الضفة المحتلة - قُدس الإخبارية: بعد توليه لرئاسة الوزراء، أعلن محمد اشتية عن استراتيجية حكومته للانفكاك التدريجي عن الاحتلال والتخلص من التبعية الاقتصادية له، عبر تعزيز المنتجات الوطنية، وتوطين الخدمات، الصحية والاقتصادية والمائية ومصادر الطاقة، بالتزامن مع الإعلان عن استراتيجية للتوجه إلى العمق العربي.
اليوم وبعد مرور ما يزيد عن سنتين من الإعلان عن استراتيجية الانفكاك التدريجي عن الاحتلال، تشير النسب والأرقام إلى مفعول عكسي يتمثل في ازدياد نسبة الاعتماد على الاحتلال كمصدر للطاقة وللخدمات المائية والصحية، مع عدم وجود رؤية واضحة وواقعية حول إمكانية التخلص من التبعية أو تخفيضها إلى أقل مستوى ممكن على الأقل.
خلال العام الأخير، زاد الاعتماد على الاحتلال في مجال توريد الكهرباء بنسبة وصلت إلى 94% بحسب تقرير رسمي صادر عن مجلس تنظيم الكهرباء، بعدما كان الاعتماد على الاحتلال خلال السنوات السابقة لا يتجاوز 88% من مجمل الاستهلاك.
زيادة التحويلات الطبية لمشافي الاحتلال
في خطتها الاستراتيجية الوطنية لسنة 2017-2022، وضعت وزارة الصحة الفلسطينية خطة لتوطين الخدمات، وتقليل الاعتماد على التحويلات خارج الضفة الغربية وقطاع غزة إلى نسبة تصل 7%، وهي بحسب الخطة أقل حد يمكن الوصول إليه، وفي السياق ذاته، قررت الحكومة الفلسطينية ممثلة بمحمد اشتية الانفكاك عن الاحتلال الإسرائيلي، اقتصاديًا وصحيًا.
وفيما بلغت نسبة التحويلات الطبية خارج فلسطين 22.3% في عام 2016، أي قبل عامٍ من الاستراتيجية الوطنية لتقليص أعداد التحويلات وتوطين الخدمات، كشف تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، والذي تابعته شبكة قدس سابقًا عن استمرار ارتفاع إجمالي تكلفة التحويلات الطبية وارتفاع أعدادها منذ البدء بإصدارها وحتى عام 2018، واستمرار ارتفاع نسبة التحويلات لخارج فلسطين، حيث وصلت إلى 33% في عام 2017، و26% في عام 2018 من إجمالي التحويلات وفقا للتقارير التي تصدرها وزارة الصحة سنويًا.
في السياق، يؤكد مدير عام التحويلات الطبية في وزارة الصحة الفلسطينية د. هيثم الهدري إن وزارة الصحة عملت على تخفيض التحويلات خارج المستشفيات الفلسطينية لأبعد قدر ممكن، بحيث أصبحت للإجراءات التي لا تتوفر نهائيًا في أي من المستشفيات الفلسطينية، مؤكدًا أنه ومن استلامه المنصب في مايو\أيار الماضي، لم يبرم أي اتفاقية مع "إسرائيل" ولم يوقع أي اتفاق على استحداث خدمات جديدة.
وحول سبب عدم توافر الأجهزة الصحية والخدمات التي يتم تحويل المرضى إليها خارج المستشفيات الفلسطينية بما يتعارض مع هدف توطين الخدمات، يقول الهدري في حديثه لـ "شبكة قدس": "هذا السؤال يوجه لوزيرة الصحة لأنها هي راعية الاختصاص، أما نحن نعتبر نفسنا نتعامل مع ورق، كلما يطلب من أي مستشفى حكومي تحويلة ضمن القانون ولخدمة غير متوفرة أنا وظيفتي أوجد هذه الخدمة للوقوع دون حيلولة أن يقع المريض ضحية للبيروقراطية أو لطلب التحويل أو الإجراءات التي تخالف النظام العام الذي كفل للكل الي هو الدستور والعلاج."
في مارس/ آذار 2019، قرر الرئيس محمود عباس وقف جميع التحويلات الطبية إلى الداخل المحتل، إلا أن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية أشار إلى إصدار الصحة 3826 تحويلة حتى تاريخ 31.12.2019، دون أسباب واضحة تفسر سبب إصدار التحويلات.
