رام الله - خاص قدس الإخبارية: يبدي الاحتلال وقادته الأمنيين والعسكريين تخوفاً واضحاً مما يجري في شمال الضفة الغربية المحتلة خصوصاً في جنين بالإضافة إلى ما يجري في جبل صبيح وبلدة "بيتا" من تطور وصعود واضح للمقاومة.
وتحولت أحداث جنين الأخيرة وما رافقها من استشهاد مقاومين فلسطينيين واشتباك بالأسلحة الرشاشة إلى كابوس يؤرق الاحتلال يخشى انتقاله لباقي مناطق الضفة وتمدده بطريقة تنهي تحكمه في الحالة الأمنية عبر بوابة التنسيق القائمة مع السلطة منذ سنوات.
ويتفق مختصون في الشأن الإسرائيلي أن السلوك القائم حالياً من قبل الاحتلال يعكس خشية حقيقة على المستوى السياسي والأمني والعسكري، وأن ثمة تعامل مع الوضع في الضفة المحتلة على أنها جبهة حقيقة كما قطاع غزة ولبنان وسوريا.
في السياق، قال الكاتب والمحلل المختص في الشأن العبري حسن لافي إن دولة الاحتلال اعتبرت مدينة جنين، وخصوصاً مخيمها، هدفاً استراتيجياً لأجهزتها الأمنية، التي باتت في أوّل سلّم أولوياتها، محاوِلة إفراغ جنين من حالة المقاومة المتزايدة بين أزقة مخيمها.
وأضاف لافي لـ "شبكة قدس": "حراك الضفة الغربية في أثناء معركة "سيف القدس"، ساهم في تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع مدينة جنين، بحيث اعتبرت "إسرائيل"، في محصلة نظرتها العامة، أن التحرُّك الشعبي للضفة الغربية حراكٌ محدود على النطاق الجماهيري، ولم يتمّ تبنّيه بصورة رسمية من جانب السلطة الفلسطينية".
وأردف قائلاً: "اعتبرت "إسرائيل" أن أهم الدروس المستخلَصة من معركة "سيف القدس" إدراكُها الدورَ الثمين الذي يؤدّيه التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية. وبالتالي، وضعت "إسرائيل" لنفسها هدفاً بعد معركة "سيف القدس"، هو تعزيز قوة الأجهزة الأمنية للسلطة، على نحو كبير، ومساعدتها على فرض هيمنتها على كل البؤر التي تشكّل تحدياً لهذه الأجهزة الأمنية، كون ذلك يساهم بصورة أساسية في حفظ أمن "إسرائيل" ومصالحها في الضفة الغربية".
وبحسب المختص في الشأن الإسرائيلي فقد برزت خصوصية مدينة جنين في أثناء معركة "سيف القدس"، بحيث شكّل تهديد فصائل المقاومة، وخصوصاً "سرايا القدس"، خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد داخل مخيم جنين في أثناء معركة "سيف القدس"، مؤشراً خطيراً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية على توجُّهات فصائل المقاومة داخل جنين، الأمر الذي تعزّزه عمليات إطلاق النار المتكرّرة تجاه آليات الاحتلال وجنوده، كلما حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مخيم جنين.
واستدرك قائلاً: "لكن يبقى الأخطر إسرائيلياً أن هناك إشارات أمنية إلى إمكان العودة إلى العمليات الاستشهادية انطلاقاً من مخيم جنين، الأمر الذي يحمل في طياته تغيراً استراتيجياً في طبيعة الصراع، في الضفة الغربية بصورة خاصة، وفي الحالة الفلسطينية بصورة عامة".
ووفق الخبير في الشأن الإسرائيلي "فإن ثمّة تخوّف إسرائيلي، في ضوء تجربة الاحتلال مع جنين في أثناء معركة المخيم عام 2002، والتي انتهت بمقتل 23 جندياً إسرائيلياً واستشهاد 52 فلسطينياً، أن تتحوّل جنين مجدَّداً إلى عاصمة المقاومة في الضفة الغربية، وتنقل تجربتها إلى سائر المناطق الأخرى".
