فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: يعيش الفلسطيني تحت وطأة ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي ينعكس على الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلاً بفعل عوامل مختلفة على رأسها الأزمة التي خلقتها جائحة كورونا، وتركت آثاراً كبيرة على الطبقات الفقيرة والوسطى.
كما في كل تفاصيل حياة المجتمع الفلسطيني يطل الاحتلال بسياساته الاقتصادية والسياسية كأحد الأسباب الرئيسية للأزمات التي يعيشها هذا المجتمع، وفي ملف ارتفاع أسعار السلع الأساسية تحضر الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال في مقدمة استمرار ارتهان الاقتصاد الفلسطيني وارتفاع أسعار المحروقات والأغذية وغيرها.
وكانت الهيئة العامة للبترول في وزارة المالية الفلسطينية، أعلنت بداية الأسبوع الحالي، عن ارتفاع أسعار الوقود لشهر آب الجاري،مقارنة بشهر تموز، فارتفع سعر ليتر البنزين 95 و98 أوكتان بـ 13 أغورة، والسولار والكاز بـ 20 أغورة.
واعتبر الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية، محمد خبيصة، أن أسباب ارتفاع أسعار السلع الأساسية مرتبط "بشكل جزئي" بالاحتلال، وأوضح: كل السلع سواء كانت المستوردة من "إسرائيل" أو من خلالها، مثل الوقود والطحين والأرز والحبوب والسكر، أسعارها عالمية تتحدد بشكل شهري، منظمة الأغذية والزراعة تصدر تقريراً شهرياً توضح فيه أسعار السلع الأساسية، وبعض الأنواع مثل الحبوب والزيوت في أعلى مستوى منذ 2013، لذلك الموضوع بشكل عام له علاقة "بشكل أساسي" بارتفاع الأسعار بشكل عالمي.
وحول علاقة الاحتلال بارتفاع الأسعار، أضاف: في حال وجود سلع منتج إسرائيلياً مثل المواشي التي تستورد ويتم تربيتها في الأسواق الإسرائيلية، تنعكس على سعر السلع المستوردة إلى السوق الفلسطيني، ومعظم الأعلاف المستوردة لدينا أصلها إسرائيلي.
وعن دور اتفاقية باريس، أوضح خبيصة: اتفاقية باريس إطار عام، موضوع الأسعار ليس ثابتاً بل متغير، الأسعار تحدد معظمها بالأسعار العالمية وهناك أمور ثانوية مرتبطة بالاحتلال، مثلاً رفعت "إسرائيل" ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة أرباح الشركات، فالمصانع ستزيد كلفة البضائع الموردة إلى الأسواق الفلسطينية أو إلى الخارج.
وتابع: بروتوكول الاقتصادي في جزئية كلفة الأسعار المستوردة لا يتدخل في تحديد السعر، باستثناء البنزين ويشترط أن لا تزيد بقيمة 15% عن السعر في السوق الإسرائيلي.
وأشار إلى أنه قبل حكومة محمد اشتية جرى تطبيق مشاريع للانفكاك التدريجي عن سوق الطاقة الكهربائية لدى الاحتلال، وقال إن واردات الطاقة من الاحتلال من 95% إلى 92%، بعد توقيع جلب الطاقة من الأردن وبناء محطات طاقة شمسية في النويعمة وجنين وبناء محطات صغيرة من قبل بعض الشركات.
في تموز 2019 أعلن رئيس الوزراء، محمد اشتية، أن حكومته تسعى لاستيراد البترول من العراق، وتكريره في إحدى الدول العربية، في سياق خطوات "الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي"، وفي تشرين الثاني من العام ذاته قال وزير الاقتصاد، خالد العسيلي، إن الحكومة تقدمت بطلب إلى "إسرائيل" لاستيراد النفط من العراق، ورغم مضي ما يقارب عامين على الإعلان إلا أن المشروع غاب عن التصريحات الرسمية.