وفي الرد على ما جاء في تقرير الرقابة، يوضح الهدري على أن وزارة الصحة أوقفت إصدار التحويلات الطبية للداخل المحتل، لذلك توصل رئيس الوزراء محمد اشتية تفاهمًا مع الجانب الأردني يقضي بتحويل مرضى النخاع إليه، مع التأكيد على أن التحويلات الطبية التي كانت قد صدرت بالفعل قبل القرار للداخل المحتل بقيت سارية.
ويضيف مدير عام التحويلات الطبية، إلا أنه ومع جائحة كورونا ومع إغلاق الجانب الأردني للمعبر الحدودي، أعدنا إصدار التحويلات للداخل المحتل، كي نضمن تلقي المرضى العلاج، خاصة لمرضى النخاع الذي لا تتوفر عملية زراعته في القطاع الصحي الفلسطيني.
في السياق، وصلت مديونية وزارة الصحة الفلسطينية على المستشفيات الخاصة خلال العام الماضي إلى 1.2 مليار شيكل، الأمر الذي يثير تساؤلًا آخر حول مدى جدية استراتيجية توطين الخدمات في القطاع الصحي الحكومي بعيدًا عن التحويلات الطبية خارجه.
من جانبه، يقول رئيس الإغاثة الطبية د. مصطفى البرغوثي إن توطين الخدمات الطبية شيء ضروري لأن تكاليف التحويلات الطبية عالية جدًا، مع الإشارة إلى أن هناك نوعين من التحويلات التحويلات الطبية إلى المستشفيات الفلسطينية في القدس كالمقاصد والمطلع، وهناك تحويلات للجانب الإسرائيلي وللخارج وهي مكلفة جدًا ولا يمكن تجاوزها إلا بتخصيص موازنات أكبر للقطاع الصحي والطبي وبالتوفير الخدمات الأساسية وخاصة في بعض المجالات مثل السرطان.
ويتابع البرغوثي في حديثه لـ "شبكة قدس": "للأسف كانت هناك فكرة لإنشاء مستشفى للسرطان ولكن تراجعت الجهود في هذا المجال، هناك بعض الأقسام والتخصصات بحاجة لتطويرها، المسألة ليست أجهزة بقدر ما هي توافر الكوادر البشرية المتدربة والقادرة، وتوفير الموازنات الكافية لوزارة الصحة لأن الميزانية الآن أقل مما ينبغي."
وحول الخطة الاستراتيجية لتوطين الخدمات وتقليل التحويلات الطبية للداخل المحتل، يرى البرغوثي أن الخطة غير كافية، وأن أن كل التحويلات إلى "إسرائيل" مشكلة كبيرة، حيث يفرض الاحتلال تسعيرة للخدمات الطبية غالية جدا، موضحًا، "يعني إذا ذهب مريض فلسطيني إلى مستشفى إسرائيلي يجعلوه يدفع أربع أضعاف ما يدفعه الإسرائيلي، أي 400% الزيادة، لأنهم يعتبرون الفلسطيني سائحاً أجنبياً، وهذا طبعًا أمر موجود منذ زمن طويل، وهو يستنزف الميزانية الفلسطينية بشكل مقصود ومخطط، وبالتالي يجب التحرر من هذه الاعتمادية على الجانب الإسرائيلي."
"ميكروت": مصدر 55% من مياه الضفة الغربية
تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن السلطة الفلسطينية اشترت من شركة المياه الإسرائيلية ميكروت 82 مليون متر مكعب عام 2018، وقد تصاعدت الكمية المشتراة إلى84.2 مليون متر مكعب عام 2019 بواقع زيادة مليوني متر مكعب في ذات العام الذي أُعلنت فيه استراتيجية الانفكاك التدريجي عن الاحتلال.
وتشير البيانات إلى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على 85% من مصادر المياه في الضفة الغربية، مع تشديد الإجراءات على الحوضين الغربي والشمالي الشرقي، بحيث تبلغ كمية التغذية السنوية في الأحواض الجوفية حوالى 750 مليون متر مكعب من المياه المتجددة، ولا يسمح للفلسطينيين باستغلال أكثر من 118 مليون متر مكعب، أي ما لا يزيد عن 15% فقط من مجمل التغذية.
