القدس المحتلة - خاص قدس الإخبارية: تشهد الساحة المقدسية، خلال الأيام الأخيرة، توترات وانتهاكات إسرائيلية متصاعدة، يحاول الاحتلال من خلالها تغيير واقع المدينة المقدسة، والترسيخ لواقع جديد تكون له فيه اليد العليا على المدينة، مع استمرار اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، والسماح بإقامة الصلوات الصامتة فيه في سابقة جديدة في تاريخ صراعنا الوجودي مع المحتل الإسرائيلي.
فضلاً عن ذلك، تشهد ساحة باب العامود والبلدات المقدسية مواجهات متكررة مع شرطة الاحتلال، وتوالت الاعتداءات على الأحياء المقدسية بإصدار أوامر هدم قسري لعدد من المنازل، والاعتداءات على مقابر المسلمين وتجريفها، في خطوات تنذر بتوتر متصاعد، وتدفع للتساؤل حول أسباب ازدياد هذه الانتهاكات في الآونة الأخيرة.
الباحث والخبير في الشأن المقدسي د. جمال عمرو يشير إلى أن الاحتلال يتدرج في عدوانه على الأراضي الفلسطينية وخاصة مدينة القدس المحتلة وفق معايير وخطط ممنهجة، وتتظافر لذلك جهود الاحتلال بكل مكنوناته العسكرية والسياسية والأمنية والدبلوماسية، وأنه يصب تركيزه حاليًا على المسجد الأقصى في سعيه إلى إزالة التاريخ الإسلامي الرمزي الراسخ في مدينة القدس المحتلة "خطوة بخطوة".
ويؤكد عمرو، في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن الاحتلال ومستوطنيه، خاصة المتطرفين منهم، يركزون في هذه المرحلة على المناطق التاريخية، قبل أن ينطلقوا إلى باقي أنحاء المدينة، الأمر الذي سوف يظهر في أبشع صوره من خلال ما يسمى مشروع "تسوية الأراضي" الذي يتيح للاحتلال امتلاك الأراضي والعقارات في مدينة القدس المحتلة خاصة الجزء الشرقي منها.
في الأثناء، اعتدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة "نفتالي بينيت" على مقبرتي مأمن الله واليوسفية، حيث أقامت احتفالاً بذكرى توقيع "اتفاقيات أبراهام" بحضور وفد أمريكي وإماراتي فوق مقبرة مأمن الله أكبر المقابر الإسلامية في المدينة المقدسة، التي لم يتبقَ منها سوى 10 دونمات بحوزة المسلمين، في الوقت الذي قامت فيه جرافات الاحتلال بتجريف المقبرة اليوسفية.
التطبيع العربي: تصاعد الانتهاكات في القدس
"أرادت "إسرائيل" التدرج في اعتداءاتها على مدينة القدس والمسجد الأقصى لحساسية القضية، إلا أنه في أوج التطبيع العربي بدأ الاحتلال ينتهزون الفرصة، لأن التطبيع يجري في هذه الآونة على قدم وساق، وهناك ضغط أمريكي إضافي لإدخال المزيد من الأنظمة العربية إلى بيت الطاعة الصهيوني في تل أبيب"، يعزي الباحث في الشأن المقدسي تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة.
وعلى غرار عمرو، يقرأ رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي في الواقع العربي والإسلامي السيء، سببًا في ازدياد الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة بالذات، مشددًا على الدعم الغربي المتناهي لدولة الاحتلال، على الرغم من المواقف الإعلامية التي "لا تتعدى كونها إعلامية فقط" بحسب وصفه.
ويعتقد الهدمي، في حديثه لـ "شبكة قدس"، وجود رسائل طمأنة من بعض الدول العربية بأنها " لن تتحرك ولن يكون لها مواقف شجب واستنكار بحق ما تمارسه سلطات الاحتلال على المقدسيين وعلى المقدسات."
سيناريوهات التصعيد المتوقعة
تعيد المشاهد الحالية في القدس المحتلة من الاقتحامات المتكررة، والاعتداءات على المقدسيين في باب العامود، واشتعال مواجهات في مناطق مختلفة من المدنية الذاكرة الفلسطينية إلى مايو\ أيار الماضي، مع إغلاق ساحة باب العامود، والاعتداءات والاعتقالات، حيث تشابهت الأحداث، وانتهت حينها بانفجار شعبي عارم في القدس والضفة الغربية المحتلتين والداخل المحتلة، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
حول ذلك، يشدد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد على حالة ضغط شديد في المجتمع الفلسطيني بشكل عام والقدس بشكل خاص، وهو ما تشير إليها مشاهد المواجهات الليلية واليومية في مدينة القدس، مضيفًا: "نحن مقبلون على انفجار كبير، ولكن وقته مرهون بماهية الشعلة التي ستؤدي إليه.
حول السيناريوهات المتوقعة في استمرار هذه الانتهاكات، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن انفجار القدس والضفة الغربية ليس بالأمر البعيد، وقد يتمثل ذلك في ازدياد العمليات ضد الاحتلال بكل اشكالها وأنواعها في حال لم يرتدع عن اعتداءاته.
ويضيف الصواف بوجود احتمالية اندلاع اشتباك متجدد بين المقاومة والاحتلال، في ظل استمرار ممارسات الاحتلال – حكومة ومستوطنين- الخطيرة كالصلاة الصامتة، وإدخال القرابين الى المسجد الأقصى، وعمليات مصادرة الأراضي وهدم البيوت.
وبالرغم من توجه أمريكي برئاسة جو بايدين وإسرائيلي برئاسة نفتالي بينيت لتثبيت هدوء في قطاع غزة والضفة، يرى المحلل السياسي طلال عوكل أن "إسرائيل" تحاول فرض واقع مختلف في المسجد الأقصى، ما يشعل الأوضاع في الأراضي المحتلة، موضحًا: "من غير المعقول أن يتصور بينيت أن بإمكانه أن يحيّد غزة والضفة ويتفرد بالقدس وأن يفعل بها ما يشاء، الاستفزازات الإسرائيلية كلما زادت كلما مهدت الطريق أمام انفجار الأوضاع في كل فلسطين."
وبحسب عوكل، فإن أن الوضع الحالي في القدس على سيخلق حالة من التصعيد الاجباري بالنسبة للفلسطينيين شعبيًا، بغض النظر عن توجهات وأفعال الفصائل والسلطة، خاصة مع "توجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى إغلاق أي طريق للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية."
وحول الحديث باندلاع حرب في قطاع غزة كرد على الأحداث في القدس المحتلة، يشدد المحلل السياسي على أن ردود فعل فصائل المقاومة لا يتوقف على حدود القطاع، بل إنما تتحدى وترد على الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس بقوة، مشيرًا إلى أن الضفة تشهد حاليًا انتفاضة، وإن اختلف شكلها وآلياتها، عن الانتفاضات السابقة، مع وجود عمليات دهس وطعن وإطلاق نار بشكل شبه يومي.
ومع ذلك، يستدرك عوكل أن اشتعال الأوضاع في قطاع غزة أمر وارد، إلا أنه غير مرهون بتوتر الساحة المقدسية على وجه الخصوص، بل "هي الشعلة التي ستنفجر بفعلٍ إسرائيلي خطير سواء في القدس أو مخيم جنين أو في سياق إضراب الأسرى الحالي."