شبكة قدس الإخبارية

شهادات من الانتفاضة - انتفاضة الأقصى في ذاكرة خالد عليان

1020201142842191
كمال الجعبري

القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: ترتبط ذكراها في مخيلاتنا، بصورة شارون محاطاً بالآلاف من جنود الاحتلال، مقتحماً الأقصى، وبصورة تلك المظاهرات التي خرجت من الأقصى، وبصور محمد الدرة، وفارس عودة، وإيمان حجو، لكن الكثير منا يجهل بداية الحكاية، واللحظات الأولى لانطلاق انتفاضة الأقصى، في مثل تلك الأيّام من العام 2000، وفي هذه المادة سيأخذنا خالد عليان، طالب الكيمياء في جامعة القدس – أبو ديس، في تفاصيل أحداث الجمعة 29/9/2000، والتي تفجرت في أعقابها بشكلٍ فوريٍ، انتفاضة الأقصى، التي استمرت لمدة خمس سنوات متواصلة.

 

أحداث يوم الخميس 28/9/2000

يتحدث عبد الله معروف، مسؤول الإعلام في لجنة التراث الإسلامي، في باب الرحمة عن تفاصيل ما جرى في الأقصى، يوم الخميس، ففي تمام الساعة السابعة والنصف صباحاً من ذلك اليوم، اقتحم أرائيل شارون، رئيس كتلة الليكود في الكنيست الإسرائيلي، المسجد الأقصى المبارك، بحراسة 3000 من قوات شرطة الاحتلال وحرس الحدود. 

سبق الاقتحام تدنيس ال3000 جندي إسرائيلي للأقصى، وانتشارهم في البوائك والباحات والمناطق المرتفعة، تمام الساعة السابعة صباحاً، ليعقبها دخول شارون للأقصى بعد نصف ساعة، بدأ الاقتحام من باب المغاربة، ومن ثم تم التوجه لساحة المصلى المرواني. استمر الاقتحام لمدة 45 دقيقة، في ذات الموقع، وفي تمام الساعة الثامنة والربع غادر شارون، وقوات الاحتلال المسجد الأقصى، خلال الاقتحام تصدى 20 من المرابطين لقوات الاحتلال ومنعوا شارون، ومن معه من دخول المصلى المرواني، هدف الاقتحام غير المعلن فيما يبدو، إذ لم يمض على افتتاح المصلى المرواني، بجهودٍ مشتركة بين الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، والأوقاف الإسلامية في القدس، أكثر من عام.

خلال انسحاب القوات الإسرائيلية من الأقصى، اندلعت مواجهاتٌ خفيفة بين المرابطين في الأقصى، وقوات الاحتلال أصيب خلالها المقدسي نافز الجعبة، وكن ابن 14 ربيعاً آنذاك بالرصاص المطاطي، وانقشع غبار ذاك اليوم على جمرٍ متقدٍ في القدس وفلسطين، بل والعالم العربي، والإسلامي، بعد تدنيس شارون المسجد الأقصى المبارك.

ما قبل المواجهة والمجزرة

يخلص خالد عليان الواقع الفلسطيني في تلك الفترة، عبر سرد تفاصيل ما جرى في الأوساط الطلابية، في جامعة القدس (أبو ديس): "اللصراع الداخلي اللي صار عند الناس قبل انتفاضة الأقصى هو الأهم من انتفاضة الأقصى، كان في الجامعة ثلاثة توجهات، بتعرف إنت هو شارون دخل الأقصى الخميس، والأحداث بلشت يوم الجمعة، التسلسل، الأحداث يعني كانت متوقعة تصير قبل ما صارت دخل يوم الجمعة، إحنا كفلسطينيين، أو ناشطين، سمينا شو ما بدك، انقسمنا في توجهاتنا إلى أنواع، يعني قبل ما يجي يوم الجمعة، نوع اعتبر إنها نوع من أنواع المسرحية اللي بتصير بشكل دائم، واللي بقودوها جماعة التفاوض، في سبيل تحسين ظروف التفاوض، وبعدها نرجع للمربع الأولاني اللي هو مربع استهداف المعارضين لأوسلو، فبالتالي إحنا مش لازم ننخرط فيها، أو لازم نستنى، وكان أنصار الحركة الإسلامية وحركة حماس من يفكرون بذلك في الدرجة الأولى". 

