رام الله - خاص قدس الإخبارية: أثار قرار مجلس الوزراء رقم 3 لسنة 2021 بإلغاء المادة 22 من مدونة السلوك وأخلاقيات الوظيفة العمومية حفيظة كثيرين، خاصة وأن المادة تمنح الموظفين العموميين حرية التعبير عن الرأي، ويعدّ إلغائها من وجهة نظر القانونيين إمعان من قبل الحكومة في سحق الحريات ومحاصرتها رغم أنه كان يفترض أن تتخذ خطوات تدلل على عكس ذلك بعد عملية اغتيال الناشط نزار بنات وما تلاه من عمليات قمع للمحتجين في رام الله.
وتنص المادة 22 من مدونة السلوك على أن للموظف العمومي الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير عن الرأي، على أن يوضح عند إبداء رأيه سواء بالنشر أو التعليق على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا يمثل رأيه الشخصي فقط ولا يمثل أي جهة حكومية يعمل بها.
وفي السياق قال الخبير القانوني ماجد العاروري إن القرار يعبر عن ثقافة ومنهجية تحكم الحكومة الفلسطينية في ما يتعلق بالتضييق على الحريات والإمعان في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، إذ أنه لم يعد منطقيا الحديث عن حالات فردية لقمع الحريات أو تجاوزات غير مقصودة، لأن نشر مثل هذه القرارات في الجريدة الرسمية وبهذا الوضوح يعني أن الأمر أصبح ممنهجا.
وحذر العاروري في حديثه لـ "شبكة قدس" من أن الهدف من هذا القرار هو عقد محاكمات تأديبية إدارية لكل من يدلي برأي لا يتوافق وموقف النظام السياسي، والقرار كان مقدمة لذلك، وهذا منسجم مع العقوبات التي وقعت على عدد من الموظفين الذين أدلوا برأيهم في قضية اغتيال نزار بنات، وقد اضطر بعضهم إلى حذف ما قام بنشره أو التراجع عنه.
ولفت العاروري إلى أن الموظفين أصبحوا مكشوفي الظهر، حيث أن إلغاء هذه المادة يعني عدم مقدرتهم على الاستناد إليها في الدفاع عن أنفسهم في أي محاكمة إدارية داخلية تُجرى لهم على خلفية التعبير عن الرأي، خاصة وأن هذا النوع من المحاكم يستند إلى مدونات السلوك وأخلاقيات الوظيفة أكثر من رجوعه للقانون الأساسي الذي يضمن ويكفل حرية التعبير عن الرأي.
وأشار الخبير القانوني العاروري إلى أن القانون مثلا يمنع إبداء المنتسبين للأجهزة الأمنية لرأيهم في القضايا السياسية والعامة على افتراض أنهم جهة إنفاذ قانون محايدة، لكن ما يحدث هو أن هؤلاء يبدون رأيهم في كل القضايا بما يتوافق مع موقف النظام السياسي، الذي يغض الطرف عن هذه التجاوزات والممارسات غير القانونية لأنها تصب في صالح موقفه.
وردا على افتراض البعض بأن الحق في التعبير مكفول في القانون الأساسي ولا يحتاج لمادة في مدونة السلوك، قال العاروري إن السياق الذي جاء فيه القرار، والطريقة التي تتخذ فيها العقوبات داخل المؤسسات تؤكد عكس ذلك، لأن المؤسسات تلجأ للقوانين الواردة في مدونات السلوك، متسائلا: إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتم إلغاء هذه المادة بالذات؟.
بدوره لفت القاضي السابق والخبير القانوني أحمد الأشقر إلى أن قرار مجلس الوزراء بإلغاء المادة 22 من مدونة سلوك الموظفين التي تتيح لهم الحق في حرية الرأي والتعبير، كان قد سبقه إقرار مدونة جديدة للسلوك القضائي أفرغت تماما حق القضاة من التعبير عن رأيهم، ومن يعبر من رجال الأمن أيضاً عن رأيه بما يخالف توجهات السلطة يتم إقالته.
وأضاف الأشقر أن كبار الموظفين الذين يعارضون الموقف العام للسلطة يتم أيضا إقالتهم حتى لو كان بدرجة وزير كما حدث مع إيهاب بسيسو، أما المواطنين العاديين، فـ قرار بقانون الجرائم الإلكترونية لهم بالمرصاد وأدراج المحاكم ممتلئة.
ويتفق العاروري في حديثه عن وجود تجاوزات من طرف مؤسسات السلطة بحق موظفين على خلفية التعبير عن رأيهم مع ما جاء في بيان ائتلاف من أجل النزاهة "أمان" والذي أشار فيه إلى ورود معلومات من مواطنين حول تجاوزات إدارية في مؤسسات عامة تنتهك الحق في حرية الرأي والتعبير.
وأضاف "أمان" أن هذه التجاوزات تمثلت بإصدار تعليمات شفهية في عدة مؤسسات عامة، تعرّضَ بموجبها عدد من الموظفين للتهديد بالفصل من الوظيفة العامة، لكل من يعلق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو يشارك في التجمعات السلمية المنددة بمقتل الناشط السياسي والاجتماعي نزار بنات.