فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: يصادف، اليوم الجمعة 29 أكتوبر2021، الذكرى السنوية الـ 65 للمجزرة البشعة التي ارتكبها الاحتلال بحق سكان قرية كفر قاسم المحتلة.
ففي هذا اليوم يحيي أهالي كفر قاسم المحتلة الذكرى الـ 65 للمجزرة الرهيبة التي اقترفها حرس الحدود الإسرائيلي في كفر قاسم القرية العربية الواقعة في أقصى جنوبي المثلث العربي.
ولمن يريد أن يقف على أبعاد هذه المجزرة فلا بد له من إدراك أهمية موقع كفر قاسم وهو الفاصل بين الكيان المحتل والضفة الغربية وقد ضمت للكيان مع بقية قرى المثلث بحكم اتفاقية الهدنة التي أبرمت بين المملكة الأردنية وحكومة الاحتلال والتي قضت بتجزئة فلسطين بين الطرفين ومنذ اليوم الأول لضم المثلث للكيان بدأ العد التنازلي والذي صادفت بدايته الساعة الخامسة من التاسع والعشرين من تشرين الأول قبل 58 عاماً خلت.
تسعة وأربعون شهيداً وشهيدة من أطفال وشيوخ نساء ورجال فتية وفتيات ارتقوا شهداء برصاص حرس الحدود الإسرائيلي.
كيف نفذت المجزرة؟
عشرات الشهداء غالبيتهم من الأطفال والنساء عشرات الشهداء غالبيتهم من الأطفال والنساء في يوم 29 تشرين الأول 1956 بدأ العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته طائرات الاحتلال بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا بهدف الإطاحة بنظام جمال عبد الناصر بعد تأميمه قناة السويس.
وفي صبيحة نفس اليوم أبلغ قائد المنطقة الوسطى بجيش الاحتلال "تسفي تسور" العقيد "شدمي" الذي كان قائد أحد الألوية المسؤولة عن الحدود مع الأردن والتي شملت منطقة المثلث من بير السكة حتى كفر قاسم.
وأصدر ملينكي قائد وحدة حرس الحدود أوامره بفرض منع تجول صارم وتطبيقه بوسيلة إطلاق النار، وعندما سأل "ملينكي" العقد شدمي ماذا سيكون مصير المواطن العائد من عمله دون علم بأمر منع التجول، أجاب شدمي "الله يرحمه".
ونفى شدمي مقولته هذه أثناء محاكمته. وبعد ثلث ساعة من اللقاء بين ملينكي وشدمي اجتمع ملينكي بضباطه وأبلغهم بسياسة منع التجول المعتمدة على عدم المساس بمن يستترون في بيوتهم، وإطلاق النار على كل من يخرج منها.
وأوضح القائد ملينكي أنه يفضل وقوع بعض القتلى على اتباع سياسة الاعتقالات لحفظ منع التجول في الأيام القادمة. وعندما سأل أحد الضباط "مليكني" ماذا سنفعل بالمصابين؟ أجاب ملينكي لن يكون هناك مصابون وعن سؤال الجندي "مناشيس أرييه" حول مصير النساء والأطفال، أجاب ملينكي: "بلا عواطف". وعندما سأله نفس الجندي عن العائدين من العمل قال ملينكي: "الله يرحمهم".
وقسم ملينكي القرى إلى قسمين، وسلم النقيب ليفي المسؤولية عن كفر قاسم، كفر برا جلجولية والطيرة. بينما تسلم النقيب أليكسندروني المسؤولية عن الطيبة، قلنسوة، بير السكة وإبثان واجتمع النقيب ليفي مع ضباطه ومن بينهم الملازم جبريئل دهان الذي تسلم المسؤولية عن كفر قاسم وكرر على مسامعهم أوامر ملينكي.
ومباشرة بعد ذلك اجتمع دهان بجنوده قبل الوصول للموقع وشرح لهم طبيعة المهمة التي ألقيت على عاتقهم وأمرهم بفرض منع التجول وإطلاق النار وقتل كل إنسان يظهر من بعد الساعة الخامسة مساء خارج بيته دون التفريق بين رجال ونساء وأطفال وعائدين من خارج القرية، ونهاهم عن الدخول إلى البيوت وقتل نزلائها، موضحاً لهم أن هذا سيعتبر عملية اغتيال بينما قتل الناس خارج بيوتهم أثناء منع التجول يعتبر قتلاً، وهو عملية قانونية لجندي أثناء أداء مهمته.
وكانت نتيجة المجزرة 49 شهيدا بين رجل وامرأة وطفلا، وقد أجريت محاكمة صورية للمتهمين وكان الحكم المضحك المبكي بأن يحكم على شدمي غرامة مالية بقيمة قرش واحد وبذلك سميت الحالة "قرش شدمي"
تعتيم إعلامي
يذكر انه ورغم وقوع المجزرة في 29 تشرين الأول إلا أن تفاصيلها منعت من الوصول للرأي العام حتى 17 كانون الأول أي بعد مرور شهر ونصف ونشر أول خبر في الصحف بعد أسبوع من المجزرة بتاريخ 6 تشرين الثاني.
وأفاد الخبر أنه: "تشكلت لجنة تحقيق للبت في أحداث كفر قاسم جلجولية والطيبة" وأضاف أن "بعض الفلسطينيين قتلوا وأصيبوا أثناء منع التجول الذي فرض على هذه القرى في 29 تشرين الأول".