وبحسب مدير عام التخطيط في سلطة المياه عادل ياسين إلى نسبة المياه المشتراة في الضفة الغربية من شركة المياه الإسرائيلية تصل إلى 55% من إجمالي المياه المستخدمة، واصفًا، "أنها عملية سرقة للمياه، فهم يقومون ببيعنا المياه الخاصة بنا."
وحول عدم توجه السلطة الفلسطينية لحفر آبار المياه الخاصة بها، يشير ياسين في حديث لـ "شبكة قدس" إلى أن الاحتلال منذ عام 1967 أصدر عدة قرارات عسكرية، واعتبار المياه الجوفية والآبار والينابيع خاضعة له، وقام بتحويل جميع الآبار إلى ضابط المياه العسكري الذي أصدر 4 قرارات عسكرية موجودة، تعتبر مصادر المياه " ملك عام لإسرائيل"، وصدر قرار بمنع حفر أي بئر إلا بموافقة الحاكم العسكري، مع الإبقاء على جميع الآبار التي كانت قائمة في عهد الأردن تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
ويضيف ياسين: "بعد توقيع اتفاقية أوسلو تم تقييد حفر الآبار وتطوير مصادر المياه إلا بموافقة اللجنة المشتركة والإدارة المدنية، ومع مجيء السلطة لم يتم حفر أية آبار بالمفهوم العام إلا كآبار بديلة عن التي سيتم إغلاقها، أو عبر ضغوطات من بعض الدول المانحة وخاصة أمريكا من أجل تزويد التجمعات الفلسطينية الكبيرة بالمياه مثل بيت لحم والخليل."
يرى ياسين أن "إسرائيل" تدفع بالسلطة الفلسطينية لأن تكون زبائن عند شركات التحلية، موضحًا: "هو لن يسمح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على الآبار، ومع ذلك هناك محاولات مستمرة عبر المفاوضات أو المحامين والتوجه لجهات دولية لمساعدة في هذا المجال، ولكن المياه بالنسبة للإسرائيليين ذات بعد سيادي واستراتيجي وحتى أنه يضعها في قضايا الحل النهائي."
وردًا على سؤالنا عن أسباب عدم شراء المياه من الدول المحيطة عوضًا عن الاحتلال الإسرائيلي، يقول مدير عام التخطيط في سلطة المياه "إن أي دولة تقوم بشراء المياه من الخارج يعني أنها بلا سيادة، ونحن خيارنا الأول والأخير أن تكون مصادرنا من المياه المحلية وأن يكون قرارنا سيادي بأيدينا، وقرار شراء المياه من الخارج يحتاج لاستثمار."
ويتابع قوله: "حتى لو توجهنا لشراء الماء من الدول المحيطة، فالأمر يحتاج إلى بناء خطوط بين الدول، وسيقوم الاحتلال بدوره بتعطيلها، والظروف الحالية لا تسمح لنا بالشراء من الخارج، والاحتلال قد حول بسيطرته على المياه من حق إلى استثمار وشراء."
وفي الصيف، يعاني الفلسطينيون من شُحٍ في المياه المتوفرة، وبحسب مركز "بتسيلم" فإن ذلك يعود إلى تقليص شركة "ميكروت" كميّات المياه المزوّدة لجزء من البلدات الفلسطينية في فصل الصيف لكي تلبّي الطلب المتزايد على المياه في مستوطنات معيّنة؛ وانخفاض موسميّ في المياه المستخرجة من الآبار في بعض مناطق الضفة.
ولكي تصل المياه لجميع المستهلكين تضطرّ سلطة المياه الفلسطينية إلى تنظيم تزويد المياه للبلدات والأحياء المختلفة - توصيلها وقطعها - وفق جدول مواعيد، جرّاء ذلك يعاني كثير من الفلسطينيين من انقطاعات متكرّرة في تزويد المياه تدوم بين عدّة أيّام وأسبوع، إضافة إلى ذلك يؤدّي ضعف ضغط المياه في الأنابيب إلى عدم وصول المياه للمناطق المرتفعة أو البعيدة.