إن "الرمال التي أغلقت الصرف الصحي في السجن طوال شهور ولم ينتبه لها أحد من إدارة السجن أثارت اهتمام أحد السجانين في النهاية لكن قبل يوم واحد فقط من العملية".
وتروي نقلاً عن محاضر التحقيق أن "الأسرى قرروا بعد ساعات ظهر يوم الأحد الهروب من السجن مع ساعات منتصف الليل، ولكن تبقت مشكلة وحيدة، زكريا الزبيدي من المقرر أن يهرب معهم، لأنهم احتاجوا إلى علاقاته الواسعة خارج السجن، لكنه يعيش في غرفة أخرى من السجن لذلك يجب نقله إلى غرفة 5 التي يوجد فيها النفق، قبل يوم واحد من موعد الهروب، وبصورة مدهشة جرى بذلك بشكل سريع".
وعن لحظات ما قبل العملية، تقول: قبل منتصف الليل جهز الأسرى أسرتهم حتى لا يثيروا أي شك لدى السجانين، وأغلقوا الستائر وتركوا المراوح الهوائية مشغلة، والسجانون الذي وضعوا على أبراج المراقبة بدأوا مهمتهم المفترضة بمراقبة السجن، قبل يوم من الهروب راقب محمود البرج واكتشف السجانين لا يصعدون أصلاً هناك
أحد العاملين في السجن سابقاً أكد في لقاء مع القناة على أن "وجود سجان في برج المراقبة هذا كان سيكشف الأسرى لحظة هروبهم من النفق"، لكنه متفاجئ من عدم وجود السجان حينها، وتقول الصحفية: "في تلك الليلة كما في ليال أخرى قبلها كان البرج خالياً من السجانين، وتحته تماماً كانت فتحة النفق التي خرج منها الأسرى".
وتابعت: "بعد الواحدة منتصف الليل بدقائق أعطى العارضة الإشارة لرفاقه بالانطلاق داخل النفق، بدأ مناضل بالزحف داخل النفق أولاً وكان عليه إبعاد طبقة أخرى من التراب التي تغطي فتحة النفق، وقال بأنه يحتاج إلى حوالي ربع ساعة للعمل، وخلال دقائق بدأ الأسرى بالزحف لمسافة 25 متراً في نفق يبلغ قطره 55 سم فقط".
يقول محامي الأسير زكريا الزبيدي في لقاء مع القناة: "أخبرني بعد اعتقاله أن النفق كان ضيقاً جداً، وقد خرج الأسرى منه بصعوبة، وقد استخدموا طريقة وضع يد في الأمام وأخرى إلى الخلف والتقدم داخل النفق عن طريق دفع أجسادهم بأقدامهم، وهذا وضع صعب جداً ويجب أن يملك الشخص إرادة صلبة كي يتغلب عليه".
من جانبه، يكشف المحامي خالد محاجنة أن الأسير يعقوب القادري يعاني من أمراض في القلب وظروف صحية بحاجة لمتابعة دائمة، وكانت عملية الزحف داخل النفق صعبة جداً عليه، وقد فقد وعيه داخل النفق، لكنه تابع المسير لاحقاً.
يقول أحد ضباط الاحتلال عن صعوبة الخروج: "لم أكن أنا لأخرج من حفرة كهذه"، ويكشف التقرير أن العارضة قائد العملية انتظر في الغرفة حتى خروج بقية رفاقه للتغطية عليهم حيث أن السجانين يحضرون للفحص كل نصف ساعة.
وينقل عن إفادة العارضة في التحقيق: حضر السجانون وأشعلوا الإضاءة في الغرفة، لكنهم لم يشكوا بأي شيء، وعند الواحدة والنصف وبعد أن غادر السجانون من أمام الغرفة، دخل العارضة إلى النفق الذي حفره لمدة 9 شهور، وزحف بداخله للمرة الأخيرة.