إنهم يسيئون إلى مصطلح الفتية البريء، وإلى أعمارهم الصغيرة وأعمالهم البسيطة، وإلى أجسادهم الرقيقة وأفكارهم البريئة، ويشوهون فطرتهم السليمة وحياتهم الطاهرة، ويحرفون تصرفاتهم الطيبة ومسلكياتهم العفوية، ويظهرون طهرهم الكاذب وصفاء نفوسهم المخادع، ويدافعون عن جرائمهم بصغر سنهم ونقاء قلوبهم، وحسن نواياهم وصدق سرائرهم، ويصفونهم بالأطفال غير المسؤولين، وبالصبية غير المحاسبين، ويطالبون الضحايا بمسامحتهم والعفو عنهم، وبعدم الحقد عليهم أو المساس بهم.
إنهم ليسوا فتياناً أبرياء، بل هم شياطينٌ مجرمون، وأبالسةٌ متمردون، ودهاقنةٌ متمرسون، يفسدون في الأرض ويعتدون، ويقتلون الآمنين ويخربون، ويحرقون بيوت المواطنين ويهربون، ويغتصبون الأرض والحقوق ويُزَّوِرُونَ، وينهبون الأموال والبيوت ويدمرون.
إنهم ليسوا فتيةً صغاراً بل هم كبارٌ بالغون، ومميزون راشدون، وقادةٌ مسؤولون، وجنود نظاميون، وضباطٌ سابقون، ومتدينون متطرفون، ومستوطنون متشددون، وسياسيون موجهون، وإعلاميون مؤدلجون، وعامةٌ غوغائيون، ووافدون حاقدون، ومتضامنون عنصريون، وموالون عقائديون، ومسيحيون إنجيليون، إنهم كل الكيان الصهيوني بكل مكوناته وفئاته، وشرائحه وتوجهاته، ومعهم حلفاؤهم الظالمون، ومؤيدوهم المنحازون، الذين يناصرون الباطل ويدعمون المعتدي، ويسكتون عن الظلم، ولا يدينون العدوان.
إنهم عصابةٌ منظمةٌ وفرقةٌ فاسدة، وشرذمةٌ ضالةٌ، ترعاها الحكومة، ويحميها الجيش، وتسكت عنها الشرطة، ولا يدينها القضاء، ولا يحاسبها المسؤولون، ولا يدينها الشعب، ولا يستنكرها المجتمع الدولي، ولا يرفع الصوت معترضاً عليها رافضاً لها، بينما يرى أرض الفلسطينيين تغتصب، وبيوتهم تحرق وتحتل، وحقوقهم تنتزع، وممتلكاتهم تنهب، وعيشهم يضيق وحياتهم تتعرض للخطر.
إنهم فتية التلال، اسمٌ جميلٌ وفعلٌ قبيحٌ، لجماعةٍ من المستوطنين اليهود، الذين ينشطون في المناطق الفلسطينية، ويرتكبون فيها أفعالاً شنيعة وجرائم فظيعة، ويعملون عن تحقيق أحلامهم وتنفيذ مخططاتهم، فيحتلون كل أرضٍ يرونها تحقق أهدافهم، وتلبي رغباتهم، وتصلح لبناء مستوطناتهم، ويعتدون على البيوت الآمنة فيحرقونها، ويروعون أهلها ويرهبون أطفالها، ويحطمون السيارات العربية، ويهشمون زجاجها، ويبقرون دواليبها، ويقطعون خطوط الهاتف والكهرباء، ويحرقون أعمدتها ويعطلون شبكاتها، ويخلعون أو يحرقون أشجار الزيتون والمزروعات المثمرة، ويمنعون الفلسطينيين من الوصول إلى حقولهم ورعاية مزروعاتهم.
تنشط عصابة "فتية التلال" في الضفة الغربية أكثر من غيرها، التي تراها أرضاً يهودية مغتصبة، وحقاً يهودياً يجب أن يعود، فتراها تسابق الزمن، وتتحدى الصعب في سبيل استعادة الأرض وتهويدها، وقد جعلتها نصب عينيها مطمعاً يجب تحقيقه، وهدفاً ينبغي الوصول إليه، وفي الوقت نفسه فهي لا تؤمن ببقاء الفلسطينيين العرب في أرضهم المحتلة عام 1948، فتعتدي عليهم، ولعلها هي التي تقتل رموزهم وقادتهم، ورجالهم ونساءهم، وهي التي تحرق المساجد وتخرب الكنائس، وتكتب على الجدران محذرةً، أو توزع بياناتٍ وصوراً مروعةً، بقصد إرهاب الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة واللجوء.
