أكثر ما أغاظني البارحة داخل مديرية الشرطة في البالوع، وانا أدور بين الطوابق لأختم نموذجاً غير منطقيّ - سأتحدث عنه باستفاضة فيما بعد- وأتمم اجراءات الإفراج عن زوجي أُبَيّ العابودي؛ ورقة كانت معلقة بلاصق على الباب الحديدي الأزرق للنظارة، ومكتوب عليها بعض التعليمات عن زيارة (المواقيف) كما تقول.
جُنّ جنوني أول ما قرأت هذا الجمع الغريب، الذي يرقى والعياذ بالله لجمع التكسير. بداية، حمدتُ الله أن الكلمة موضوعة بين قوسين، فهذا إدراك عالٍ من العبقري الذي طبعها، بأن الكلمة هجينة، ودخيلة على اللغة.
أي نعم أن الشرطة تهوى "التكسير" أقصد "الجمع"، أقصد "جمع التكسير"؛ لكني أرجو جهاز الشرطة أن يحييدوا اللغة العربية من أي تكسير يمارسونه.
لقد كان غليظاً جداً على قلبي أن أشهد "تكسيركم" للموقوفين بهذا الجمع. ألا تكفي حَرْفيّتكم وحِرَفِيّتكم بالتكسير؟!
صفنت دقيقة، وتذكرت يوم الاعتداء علينا، "الاثنين الأسود" - كما تصفه صحفية مهنية مكروهة من الأجهزة- وضحكت، لكن بدا جمع (المواقيف) مغفوراً نوعاً ما، وقد نستطيع التغاضي عنه، مقارنة بالتكسير الذي تم حينها، وقبل أيام أيضا لعظام الشيخ خضر عدنان وماهر الأخرس وآخرين.
"تحياتي للجميع" في وطن خالٍ من موقوفين ومعتقلين سياسيين، وسأظل أصلّي لأجهزتنا الأمنية، لكي تكون حريصة على (مواقيفنا) النزلاء من العتلات، وحارسة في الوقت ذاته للغتنا العربية من كل جمع تكسير.
المؤلم حقاً، أنه وبعد محاولة النيابة العامة لصق تهم تمسّ وطنية أسرى محررين أمثال الأخرس وعدنان والأشقر، عانى منهم الاحتلال، لإضرابهم عن الطعام شهور طويلة، وسُرّ بالتخلص منهم والانتهاء من وجع الرأس الذي سببوه له، وتوجيه تهم أخرى لهم مخالفة للقانون الأساسي أصلا، ذات علاقة بالتجمهر غير المشروع، وذم مقامات العليا، وإثارة النعرات المذهبية، ومحاولة ضربهم، وشتم زوجاتهم أمام أسود المنارة؛ لم يترجّل شخص واحد من المجلس الوطني لفضّ هذه المهزلة، بل أمعنوا فيها بوقاحة غير مسبوقة، ما أثار حفيظة الخطاب الحقوقي للرجل الأبيض، الذي أبدى "قلقه" لما يحصل في الشارع الفلسطيني، خلافاً لأي نيّة محلية خالصة الوطنية للملمة المهزلة بعينها.
لماذا لم يشغل موضوع المعتقلين السياسيين حملة "مشروعنا الوطني"، والمطبّلين للديمقراطية في خطاباتهم، ومن وعدوا بالوفاء لها، وعدم تكرار الاعتداءات مرة واثنين وثلاثة، ولم يحرّكهم ساكناً كل ما حصل.
حزين أن تضطر إلهان عمر ورشيدة طليب استخدم قوة صوتهما، وحشدهما البرلماني، لفضح ممارسات وانتهاكات السلطة القمعية بحق شعبها، بدلا من استخدامهما ذلك لفضح ممارسات الاحتلال وانتهاكاته بحق شعبنا الفلسطيني.
المنظومة التي علّمت من طبع (المواقيف) على باب النظارة، يجب أن تعتذر من شعبها، وتشعر بالخزي من أفعالها، وتعيد البوصلة الى مسارها الصحيح، لكي تعرف متى ولمن بالضبط يستخدم جمع التكسير.