وأوضح خبيصة أن أسباب توقف مشروع استيراد النفط من العراق، تتعلق بصعوبات "لوجسيتية" نظراً لعدم وجود مصافي لتكرار النفط لدينا، ولا يوجد في الأردن مصافي للتكرير بالمواصفات الأوروبية المعتمدة في السوق الفلسطينية، بالإضافة إلى أسباب داخلية في العراق كان لها دور في وقف المشروع.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي، أسامة نوفل، أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية مرتبط بأمرين، الأول ارتفاعها من مصادرها الأساسية مثل الزيوت وغيرها، والثاني هو تداعيات نتائج كورونا على الاقتصاد العالمي، وخلقت إشكاليات على نقل السلع عبر دول العالم، عند نقل السلع مثلاً من الصين إلى فلسطين من خلال الحاويات عبر البحر، التي لم تعد الشركات تعيدها إلى الدول المصدرة، بالتالي ترتفع الأسعار، والشركات المؤمنة على الأسعار الأساسية رفعت رسوم التأمين وهو ما أدى لرفع الأسعار.
وأضاف: خضوعنا لاتفاقية باريس يجعلنا نعاني من الضرائب التي تفرض لدى الاحتلال، نحن من أكثر المناطق في العالم التي يدفع فيها المواطن الضرائب، للأسف الشديد نعاني من ارتفاع الأسعار لدى "إسرائيل"، الفلسطيني في الضفة وغزة يلمس أن الأسعار لدينا أعلى من مصر والأردن.
وأشار إلى أن أكثر السلع تأثراً بارتفاع الأسعار، هي الزيوت، ومواد البناء مثل الحديد الذي ارتفع بشكل كبير على مستوى عالمي، والأخشاب، والبلاستيك.
وحول انعكاس ارتفاع الأسعار على الواقع المعيشي في الضفة وغزة، قال نوفل: الانعكاسات كبيرة لأن السلع الأساسية تستحوذ على نسبة كبيرة من دخل المواطن، ارتفاع الأسعار فإن الدخل المحدود سيتأثر وسيؤدي لتخفيض الطلب على هذه الأسعار، ويتحمل المواطن الأعباء الكبيرة وينخفض استهلاكه لسلع أخرى، وينعكس سلباً على السلع المصنعة في الأراضي الفلسطينية.
وتابع: ارتفاع أسعار مواد البناء سيساهم في تأخير عملية إعادة الإعمار وينعكس سلباً عليها.
تشير مقدمة اتفاقية باريس التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في 29 نيسان 1994، إلى أنها "بروتوكول تعاقدي يحكم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ويشمل الضفة وقطاع غزة خلال الفترة الانتقالية، وسيتم التطبيق تبعاً للمراحل الواردة في اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية الموقع في واشنطن في 13 أيلول الماضي".
وتؤكد أن لدى "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية سياسة "شبه متطابقة" في ما يتعلق بالواردات والجمارك.
وينص البروتوكول على أنه مؤقت لمدة 5 سنوات، و"بالإمكان أن يطالب كل جانب إعادة فحص الترتيبات الواردة في هذه المادة بعد عام من توقيع الاتفاق الاقتصادي".
وعن أسباب عدم مراجعة الاتفاقية فلسطينياً رغم المطالبات بذلك منذ سنوات، يقول نوفل: الاحتلال رفض التعاطي مع طلبات التعديل في الاتفاقية، وفي الاتفاقية بند أساسي أن المراجعة مرهون بموافقة أحد الطرفين، و"إسرائيل" مستفيدة من الاتفاقية لأنها خدمته بشكل كبير جداً، حيث تعود عليه بمليارات من الأراضي المحتلة، ويصدر السلع غير المرغوب فيها إلينا، والتضخم لديه يصدره للفلسطينيين، والسلطة ليس أمامها سوى تعديل بعض البنود البسيطة.
