أعادت القمة الفلسطينية - المصرية - الأردنية في شرم الشيخ، والتي جاءت بعد أيام قليلة من قرار مصر بإغلاق معبر رفح بشكل كلي في أعقاب إصابة جندي من جيش الإحتلال على حدود غزة - أعلن عن مقتله لاحقاً - كخطوة من التطويع والضغط على حماس التفكير في طبيعة العلاقة المركبة والمعقدة بين مصر والقضية الفلسطينية بكافة جوانبها، الممتدة منذ عقود، حيث لا يقتصىر ارتباط مصر بالفلسطينيين من ناحية جغرافية فحسب، بل هنالك جملة من الأبعاد التي تجعل مصر في صدارة الدول المتسللة إلى عمق الشأن الفلسطيني، وعلى رأسها البعد الأمني حيث تشكل فلسطين المحتلة الساحة الخلفية واللوجستية لمصر التي تساهم في مساعي ضبط الحدود اولاً وتحقيق نوع من الاستتباب الأمني في سيناء ثانياً، بالإضافة إلى البعد الاجتماعي في النسب والمصاهرة بين العوائل سيما في قطاع غزة.
في الواقع تراوحت علاقة مصر خصوصاً مع قطاع غزة وبعد سيطرة حركة حماس عام 2007، على وجه الخصوص، بين المد والجزر، وبالتوازي مع إحكام الحصار المفروض على القطاع تلعب دور الوسيط أيضاً، فتحت ظلها كانت صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" كما المفاوضات الجارية لإتمام صفقة تبادل جديد مرتقبة، مضافاً إلى رعايتها الكثير من اتفاقيات وقف إطلاق النار بين الاحتلال وغزة خلال السنوات الأخيرة، لكن الدور الذي شد انتباه الجميع كان إبان معركة "سيف القدس" تحت إشراف مباشر من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والذي تباهى بذلك عبر تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال المؤتمرات الصحفية.
ويبقى السؤال ما الدافع من وراء هذه السياسة المتلونة مع غزة؟ وما مصلحة السيسي في هذا التوقيت بالذات؟
لا شك بأن السيسي واجه خلال السنوات الأولى من حكمه تحديات كبيرة في كسب ثقة العالم، رافق ذلك موجات من الانتقادات الحادة من قبل المنظمات الحقوقية الدولية جراء انتهاكات فظيعة تعرض لها المواطن المصري، لكنه وبعد جهود مضنية استطاع تجاوز هذه الأزمات وتمكن من الحد من تأثير ملف حقوق الإنسان على العلاقة مع بلده، سيما مع قادة أوروبا، أو على الأقل نجح في التعامل معهم كأمر واقع لا يمكن تجاوزه.
أما فيما يتعلق بعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت الأولوية بالنسبة له والتي اتسمت بالبرودة بالتحديد عند قدوم الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم، فيما كانت مخاوف النظام المصري آخذة بالازدياد خشية حدوث تغيير جوهري في السياسة الترامبية والتطرق الى ملفات الحريات العامة وحقوق الإنسان، غير أن معركة "سيف القدس" قدمت للسيسي ما لم يكن يتوقعه على طبق من ذهب، وبدوره استغل جولة النار وأتخذ منها مدخلاً للولوج إلى أروقة البيت الأبيض بعد أن لعبت مصر دوراً محورياً في التهدئة التي استغرقت عدة أيام في تثبيتها بين الاحتلال وفصائل المقاومة، وتحقق المبتغى الأهم بالنسبة للسيسي والذي تتمثل في أن البيت الأبيض تواصل معه مرتين في غضون 4 أيام، وهنا يكمن الإنجاز في نظر النظام المصري.
وبما أن "إسرائيل" هي البوابة في الشرق الأوسط للدخول إلى فلك العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية كان لزاماً على مصر أن تستكمل خطوتها الأولى فبادر بادرت إلى دعوة رئيس حكومة الإحتلال "نفتالي بينت" لزيارة القاهرة وكان ذلك من خلال رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل وفي حال تمت الزيارة سيكون بينت هو أول رئيس حكومة إسرائيلي يزور مصر بشكل علني منذ تولي السيسي الحكم عام 2013.
مهدت مصر إلى اللقاء التاريخي بقمة ثلاثية جمعت الرئيس المصري والملك الأردني ورئيس السلطة الفلسطينية، مثبتة للإدارة الأمريكية بأن العمل على حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين واستئناف المفاوضات والعمل على إحياء عملية السلام وفق المرجعيات المعتمدة هو الخيار تناغماً مع رغبة بايدن المعلنة على المدى البعيد بالتعاون مع الأطراف الثلاثة، وفي المقابل يطمح بإبرام إتفاق تهدئة واقعي في قطاع غزة على المدى القصير والحالي بالتوافق مع حماس.
اذاً يسعى السيسي بهذا الدور إلى التأكيد بأن مصر لا غيرها هي الراعي الحصري والوحيد للقضية الفلسطينية والتي تحاول استرجاعه بعد الانقلاب بدعم اسرائيلي - امريكي، والذي يؤدي حسب إعتقاده إلى صرف الأنظار عن ملفات انتهاك حقوق الإنسان في بلده والتي بدورها تعمل على عودة بايدن إلى سياسات أوباما ضد القاهرة، وبذلك يتوقف تقديم الدعم المالي بكافة أشكاله للنظام الهش القائم على المساعدات والقروض المالية الدولية، ويأتي اللقاء الثلاثي واللقاء المرتقب بين بينت والسيسي من الادراك المصري من حاجة الإدارة الأمريكية الجديدة لرسم مسار جديد في الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة على صعيد القضية الفلسطينية.