غزة – خاص قُدس الإخبارية: لم تكتف "إسرائيل" بحرمان المريضة نور يوسف (33 عامًا) من العلاج بالخارج لإجراء عملية جراحية، حتى تلاحقها بالمعاناة والحصار في المستشفى بغزة.
المريضة نور مصابة بسرطان الثدي منذ ثلاثة أعوام، تقضي أيامها تتجرع المسكنات والعقاقير الطبية علها تخفف من ألمها، كانت نور تنتظر عملية جراحية لاستئصال ثديها الأسير، لكن الطبيب المشرف على حالتها أخبرها بتأجيل العملية كونه لا يستطيع إجرائها دون غاز "النيتروز"، الذي أوشك على النفاذ من غرف العمليات الجراحية المجدولة خلال الفترة المقبلة، حيث يحظر الاحتلال دخوله للقطاع.
حياة نور والعشرات من المرضى في قطاع غزة، ممن هم بحاجة لإجراء عمليات جراحية، أصبحت تحت مقصلة الاحتلال الذي يمنع دخول غاز التخدير "النيتروز"، منذ بداية العام الحالي، ليصبحوا عالقين بين الحياة والموت، كما تؤكد بيانات وزارة الصحة.
تقول نور عن "الكابوس" الذي يعيشه:" بالكاد استطعت الحصول على تغطية مالية لإجراء العملية الجراحية، لإنقاذ جسمي الذي يتفشى فيه السرطان، لكني صدمت عندما علمت بنفاذ كمية غاز النيتروز بالمشافي، فلا يمكن إجراء العملية إذًا وحالتي الصحية تتدهور، رغم أني من المفترض إجراء استئصال منذ عام وأكثر/ وكان الاحتلال يمنعني في كل مرة أتقدم للعلاج بالخارج لإجراء العملية".
تعاني نور من وضح صحي ونفسي خطير، فحتى العقاقير الطبية لم يعد جسدها يستجيب لها ، لكنها تعيش على أمل أن تنجح الوسطاء الدولية في التدخل بشكل عاجل وفوري لإدخال الغاز الخاص بالعمليات الجراحية لإنقاذ حياتها.
واتفق لؤي فارس مع المريضة نور، على أن مايقوم به الاحتلال خطر حقيقي يهدد حياة المرضى بغزة، فهو أيضًا لا يخفي خوفه الشديد على حياة زوجته الحامل في أواخر شهرها التاسع، و من المقرر ولادتها خلال الأسبوعين القادمين عبر إجرائها عملية قيصرية.
أما المريض الفتى باسم المبيض هو الآخر تم تأجيل العملية الجراحية التي من المقرر إجرائها لها، والتي كانت مجدولة ضمن الأيام القادمة، فطاقة المشافي الحالية في غرف العمليات بالكاد تكفي لإجراء عمليات الطوارئ.
وأصيب نادر خلال مسيرات العودة الكبرى، بإصابة بعينه عبر طلق ناري مباشر من قبل جنود الاحتلال شرق قطاع غزة، خضع سابق لعدة عمليات، واستكمالًا للعلاج حتى لا يفقد عنيه الأخرى كان من المفترض أن يجري عملية جراحية بها، لكن الاحتلال أصابه بها والآن يريد أن يقضي على حياته كليًا.
ويستنكر المرضى قيام الاحتلال منع دخول غاز التخدير: "ألا يكفي ما نعيشه من حياة مأساوية وقاسية في غزة، لا ماء، ولا كهرباء ولا صحة كذلك حرمان من العلاج!".
بدوره أكد محمود حمّاد، مدير عام الشؤون الإدارية في وزارة الصحة بغزة، على وجود مؤشرات خطيرة بالمشافي تنذر بتوقف 50 غرفة عمليات جراحية والتي من المفترض أن تجري فيها قرابة 500 إلى 600 عملية جراحية بشكل يومي، ما بين مجدولة وطارئة، نتيجة نفاذ كمية غاز "النيتروز" المستخدم بشكل أساسي في التخدير.
