غزة - خاص قُدس الإخبارية: بابتسامة هادئة تقول المتفوقة وفاء أمجد أبو النجا :"في آخر أيام العدوان تسللت إلى منزلنا الذي فارقناه منذ بداية العدوان لأنه مهدد بالقصف، وذلك لأجلب كتبي ومذكراتي وتلخيصاتي التي تركتها، فكنت لا أستطيع مجرد التفكير بقصف منزلي وفيه ما يرسم مستقبلي".
تضيف وفاء الحاصلة على معدل 99.1% بالفرع العلمي، لشبكة قدس "الاحتلال هدد بيتنا في أول أيام العدوان بالقصف، ما أجبرني أنا وعائلتي على إخلاء منزلنا بسرعة، وتركنا وراءنا أحلامنا وآمالنا ومتعلقاتنا، بما فيها كتبي وملازمي".
تتابع وفاء بابتسامتها الهادئة تخفي خلفها الكثير من الذكريات القاسية عن العدوان:" العدوان الأخير كان صعباً للغاية، كنا مشردين بمعنى الكلمة، وهذه ليست المرة الأولى ففي كل عدوان على غزة يتم تهديد منزلنا وقصفه".
وتوضح وفاء أن هذه المرة اتخذت قراراً بألا تسمح للاحتلال أن ينتصر عليها، وأنها ستعود لبيتها لتاخذ كتبها وكل ما يتلق بدراستها، فتجاوزت كل الصعوبات خاصة تلك النفسية التي كانت تمنعها وتقيدها، وعادت لمنزلها في آخر يوم للعدوان وأنقذت كل ما يتعلق بدراستها وغادرته بسلام، ليتم بعد ساعات قلائل تسوية منزلها بالأرض بعد قصفه من طائرات الاحتلال الحربية".
"رغم تدمير منزلي، إلا أنني شعرت بنشوة الانتصار على الاحتلال، فهو لم يهزمني بل أنا هزمته مرتين، الأولى حينما انقذت كتبي، والثانية حينما تفوقت في الثانوية العامة"، هكذا ترى، وفاء ما حققته، مشيرة إلى أن هذا الانتصار انسحب على كل أفراد أسرتها.
تقول وفاء :" بعد الحرب استمرينا في التنقل من بيت لبيت، حتى استأجرنا منزلاً وبدأنا بالاستقرار، ولكن كان ذلك قبيل الامتحانات بفترة وجيزة"، مشيرة إلى محاولاتها خلال العدوان وبعده تجاهل الأخبار السيئة والتركيز على الدراسة، موضحة أن الاستقرار في المنزل الجديد لم يكن بالأمر الهين، ولكن مع دنو الامتحانات باتت تسارع الزمن للتأقلم وتحقيق النجاح.
وتستذكر وفاء أن أكثر المواد صعوبة عليها كانت مادة لغة الإنجليزية، "فاللغة الإنجليزية كانت تطلب مجهودا في الدراسة والترجمة وكنت أخاف من أن تأتي فقرة إنجليزية لم أكن اتوقعها"، ولكن بارداتي القوية كباقي إرادة كل طلبة الثانوية ونجحت كما نجح الجميع في تخطي الصعوبات.
تطمح وفاء لدراسة هندسة برمجيات، وتقول :" اخترت هذا التخصص لأنني احبه كثيرا ولأن يوفر مستقبلاً واسعاً، كما تعلمون لا يوجد وظائف في قطاع غزة ونسب البطالة مرتفعة بشكل كبير، الجميع كان معي يساندني بشكل كبير أهلي وعائلتي، والدتي كانت أكثر من يساندني وتسهر وتدعو لي باستمرار".
آخر العنقود
والدة وفاء تقول: "وفاء آخر العنقود، وشقيقاتها متفوقات مثلها والحمدلله على هذه النعمة"، مستذكرة بابتسامة رقيقة إصرار ابنتها في آخر يوم من العدوان على دخول المنزل وجلب الكتب، وأنها ساندتها قائلة "مش لأنه البيت سيهدم نهدم كل شي، وذهبت للبيت وجلبت كتبها ومذكراتها".
تضيف أم وفاء: " تشردنا خلال الحرب وبعد الحرب، ولم تستطع وفاء الدراسة لمدة شهر كامل جراء العدوان وما خلف من كوارث نفسية وجسدية للجميع، كان لديها جدول معين للدراسة، وكانوا الناس يستقبلونا ولكن أوضاع الناس الاقتصادية لا تسمح أن تثقل ونطيل عند من استضافنا".
وتتابع " الظروف المحيطة بوفاء وبنا صعبة وكنت أحاول معها جاهدة لتوفير جو دراسي جيد، وكانت تبكي حينما تتذكر بيتنا وغرفتها، ولكن سرعام ما تلملم شتات نفسها وتدرس".
تستكمل حديثها: "شقيقها ياسر استشهد في مسيرات العودة 2018، هذا العام رغم الظروف الصعبة من جائحة كورونا والعدوان الاخير على غزة، إلا انه كانت فرحة كبيرة وجميلة، ولا توصف، والحمدلله هذا تحدي من جميع الطلبة حتى الذين لم يتعرضوا لقصف منازلهم خلال الحرب أو أي ظروف أخرى، السنة كانت الظروف عصيبة على الجميع ، ألف مبارك لجميع الطلبة، وإن شاء الله بنضل شعب منتصر في العلم ".
”ياسر” الذي ولد في سبتمبر/أيلول 2006، تعرض للتشريد 3 مرات في حياته، حيث هدم جيش الاحتلال منزله بشكل كامل، خلال الحروب التي شنها على قطاع غزة خلال الأعوام (2008-2012-2014) .
وأنهت رصاصة صهيونية مُتفجرة بالرأس، حياته قبل أن يبلغ من العمر 12 عاماً، خلال مشاركته في مسيرات العودة 2019، على الحدود مع الأراضي المحتلة شرق خانيونس.