لا يكاد يمرُ يومٌ دون أن تقوم عصابة "فتية التلال"، التي تستهوي السيطرة على التلال العالية والجبال المرتفعة، بارتكاب جريمةٍ جديدةٍ بحق المواطنين الفلسطينيين، ولكن أحداً من سلطة الاحتلال لا يحرك ساكناً أو يغضب، فلا الحكومة تعارض، ولا الشرطة تمنع، ولا الجيش يصد، ولا القضاء يحاكم، فتراهم يرتعون في المناطق الفلسطينية بلا خوفٍ كضواري الفلاة الجائعة المفترسة، التي تركض وراء طرائدها، وتصطاد ضحاياها، وتعتدي على كل ما يعترض طريقها، فإن كان بيتاً تحرقه، أو سيارةً تحطمها أو تهشم زجاجها، أو حقلاً فتخلع أشجاره أو تحرقها، أو أرضاً مميزةً تحتلها، وتنصب فيها خيامها، أو تقيم فوقها المباني المسبقة الصنع، أو المحمولة على المقطورات الضخمة، لتتحول بعد ذلك من بؤرٍ صغيرةٍ إلى مستوطناتٍ كبيرةٍ.
بينما تقوم الدنيا ولا تقعد، وينتفض الإسرائيليون ويغضبون، إذا اعتدى فتية التلال على مستوطنيهم، أو قاموا بعرقلة عمل جنودهم، أو تعريض حياتهم للخطر، ويتهمونهم بالتطرف والعنف، وبإثارة الفوضى والاضطراب، ويلقون القبض على زعمائهم، ويضيقون على نشطائهم، ويمنعونهم من محاولة الاعتداء على جنودهم أو مواطنيهم، ويلزمونهم بالتوقيع على تعهداتٍ قانونية، ويفرضون عليهم عقوباتٍ مالية، وتعويضاتٍ مادية يؤدونها للمتضررين اليهود، سواء كانوا جنوداً أو مستوطنين أو مؤسساتٍ عامةٍ.
تكذب سلطات الاحتلال الإسرائيلي عندما تدعي أن تنظيم "فتية التلال" خارجٌ عن القانون، وأنه تجمعٌ غير مشروع، وأن ما يقوم به المنتسبون إليه من أعمال تدينها الحكومة ولا تقبل بها، ولكن الحقيقة أن الجهات الرسمية والشعبية الإسرائيلية بكل مستوياتها، تؤيد هذه المجموعات وتشجعها، ذلك أن أغلب المنتسبين إلبها هم من أتباع الأحزاب الدينية والقومية اليمينية المتطرفة، التي تؤمن مثلهم بيهودية الدولة، وملكية الأرض، وحق اليهود المطلق في استيطانها والعيش فيها، وطرد كل من ينافسهم على امتلاكها أو العيش فيها، وهم في أصلهم ورثة مئير كاهانا مؤسس حركة "كاخ" العنصرية، وقد نالوا بركة العديد من حاخامات إسرائيل الكبار، وأيدهم في أفعالهم أرئيل شارون وقادة حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو.
لعله التاريخ يعيد نفسه من جديد، وكأننا أمام منظمات "الهاغاناة" و"شتيرن" و"الأرغون"، الذين روعوا الفلسطينيين وأرهبوهم، وقتلوهم وارتكبوا في حقهم أبشع المجازر، وخاضوا ضدهم أقذر المعارك، مما دفع الفلسطينيين إلى الفرار واللجوء، والنجاة بحياتهم والهروب، فخلت لهم الأرض لتأسيس كيانهم، ودانت لهم البلاد فأعلنوا دولتهم، واليوم تقوم عصابة "فتية التلال" بالفعل نفسه، وبالأداة نفسها، وغاية ما يتمنون رحيل الفلسطينيين وتخليهم عن أرضهم ووطنهم، واستسلامهم وخضوعهم، وقبولهم بالأمر الواقع ورحيلهم، ولكن الفلسطينيين الذين تعلموا من ماضيهم، واستفادوا من تجربتهم، باتوا يتصدون لكل العصابات الصهيونية ويفشلون مخططاتهم، ويحبطون عملياتهم، وما قرية بيتا في نابلس عنا ببعيد، وما انتصارهم على فتية التلال بعزيز.