واستكمل قائلاً: "ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في منطقة شماليّ الضفة الغربية، وخصوصاً مدينة جنين ومخيمها، التحدِّيَ الأكبر أمام نفوذ الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، بحيث تفيد تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه يوجد في المخيم نفسه عدة آلاف من قطع السلاح، ومخازن ذخيرة كبيرة، ناهيك بوجود مطلوبين مسلَّحين للأجهزة الأمنية للسلطة، من حركة فتح، لا يؤيدون السلطة الفلسطينية، من دون أن تكون لأجهزة أمن السلطة القدرة على ضبط الحالة الأمنية في جنين، كما يقتضي التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، بحيث تُعَدّ حادثة إطلاق النار على المقاطعة في جنين بعد مصادرة أجهزة أمن السلطة سيارةَ الشهيد جميل العموري، الذي اغتاله جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤشراً مهماً لدى "إسرائيل" على فقدان السيطرة لدى السلطة الفلسطينية في منطقة شمالي الضفة، وخصوصاً مدينة جنين، الأمر الذي يُقلق منظومة الأمن الإسرائيلية".
وبحسب لافي فإن هناك إدراك إسرائيلي أن أيّ تأخّر في استهداف جنين معناه تحوّلها إلى نموذج ملهِم للضفة الغربية برمتها، وخصوصاً مع وجود جيل شابّ جديد يمتلك نسبة عالية من الجرأة على تحدّي جيش الاحتلال الإسرائيلي ومنظومة التنسيق الأمني معه، وقناعة هذا الجيل بأنه قادر على إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال إذا حاول دخول جنين، كما تهدّد "إسرائيل" مؤخَّرا.
جبهة حقيقة
من جانبه، يؤكد المختص في الشأن العبري د. عمر جعارة أن الضفة المحتلة باتت كما قطاع غزة جبهة حقيقة مرتبطة بتعامل إسرائيلي من قبل الحكومة الحالية وحتى المسؤولين أصحاب البعد الأيدلوجي اليميني الذين يرون الضفة مرتبطة ببعد "ديني" بالنسبة لهم.
ويقول جعارة لـ "شبكة قدس" إن الاحتلال يدرك أن هناك خطر محدق من الضفة يتمثل حالياً في منطقة شمالي الضفة يخشى من انتقاله لباقي المناطق وهو ما من شأنه أن يضرب المنظومة الأمنية ويضر بالمصالح الإسرائيلية ككل.
ويضيف: "الخشية الإسرائيلية تبدو حاضرة في حديث كبار المسؤولين الإسرائيليين بما في ذلك رئيس الحكومة نفتالي بينت الذي يرفض فكرة إعطاء الفلسطينيين دولة ويؤكد على أن ذلك أمر غير قائم بالمطلق وهو ما يؤيده فيه كبار المسؤولين في حكومته".
ويشير إلى أن الاحتلال بات يفكر ملياً في إنشاء جدار واقي مع مخيم جنين لحماية المصالحة الأمنية له ولمستوطنيه، يشبه ذلك الذي أعقب عملية السور الواقي في الضفة المحتلة، مردفاً: "الضفة هي الجبهة الأكثر سخونة بالنسبة للاحتلال والتي يخشى من انفجارها بشكل أكبر".
واستدرك: "الحديث عن الضفة لا يجب أن يغفل حضور المقاومة في غزة وصواريخها ومنظومتها العسكرية والتنظيمية القادرة هي الأخرى على توجيه الضربات للاحتلال، إلا أن كل ذلك يندرج في إطار المواجهة العسكرية المباشرة مع "إسرائيل"، غير أن تطور المشهد في الضفة من شأنه أن ينعكس سلباً على المصالح الإسرائيلية ويغير الصورة القائمة".
عملية واسعة النطاق
ونقل موقع والا العبري عن ضابط كبير في جيش الاحتلال، إنه إذا لم تستطع السلطة الفلسطينية كبح جماح المقاومة في شمال الضفة الغربية المحتلة فإن جيش الاحتلال سيضطر إلى القيام بعملية واسعة النطاق.
وأضاف ضابط جيش الاحتلال، أن "تنامي قوة المقاومة في شمال الضفة سببه ضعف الأجهزة الأمنية الفلسطينية هناك، والمشاكل المرتبطة بالخلافات السياسية الفلسطينية الداخلية".
ونقلا عن "والا"، فإن قلقا كبيرا لدى هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلية من تصاعد أعمال المقاومة في شمال الضفة المحتلة.
وأشار الموقع، إلى أن جيش الاحتلال ينظر بخطورة إلى تطور أعمال المقاومة الشعبية في بلدة بيتا القريبة من نابلس إثر إقامة الاحتلال مستوطنة على أراضي أهالي البلدة على جبل صبيح.
يذكر، أن تصاعدا في أعمال المقاومة شهدته مناطق شمال الضفة خاصة في جنين ونابلس، حيث شهدت المنطقتان اشتباكات مسلحة بين مقاومين وقوات جيش الاحتلال على مدار الأسابيع الماضية، ارتقى على إثرها عدد من الشهداء.