وأشار حمّاد إلى أن الأكثر خطورة أن المشافي الغزية تجري يوميًا عمليات جراحية طارئة نتيجة تعرض المرضى إلى حوادث عرضية متنوعة، بالإضافة لعمليات الولادة القيصرية، وإن لم يتوافر غاز التخدير سيعرض المريض لفقد حياته.
وعلاوة على ذلك أوضح حماد أن الكثير من العمليات المجدولة خلال النظام المحوسب للصحة معرضة للتأخير، رغم أن أصحابها بحاجة ماسة لها، كون الأسبوع الحالي المتبقي فقط لنفاذ الكمية القليلة المتبقية من اسطوانات غاز التخدير، والذي يعتبر الأساس في إجراء أي عملية جراحية.
كما بين أن غرف العمليات في المشافي تحتاج شهريا ً120 أسطوانة، كل أسطوانة تحتوى على 27 كيلو غرام من غاز التخدير.
وذكر بقوله:" سيتم إجراء العمليات بالكميات المتبقية القليلة جدًا الموجودة بالمشافي وفي أي وقت ستنفذ، مما سيهدد حياة المرضى الذين هم بحاجة لإجراء عمليات جراحية".
وأطلقت الصحة نداء استغاثة من مؤسسات المجتمع الدولي والصحة العالمية لبذل جهود، أمام تعنت الاحتلال إدخال غاز التخدير وتعريض مرضى القطاع للموت المحتم.
ولفت إلى أنه إذا لم تنجح الجهود في ذلك ستضطر صحة غزة إعلان توقف العميات الجراحية بشكل كلي، وهذا أمر كارثي للغاية يضاف لسلسلة المعاناة التي يعاني منها مرضى وأهالي قطاع غزة المحاصر.
ومن جانبه أكد أنس الجرجاوي، المدير الإقليمي للعمليات في المرصد الأورو متوسطي في الشرق الأوسط، وأفريقيا، على أن قرار حظر دخول غاز" النيتروز" لمشافي غزة انتهاك واضح وصريح يضاف لجملة الانتهاكات التي وثقها المرصد في الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أن المركز يعمل مع شركائه في منظمات حقوق الإنسان على ممارسة كل الضغوط الممكنة على إسرائيل للتراجع عن قرارها غير المبرر.
وقال الجرجاوي في حديثه لشبكة قدس:" إن سلطات الاحتلال لا تنفك عن تهديد حياة وسلامة الفلسطينيين في قطاع غزة. ومنذ العدوان الإسرائيلي الأخير بتاريخ مايو/أيّار الماضي، شددت إسرائيل من حصارها لقطاع غزة، وفرضت قيودًا جديدة على إدخال المواد الأساسية للقطاع.
وأضاف بأن هذه الانتهاكات تسبب بتدهور كبير في مختلف القطاعات الهشة أصلًا بفعل سنوات الحصار، وبالنسبة لغاز "النيتروز"، بيّن أنه لا يحق لإسرائيل تحت أي مبرر انتهاك الحق بالعلاج، حيث أنها تبرر عدم دخول الغاز منذ مطلع العالم العالي بذرائع واهية تحت حجة" ازدواجية الاستخدام".
وأوضح أن المرصد الأورومتوسطي يعمل بشكل مستمر على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ويستعرض مع جهات أممية وأوروبية الانتهاكات الإسرائيلية في محاولة لتشكيل ضغط على "إسرائيل" من شركائها الدوليين من أجل وقف هذه الانتهاكات، واحترام حقوق الفلسطينيين والتوقف عن الممارسات التعسفية بحقهم.
كما شدد على أن "إسرائيل" ملزمة بصفتها قوة احتلال بتوفير الإمدادات الطبية للسكان في قطاع غزة، والإحجام عن تنفيذ أي إجراءات من شأنها التأثير على صحة وسلامة السكان، وذلك وفقاً للمادتين "55" و"56" من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
ويُشار إلى أن غاز "النتيروز" الذي يحظر الاحتلال دخوله لمشافي غزة لفرض مزيد من العقوبات على أهالي القطاع وتشديدها منذ انتهاء الحرب الأخيرة، غير قابل للاشتعال، وليس له لون، وله رائحة خفيفة تسبب الانتعاش، ويستخدم في التخدير والعمليات الجراحية، وأيضا للمرضى في مرحلة الاحتضار.