قطاع غزة - خاص قُدس الإخبارية: يمتلك إيمانًا كبيرًا بأن طريق النجاح والتفوق لا تعيقه أي تحديات معلنًا عدم استسلامه لكل ألوان العوائق والعراقيل، وبعيون كفيفة وقلب مبصر استطاع المتفوق في الفرع "الأدبي" الكفيف باسل أبو قمر الحصول على نسبة معدل 97 % في نتائج الثانوية العامة.
في منزله المتواضع بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، حيث ولد باسل وترعرع، عبر بنبرة فخر عن سعادته بالنجاح مستهلًا حديثه قائلًا: "لا يمكن أن تضاهي فرحة النجاح أي فرحة أخرى، فكنت على يقين دائم بحصولي على درجات عالية من التفوق، حيث استطعت إدخال الفرح إلى منزلنا وخاصة والدتي التي كانت تقف بجانبي وتساندني فكانت عينيّ التي أبصر بهما ومنحتني الصبر بعد عام من المثابرة والصمود".
الطالب المتفوق باسل لم يولد كفيفًا، لكنه في سن الرابعة من عمره أصيب بفايروس خطير أثر على أعصاب المخيخ، مما أدى لفقدانه حبيبتيه بنسبة تزيد عن 95 %، لكنه لم يفقد ذكائه وفطنته في التقاط أي معلومة خاصة في مجال الدراسة فتميز منذ طفولته، بذكائه الحاد بين أقرانه في الفصول الدراسية حتى استمر في تنمية مهاراته وصولا إلى أعلى درجات التفوق بامتحانات التوجيهي.
على مدار السنوات الدراسية السابقة، كان يدرس باسل في مدرسة النور والأمل الخاصة بذوي الإعاقة البصرية، وعهده زملاؤه من المتفوقين، ومع بداية دراسته للثانوية العامة انتقل للدراسة في مدرسة أحمد الشقيري شمال القطاع.
اعتمد باسل في دراسته بالثانوية العامة بالمنهاج من خلال لغة "بريل" وهو نظام كتابة ليلية ألفبائية، المعدة خصيصًا للمكفوفين لتمكنهم من القراءة، وبجانب ذلك أعد جدولًا دراسيًا بشكل يومي لم ينقطع عنه ويشمل خمس ساعات يوميًا على الأقل.
ورغم أنه مر بظروف قاهرة نجح باسل في مقاومتها رغم أنها أثرت على نفسيته وصحته الجسدية لكنها بالمطلق لم تؤثر على شغفه بحصد ثمار التفوق.
ويسرد باسل أبرز التحديات التي عاشها والتي تمثلت في إصابته بفيروس كورونا خلال الدراسة مما أدى لانقطاعه عن التعلم لما يقارب العشرة أيام، كذلك التعلم الإلكتروني واعتماد الصفوف الافتراضية لم تجد معه نفعًا "حيث واجهت صعوبة كبيرة بالتعامل معها، خلال الحرب الأخيرة على القطاع"، فكان همه الأكبر الحفاظ على كتبه التعليمية والملخصات التي أعدها له الأساتذة لتسهل الدراسة عليه، فكان خائفا بشكل كبير من فقدانها.
كما أنه يؤكد على نيته الالتحاق بتخصص جامعي ودراسة تاريخ الحضارات، فهو يريد أن يتميز في هذه الدراسة، مبينًا أن دراسته في هذا المجال مهمة جدًا على صعيد التاريخ الفلسطيني الذي قد يعاني من التهويد، وحضارات العالم الآخر، مؤكدًا على مقولة يرددها "الفرس التي كبت مرة يجب إنعاشها من جديد".
وعقب تقديمه للامتحانات أعرب عن شكره وامتنانه للهيئة التدريسية التي وقف بجانبه حيث كان يرافقه شخص يساعده في تقديم امتحاناته من خلال الكتابة.
لم ينس باسل الدور الأكبر الذي حملته والدته على كاهلها للوقوف بجانبه وتشجيعه على الدراسة فهو بإصراره على التفوق أراد أن يرد لو بالقليل جزءًا من جميلها الواقع على كاهله.
يكمل الطالب المتفوق باسل بينما لم تنفك والدته طيلة جلوسها بجانبه عن الدعاء له لاستكمال حلمه فهو يريد أن يصبح بروفيسورا بالتاريخ قائلًا: "لم تتركني والدتي قط فكانت نعم السند لي كونها مدرسة عملت على توفير بيئة دراسية وأعدت لي خطة للدراسة سرت عليها".
كما أنها أخذت دور الممرضة ما بين تقديم العلاج له وتوصيات للابتعاد عن الإجهاد أثناء الدراسة مراعية ظروفه الصحية التي يعاني منها، فوفق ما ذكرت أنه أثناء دراسته عاش أيامًا عجاف بسبب تدهور حالته الصحية بين الفينة والأخرى كونه يعاني من ارتفاع الضغط على عينيه مما كان يسبب له ارتخاء في أعضاء جسده وصداعا مستمرا يضعف عنده القدرة على الدراسة.
وتقول والدته التي غمرتها مشاعر السعادة فلم يضيع سهر الليالي بجانب ابنها سدى: "بفضل الله ودعائي وثباته حقق ابني نجاحًا استثنائيَا، مقاومًا ظروفه الصعبة التي مر بها، حيث ينهض من فراش المرض بكل إصرار، وعندما كان يتعرض لوعكة صحية بسبب كثرة الدراسة والإجهاد على العينين كنت أعطيه طاقة إيجابية، لإكمال دراسته فهنالك حلم ينظره يريد تحقيقه، وكنت دائمًا أثني عليه بكلمات التشجيع والإرشاد".
وأشارت أنها منذ بداية العام تعاملت معه بجدية وتعاون، وكانت ترافقها في التعاون مع باسل أيضًا الهيئة التدريسية كونه متفوقا.
كان باسل يحلم أن يدخل تخصص العلوم لكنه بسبب كونه كفيفا لن يتمكن من دراسة الرياضيات والعلوم، لذلك اختص بالآداب.
وختم باسل حديثه الممتلئ بالشغف والأمل، بإهدائه فرحته الكبيرة والمميزة بالتوجيهي لنفسه التي صبرت على الجهد والاجتهاد، وقاومت كل الصعاب والتحديات، كذلك إلى عائلته والهيئة التدريسية التي تعاونت معه، كما أنه يريد أن تشكل قصته إلهاما لكل الكفيفين ليشجعهم على النجاح وعدم الاستسلام للواقع.