يتابع عليان: " بالمقابل كان في توجه آخر اللي اعتبر ما يحدث وما يمكن أن يحدث عبارة عن فرصة للتحلل من الاتفاقيات والقيود، وفرصة لتحقيق أفكاره، هو بتعقد إنو الأصل في العلاقة مع العدو الصهيوني، هو الصراع، فالموضوع إنت مش لازم تتردد فيه، هذا كان في إطار قائم على رأسه، الأطر الطلابية لحركة الجهاد الإسلامي، هدول إطارين كانوا موجودات، وفي عندك التوجه الرسمي اللي هو توجه السلطة، اللي هو أعلن من قبل بيوم من خلال التلفزيونات، إنو في دعوات للتحرك والانتفاضة، وكان هذا واضح من خلال برامج التلفزيون والبيانات إنو في اتجاه نحو المواجهة، لكن المواجهة لأي حد هو ما كان عارف، هو ما كان عارف أو دارس أو مخطط بالزبط لوين الأمور ممكن تمشي ".

وبين تلك التوجهات السياسية المختلفة، كان هناك توجه له صداه في المجتمع الفلسطيني، في الجامعات الفلسطينية وغيرها، وهو توجه الناس غير المأطرين سياسياً وتنظيمياً، الذين يصفهم خالد عليان قائلاً: " كل اللي بعرفوه وكل الهاجس اللي عندهم، إنه القدس والأقصى عندهم عبارة عن خط أحمر، فمجرد ما تقول إنت القدس، إنت أصبت عندهم مقتل ".

جمعة الانتفاضة 29/9/2000

مع ساعات الصباح الأولى في يوم الجمعة، بدأت أعدادٌ هائلة من المقدسيين، والفلسطينيين بالتوافد إلى المسجد الأقصى المبارك، من كافة التوجهات والأعمار، والطبقات الاجتماعية، تنوعت دوافع القادمين إلى الأقصى، فمنهم من أتى للدفاع عن المسجد الأقصى، ومنهم من قدم وبنيته التصعيد والمواجهة، ومنهم من أتى فقط بدافع الفضول، ولكن لا شك بأن الكل قد أتى من أجل الأقصى. 

على الجانب الآخر بدأ الاحتلال بالاستعداد لهذا اليوم، فنصب العشرات من الحواجز على مداخل القدس، يقول خال عليان بأنّ تلك الأيّام أعادت لذاكرتهم كمقدسيين تلك الحواجز التي نصبها الاحتلال على مداخل القدس، والطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى.

" الناس صار عندها خبرة "، بذلك يعلق عليان موضحاً الطرق والأساليب التي سلكها أبناء الشعب الفلسطيني للوصول إلى المسجد الأقصى، يوم الجمعة، وصل الآلاف من الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، وساد جو الترقب في الساعات والدقائق التي سبقت خطبة جمعة، يوم 29/9/2000. 

بدأت خطبة الجمعة، والجميع ينتظر انتهاءها، وقوات الاحتلال متواجدةٌ بكثافة، فوق المتحف الإسلامي، وفوق باب المغاربة، في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، وتواجدت كذلك فوق أسطح المنازل المحاذية للأروقة الغربية للمسجد الأقصى، وتواجدت في ساحة المغاربة المئات من طواقم الإسعاف الإسرائيلية(ماغان دافيد)، أو نجمة داوود.

كانت خطبة الجمعة في ذلك اليوم قويةً، وحول المسجد الأقصى، وفضائله ووجوب الدفاع عنه، " الكل بستنى لحظة الصفر "، علّق خالد عليان، الذي كان يستمع الخطبة في منطقة متوضأ الكاس بالقرب من قبة الصخرة. 

بعد انتهاء الخطبة بدأ الشباب بالانطلاق نحو باب المغاربة، ولقلة تواجد الحجارة في باحات المسجد الأقصى القريبة من باب المغاربة، بدأ الشباب بتكسير البلاط، وتجهيز أنفسهم بكل ما يمكن أن يواجهوا خلاله الاحتلال. 

