القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: في مثل هذه الساعات من يوم 21 أغسطس 1969، أقدم مستوطن على إشعال النار في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى المبارك، متسبباً بأضرار فادحة فيه.
أتت النيران التي أشعلها المستوطن الإسترالي (دينيس مايكل روهان) على واجهات المسجد الأقصى وسقفه وسجاده، وتطلب إصلاح الأضرار التي لحقت بالمكان سنوات طويلة.
تشير دراسة لمركز "الزيتونة" للدراسات والاستشارات، أن فريق تقني عربي تمّ تشكيله لفحص المنطقة المتضررة كسف في تقريره الأولي عن "وجود حريقين منفصلين؛ أحدهما في منطقة المحراب، والثاني في سقف الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد".
وقد أتى الحريق بشكل مأساوي على المنبر الذي يعد تحفة معمارية لا تقدر بثمن، والذي بناه نور الدين محمود في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي استعداداً لتحرير القدس من الصليبيين، وقام صلاح الدين بتثبيته لاحقاً. كما ألحق الحريق دماراً كبيراً في 2400م أخرى من السقف الجنوبي الشرقي، وتضررت قبة الأقصى بفسيفسائها وزخرفتها، هذا بالإضافة إلى تضرر عمودين من الرخام بين القبة والمحراب.
في بداية الحدث، زعمت قوات الاحتلال الإسرائيلي أن الحريق سببه "تماس كهربائي" وبعد أن أثبت المهندسون أن الحريق بفعل فاعل، اعتقلت (دينيس مايكل روهان) قبل أن يتم الإفراج عنه بحجة أنه (معتوه)، وهي الحجة التي تصف بها كل مستوطن ينفذ جريمة بحق الفلسطينيين.
كشفت وثائق تاريخية أن منفذ جريمة إحراق المسجد الأقصى، كان من أتباع لكنيسة (الرب) الأمريكية التي أسسها القس (آرمسترونغ) المؤمن بأفكار "المسيحية الصهيونية".
عقب احتلال القسم الشرقي من مدينة القدس، في عام 1967، كتب مؤسس كنيسة (الرب) التي يتبع لها منفذ الجريمة: "سوف يُبنى هيكل يهودي في القدس، وستقدم فيه القرابين من جديد، وسيحدث هذا خلال أربعة أعوام ونصف، سيستغرق بناء هيكل كهذا بعض الوقت، ولا أدري كيف يدعون الشهور تمر… سيكون هناك هيكل في القدس قريبًا، وسوف تقدم فيه القرابين كل يوم".
أثار إحراق المسجد الأقصى غضباً واسعاً في الوطن العربي والإسلامي، وطالبت الجماهير الأنظمة بالعمل لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى من الاحتلال الذي يرتكب جرائم بحق المقدسات، وحاولت الأنظمة استيعاب الغضب العربي والإسلامي ولم تقدم على خطوات عملية لتحرير المسجد، وأسفرت خطواتها الدبلوماسية المشتركة عن تأسيس (منظمة المؤتمر الإسلامي).
يتداول الفلسطينيون والعرب مقولة منسوبة لغولدا مائير رئيسة حكومة الاحتلال وقت إحراق المسجد الأقصى، تقول فيها: "عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق"، وهي تعبر عن خيبة الأمل والغضب المستمر من عجز وتهاون الأنظمة العربية والإسلامية عن الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس.
عقود مرت على إحراق المسجد الأقصى لكن المأساة فيه لم تنته، وتعود بأشكال مختلفة، حيث أصبحت الجماعات الاستيطانية تستبيح المسجد بحماية من شرطة الاحتلال، وصمت عربي وإسلامي، وصمود المرابطين الذين يصرون على التصدي لمخططات الاحتلال لتقسيم المسجد، رغم ما تعرضوا له من قمع وحشي طوال سنوات.