في الأول من كانون الثاني أي بعد يومين من المجزرة عين رئيس حكومة الاحتلال ووزير الجيش "دافيد بن غوريون", لجنة تحقيق ترأسها رئيس المحكمة المركزية في حيفا آنذاك القاضي "بنيامين زوهار" والمحامي "حوطير إيشاي", ورئيس بلدية حيفا "أبا حوشي".
وقررت اللجنة ما يلي:
أولاً: إحالة ضابط اللواء وعدداً من الضباط (لم تذكر أسماؤهم) لمحاكمة عسكرية بتهمة تنفيذ أمر غير قانوني.
ثانياً دفع مقدمة تعويضات بقيمة ألف ليرة لعائلات الضحايا.
ونظراً للتعتيم الإعلامي الكامل عن الحدث توجه عضو الكنسيت توفيق طوبي من الحزب الشيوعي برسالة لمئات العناوين سارداً فيها ما حدث في كفر قاسم محاولاً كسر الطوق الإعلامي وفرض محكمة علنية ضد المجرمين وكشف عن المسؤولين ليس على مستوى الجيش فقط بل على المستوى الوزاري أيضاً هذا بعد أن استطاع هو وزميله مئير فلنير في اختراق الطوق وتقصي الحقائق.
واضطر بن غوريون للتوجه للكنيست في 12 كانون الأول وكشف الحقائق لأول مرة بعد شهر ونصف من تاريخ المجزرة، وعمل جاهداً لمنع أي نقاش في الموضوع على مستوى الكنيست أو الصحف متذرعاً بأنه يمس "أمن الدولة".
وفي خطابه أمام الكنيست تأسف بن غوريون باسم الحكومة والشعب الإسرائيلي على المجزرة وسرد تفاصيل الإجراءات التي اتخذت بحق الضباط الذين كان لهم ضلع بالمجزرة وذكر التعويضات التي خصصت لعائلات الضحايا.
وعد أن اخترقت الحقائق الطوق الإعلامي انتقلت القضية إلى المحكمة العسكرية التي افتتحت جلستها في 15 كانون الثاني 1957 وترأسها رئيس المحكمة المركزية في القدس، القاضي بنيامين هاليفي، ومثل أمامه 11 ضابطاً وجندياً من حرس الحدود وعلى رأسهم المقدم "ملينكي"، والملازم "جبرئيل دهان"، و"شالوم عوفر" الذي قتل شخصياً معظم الشهداء.
لقد أصبحت محاضر هذه المحكمة وثيقة تاريخية من الدرجة الأولى وتثبت من جديد في كل قراءها لها مدى الوحشية والكراهية والتوجه العدواني لكل ما هو فلسطيني.
وأدين المتهمون بالقتل بتاريخ 16 أيار من عام 1958، ولكن القضية لم تنته عند هذا الحد فقد أستؤنف الحكم في المحكمة العسكرية وفيها بدأت محاكمة قائد اللواء العقيد "شدمي" المسؤول المباشر عن "مليكني".
محاكمات هزلية
الضباط الـ 11 الذين ارتكبوا المجزرة الضباط الـ 11 الذين ارتكبوا المجزرة في الثاني من تشرين ثاني 1958 استهلت محكمة العقيد شدمي بعد توجهه بن غوريون مطالباً إياه بإجراء محاكمة نزيهة حتى يتسنى له الدفاع عن سمعته التي تشوهت أثر محاكمة المقدم ملينكي الخاضع لأوامره.
ورغم أن الحكم الهزيل بتبرئته من القتل وتغريمه بدفع قرش واحد بقي محفوراً في عمق الذاكرة، إلا أن المحاضرة العلنية والسرية لهذه المحكمة كشفت وقانع لم تكشفها محكمة ملينكي، مما أضفى ضوءاً جديداً على القضية.
فقد تبين أن الجنود الـ 11 المتهمين بتنفيذ مذبحة كفر قاسم لم يكونوا سوى الأيدي المنفذة لعقول خطت ودبرت على أعلى مستوى من رئاسة الأركان ووزارة الدفاع والمعنيان هما الجنرال موشيه ديان ورئيس الحكومة ووزير الجيش دافيد بن غوريون.
في الأول من شباط عام 1959 استأنف ملينكي وزملاؤه أمام محكمة عسكرية جلس فيها خمسة قضاة برئاسة موشيه لانداو وكان من أعضائها منير بعيل. وبعد ثلاثة شهور قررت المحكمة أن الأحكام التي بلغ أقصاها 17 عاماً كانت قاصية، فخفض أقصاها إلى 14 عاماً، وأطلق على الفور سراح المتهمين الذين حوكموا بأحكام خفيفة.
وفيما بعد حصل ملينكي والآخرون على العفو وأخلي سبيلهم في نهاية عام 1959 ولم يقبع في السجون أي من مرتكبي المجزرة أكثر من ثلاث سنوات.
أما العقيد شدمي الذي أعطى الأوامر فقد اقتصر حكمه على توبيخ وغرامة رمزية بقيمة قرش واحد بسبب فرضه منع التجول خارج نطاق صلاحيته, وهي دون شك تهمة هزيلة مقارنة بخطورة الحادث.