رام الله - خاص قدس الإخبارية: استيقظت فلسطين والعالم، صبيحة يوم الإثنين 6 سبتمبر 2021، على خبر انتزاع ستة أسرى فلسطينيين حريتهم من سجن جلبوع قرب مدينة بيسان المحتلة، الذي أشد السجون الإسرائيلية تحصينًا، بعد حفرهم نفقًا طوله عشرات الأمتار يمتد من داخل زنزانتهم إلى بضع أمتار خارج جدار السجن بجانب برج الحراسة.
وعلى الرغم من المخاطرة الكبيرة، إلا أن اتخاذ النفق سبيلاً لانتزاع الحرية كما فعل الأسرى الستة ليس بالجديد على الفلسطينيين، إذ سجل الأسرى أول هروب من زنازين الاحتلال بوساطة النفق عام 1996 من سجن "كفار يونا" على يد الأسيرين غسان مهداوي وتوفيق الزبن، اللذين حفرا نفقًا بطول 11 مترًا، تبعتها محاولة في عسقلان في العام ذاته، ثم من سجن شطة عام 1998، ومحاولة حفر نفق في سجن جلبوع عام 2014.
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يقول الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي "إن محاولات الهروب من السجن أمر قديم في تاريخ الحركة الأسيرة منذ الاحتلال الإنجليزي، وتدل استمرارية هذه المحاولات على اسبتطان الشعب الفلسطيني لتاريخه النضالي والكفاحي."
ويضيف أنه بالرغم من أن هذا الكفاح يمر بحالات انقطاع تاريخية أو جغرافية ولكن ثمة غريزة نضالية موجودة في كل الفلسطينيين، فضلاً عن أن طبيعة الشخصية الفلسطينية التي لا يكسر السجن من عزيمتها وإرادتها وصلابتها، إلى جانب استمرار روح التحدي الموجودة عند الأسير الفلسطيني.
دلالات عمليات حفر الأنفاق
ويشير عرابي إلى أن عمليات الهروب هذه تبدو بالغة الصعوبة، لاسيما في زمن الاحتلال الصهيوني وسجونه المحصنة الموجودة في الأراضي المحتلة عام 1948، سواء من تنفيذ العملية من داخل غرفة المعتقلين وصولاً إلى خروجهم إلى فضاء مشحون بالاحتلال الإسرائيلي، "وهو فضاء أمني، وعسكري، واجتماعي، وسكاني إسرائيلي بالدرجة الأولى".
وبينما من المعروف أن مآلات انتزاع الأسرى لحريتهم بعمليات هروب من سجون الاحتلال قد تنتهي بإعادة اعتقالهم، فضلاً عن ارتدادها على الحركة الأسيرة حينما يفرغ الاحتلال فشله وغضبه قمعًا وقهرًا على المعتقلين داخل السجون، إلا أن عملية انتزاع الحرية وحفر الأنفاق بحسب عرابي تعكس "دلالة على استمرار النضال حتى من داخل السجن، وتغذي الحالة المعنوية عند الفلسطينيين، وتعيد إنعاش إرادة الكفاح والنضال عندهم، وأحياناً من شأنه أن يشعل جذوة الكفاح".
وبينما تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن حفر نفق جلبوع قد بدأ منذ أشهر، يرى المحلل السياسي أن مجرد قدرة المعتقلين على إخفاء إجراءات الحفر لفترة طويلة والخروج من سجن من هذا النوع، يدل على إمكانية هزيمة الاحتلال الإسرائيلي القوي من الناحية الأمنية والعسكرية رغم هشاشته الوجودية.
ويؤكد عرابي على أن "معرفتنا بقوة الاحتلال ينبغى أن توفر لنا أدوات مقاومته"، متابعًا أن "العملية وحدت الفلسطينيين مجدداً على قاعدة مواجهة الاحتلال، وهذه الحوادث جزء من مراكمة النقاط، فالاحتلال لن يهزم بالضربة القاضية."