ويرى أن البدائل المطروحة أمام الفلسطينيين، هي "تخفيض الوارادت وتعزيز القدرة الذاتية للاقتصاد الفلسطيني، تحت شعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، تنويع الاستيراد عبر معابر أخرى مثل التوجه إلى مصر، وإعادة هيكلة التجارة بين مصر وقطاع غزة".
وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، أن ارتفاع سعر السلع الأساسية مقارنة بدول الجوار مرتبط باتفاقية باريس الاقتصادية، وأوضح: الاتفاقية تقضي أن تتعامل السلطة و"إسرائيل" بمنطقة جمركية واحدة، ولم تأخذ بالحسبان انخفاض معدلات الدخل الفلسطيني مقارنة بالدخل لدى الاحتلال، في "إسرائيل" مستوى الأجور تزيد عن 5000 شاقل، بينما مرتبات كبار الموظفين لدينا لا يصل راتبه إلى هذا المستوى، والحد الأدنى للأجور في الضفة وغزة 1450 شاقل تقريباً.
وتابع: الارتباط على مستوى نسب الجمارك، ما يطبق عملياً هو التعرفة الإسرائيلية للجمارك، أسعار السيارات ترتفع بنسبة 40% عن العالم، نحن في المرتبة الأولى لأسعار الوقود قبل الولايات المتحدة، الاتفاقيات السياسية مع الاحتلال هي أحد أسباب هذا الواقع، وحرمان الفلسطينيين من امتلاك المعابر التجارية وهذا يحد من النمو الاقتصادي والانفتاح على العالم.
وأكد أن ارتفاع الأسعار له انعكاس بشكل سلبي على الواقع المعيشي، وقال: المجتمع الفلسطيني يعاني من مستويات قياسية في البطالة، والفقر، وانخفاض السلع مقارنة بالاحتلال الذي نتحد معه في أسعار الجمارك.
وأضاف: هناك تهديدات مباشرة لقدرة العائلة الفلسطينية في توفير مستلزماتها، وتراجع في قدرة القطاعات التجارية نتيجة ضعف القدرة الشرائية لدى الفلسطينيين في ظل نسب الفقر والبطالة وتدني نسب الأجور.
وحول هل حققت حكومة محمد اشتية نجاحات في تطبيق شعار "فك الارتباط مع الاقتصاد الإسرائيلي" الذي رفعته منذ بداية استلامها، قال: اعتقد أن الشعار كان "ديموغاجيا" بمعنى هدفه الإعلام والإعلان، أكثر منه تطبيق خطط وسياسات، الإعلان كان الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي بينما في الواقع رأينا مزيداً من الارتباط الاقتصادي مع "إسرائيل" والإعلان عن مشاريع مشتركة وإقامة لجان بين الطرفين.
وأضاف: واضح أن كثيراً من السياسات التي أعلنت من قبل حكومة اشتية، إعلامية أكثر منها عملية تريد تطبيق الانفصال بشكل واقعي ومنطقي، وكانت البدايات فاشلة، عندما أوقفت الحكومة استيراد الوقود وهو يعلم أنه لا يمكن الاستيراد إلا بمواصفات أوروبية وهي تحتاج مصاف غير موجودة إلا عند الاحتلال، وفي قضية العجول تعلم الحكومة أن الشعب الفلسطيني لا يملك مزارع تسد الاحتياجات المحلية، ومن هنا بدأ التراجع.
ويرى أبو جياب أن "الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي لن يتم بشكل كامل قبل انتهاء الصراع مع الاحتلال"،
وأضاف: لكن يمكن أن نفعل الكثير للحد من الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، من خلال الاعتماد على القطاعات المحلية وتعزيزها من خلال سياسات الحماية وتقديم الدعم لها، كي تكون رافداً للمجتمع الفلسطيني، وتقليل الابتزاز الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني من خلال تقليل حجم أموال المقاصة التي تتدفق من خلال الواردات السلعية".