" كان أول إشي ارتمى على اليهود سطل زبالة "، يصف خالد اللحظات الأولى للمواجهة في الأقصى، بدأ الاحتلال مباشرةً بإطلاق الرصاص الحي وسط حالة من الذهول والغضب من المتواجدين داخل المسجد الأقصـى، " الأمور فلتت والتردد انتهى "، كان ذلك هو الشعور الذي اشترك فيه خالد عليان مع الآلاف من الفلسطينيين المرابطين في الأقصى، بدأت فصول المواجهة بين الحجر والحذاء والرصاص الحي، وبدأت فصول المجزرة والمواجهة.

بلال عفانة شهيد الانتفاضة الأول

من أبوديس، وعلى بعد أمتارٍ قليلة من الأقصى، من تلك البلدة التي كادت أن تكون كالعيساوية، وسلوان، لولا غدر الجدار، جاء الشهيد الأول في انتفاضة الأقصى، الشهيد بلال خليل علي عفانة، الذي كان يحتفل قبل ساعاتٍ من استشهاده بمرور عامٍ على ولادة ابنته الوحيدة.

كان عفانة قد تحدث لزوجته عن رغبته في الشهادة، قبل عدة سنوات، فبادلته الشعور، فقال لها: "أنت تحافظين على بيتك ونفسك بعد استشهادي وعلى أولادك كذلك". 

وعن تلك اللحظات التي استشهد خلالها بلال عفانة، يتحدث خالد عليان: "وكان معي شاب من بلدنا اسمه بلال عفانة، بحّرت مش جنبي، اطلعت ولا هو مرمي، رجعت أشوفه إلا هو في رصاصة، من راسه من الوراء وطلعت من عينه، طلعت كل جبهته، وعينه كانت طالعة برا، فحملته، وطبعاً من شدة الرصاص ما حد مسترجي يحمل حد، الناس بدها تشرد، صارت الناس بدها تشرد، فلما رجعت ومسكته أولها ما لقيتش حد، حملته لحالي، بعدين الناس تشجعت وحملوه معاي ".

تفجر انتفاضة الأقصى

في مشاهدٍ مؤلمة اختلط فيها الدم مع أشلاء الشهداء، والجرحى، بدأ المتواجدون في الأقصى بإخلاء من سقط في المجزرة، في شوارع البلدة القديمة، إذ منع الاحتلال وصول سيارات الإسعاف لداخل البلدة القديمة، وصل خالد عليان مع آخرين لمستشفى المقاصد، والدماء تغطيهم، استفزت تلك المشاهد مشاعر أهل القدس بشكلٍ كبير، يقول خالد: " الناس بعفوية خارج أسوار المقاصد، وفي الشوارع العامة في القدس، صارت وين ما تشوف جندي تضرب عليه "، شاركت كافة فئات المجتمع في تلك المواجهات العنيفة التي اشتعلت في معظم أحياء القدس، حتى أصحاب السوابق و(الحشاشين) استماتوا بالدفاع عن القدس والمقدسيين خلال المواجهات، أما سائقو سيارات الأجرة فقد وضعوا سياراتهم كمتاريس خلال المواجهات.

يوصف خالد عليان مواجهات ذلك اليوم: " اللي صار وحدة غريبة، بتعرفش، الشرقي والشمالي، والغربي، والمتدين، والمش متدين، والتاجر والبياع، كل الناس صارت مرة وحدة، في وحدة واحدة في هم واحد، وصارت كل الناس تسعى للمواجهة مع الاحتلال وبتحاول تعمل كل إشي بتقدر تعمله وأكثر ".

بحلول مساء هذا اليوم بدأت المواجهات في الضفة الغربية، وقطاع غزة في عدة محاور، بالقرب من حاجز بيت إيل، في رام الله، وفي مفترق الشهداء (نتساريم)، في قطاع غزة، وفي اليوم التالي شاهد العالم أجمع استشهاد الطفل محمد جمال الدرة، هناك، في ذات الوقت الذي بدأ فيها الشهداء جمال أبو سمهدانة، ورائد العطار، ومحمد الشيخ خليل، بفتح ثغرات في السياج الفاصل بين رفح وفلسطين المحتلة، لتكون نقاطٍ للاشتباك مع الاحتلال الصهيوني، وفي باب الزاوية في الخليل تحولت المنطقة لنقطة اشتباك دائمة مع الاحتلال، وبذلك انطلقت انتفاضة الأقصى.