الأنفاق: ضربة في عمق الفكر الإسرائيلي
في الأثناء، يقول المحلل والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة إن "إسرائيل" تتعامل مع فكرة حفر النفق بمثابة ضرب لمسلمة من المسلمات الاستراتيجية في الفكر الأمني الإسرائيلي، وإن كسر الفلسطيني المجرد إلا من إرادته لأطواق الاحتلال الأمنية والمعازل والجدران التي يضربها حول نفسه، هي بمثابة ضرب في الصميم لقواعد هذه الاستراتيجية في المستويات المادية والنفسية.
"المجتمع الإسرائيلي كان وما زال محكوم بعقلية الـ "غيتو" أي المعزل، وهذه العقلية ترى في الانعزال والتقوقع وسيلة هامة للدفاع عن النفس، ويبررون هذا الأمر بالخوف من الانكشاف على الآخر، وترى هذه العقلية المتجذرة في المجتمع الإسرائيلي أن عزل الآخر وهو الفلسطيني العربي في هذه الحالة، هي وسيلة إضافية للحماية"، يوضح هلسة.
ويتابع هلسة في حديثه لـ "شبكة قدس": أن تاتي هذه الضربة من داخل الأسر والسجون المنيعة التي تتخذ فيها "إسرائيل" إجراءات أمنية مشددة من فلسطيني أعزل بأدوات بسيطة وفرتها ظروف السجن، زاد من وقع هذا الفعل وأثره النفسي وقيمته على المجتمع الإسرائيلي.
وعن محاولات الاحتلال التقليل من إرادة الأسرى الستة وصورتهم، يبيّن هلسة أنه حتى "لو حاولت "إسرائيل" إعادة اعتقال هؤلاء الأسرى، والبحث عن صورة انتصار وتضخيمها من خلال تصويرهم مكبلين وعابرين ومرهقين، وإشاعة الفتنة من خلال الحديث عن أنه جرى تسليمهم بواسطة فلسطينيين من الداخل، ومحاولتها بذلك ترميم مستوى الضربة والضرر الحاصل، فإن هذه المحاولات جميعها لن تقلل من وقعه وقيمته فلسطينيا، ولن تخفف من الأثر والخسارة، لأن الضرر وقع في العمق الإسرائيلي المادي والمعنوي."
وينوّه الخبير في الشأن الإسرائيلي أن علاقة الفلسطيني بالإسرائيلي كر وفر، وهي ليست دائما محكومة بميزان القوة والتفوق الإسرائيلي، في أحيان كثيرة هذه المسألة محكومة بميزان التحمل، وأثبت الفلسطينيون أنهم الأقدر على التحمل وهو ما مكنهم من البقاء في وجه الطوفان والعصف الإسرائيلي لسنوات طويلة.
وفي تداعيات حفر النفق وانتزاع الحرية، يرى الخبير والمحلل العسكري واصف عريقات أن خشية العدو ستكون من عدة أصعدة، بداية من المجهول القادم، وهذا ما يقلق الاحتلال كثيرًا، "لأن مفاجآت الفلسطينيين سواء كانوا في الأسر أم خارجه كثيرة، والنموذج الذي حصل في جلبوع ربما سيتكرر، وهذا يعني مزيدًا من الإجراءات المشددة، والقلق الأمني، والتكلفة الباهظة."
ويقرأ عريقات في التطورات الميدانية الحاصلة في الضفة الغربية والقطاع في أعقاب عملية نفق الحرية أن نموذج الأسرى الستة يحتذى به من الشباب الفلسطيني في الخارج، ليس فقط على صعيد تحرير الأسرى، بل على مستوى تصعيد المواجهة مع العدو الإسرائيلي، ما سيحفز جيل الشباب الشاهد على ظلم الاحتلال على المواجهة في كل الميادين.
ويستطر المحلل العسكري في حديثه لـ "شبكة قدس" أن الوضع ليس سهلاً بالنسبة للإسرائيليين، حيث فُتحت عليهم أبواب كثيرة يصعب إغلاقها، موضحًا: "في ضوء أن سجن جلبوع هو السجن المثالي من حيث المراقبة والقدرة على القمع، وكان يسمى الخزنة الحديدية، وبالتالي كل هذه الإجراءات فشلت من ناحية استخباراتية، إذ لم تستطع أجهزة الاستخبارات أن تحقق أي إنجاز على صعيد الاحتلال.