رام الله - خاص قدس الإخبارية: شكل القرار الإسرائيلي الأخير القاضي بخصم 597 مليون شاقل من عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية؛ تعزيزاً لأزمة الحكومة المالية التي تعصف بها منذ ظهور جائحة كورونا قبل نحو عامين.
وبحسب القرار الإسرائيلي، سيتم خصم هذه الأموال دفعة واحدة من السلطة الفلسطينية على أن يتم الخصم بواقع 50 إلى 60 مليون شاقل شهريا من السلطة على خلفية صرفها هذه الأموال كرواتب للأسرى وعوائل الشهداء وهو ما يضاف إلى قرارات أخرى تمارس فيها "إسرائيل" قرصنتها على الأموال الفلسطينية.
وتواجه السلطة في العامين الأخيرين تراجعاً كبيراً في حجم المساعدات الخارجية المقدمة من المانحين والممولين الدوليين لها، إذ لم يصل منذ بداية العام سوى 30 مليون دولار أميركي من أصل 210 مليون كانت تتوقع السلطة وصولها لخزينتها.
وبالتزامن مع ذلك، رفض العرب تغطية العجز المالي الذي تواجهه السلطة خلال 2019 و2020 ولم يتم تفعيل شبكة الأمان العربية، وهو ما يدفع بالسلطة للاقتراض الداخلي من البنوك المحلية وعزز من عمليات الجباية المحلية عبر فرض الضرائب.
ويتفق باحثون ومختصون في الشأن الاقتصادي الفلسطيني أن الواقع المالي للسلطة يزداد صعوبة بمرور الوقت، تزامناً مع اتساع القرصنة الإسرائيلية على الأموال الفلسطينية وعدم وجود بوادر للوصول لاتفاق سياسي يوقف هذه العملية.
إعلان تحصيل حاصل للأزمة
في السياق، يقول الباحث والصحافي الاقتصادي محمد خبيصة، إن الإعلان الإسرائيلي الأخير هو تحصيل حاصل للأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، لا سيما مع تنامي الإنفاق الحكومي وعدم وجود أي منح خارجية أو عربية وفي ظل الخصم الإسرائيلي.
ويضيف خبيصة لـ "شبكة قدس" أن الحكومة اقترضت من البنوك خلال الشهرين الماضيين وحتى خلال مارس الماضي لسداد فاتورة الرواتب بشكل كامل وبنسبة 100% عبر قرض مالي خصوصاً مع رفع العقوبات عن رواتب الموظفين في غزة.
وأردف قائلاً: "الإعلان الإسرائيلي الأخير سيؤدي إلى خصم 50 إلى 60 مليون شاقل، وتشكل هذه الأموال إجمالاً ما نسبته 6 إلى 7% من إجمالي أموال المقاصة، بالإضافة للعوامل الأخرى المجتمعة وهو ما يفاقم الأزمة".
وبحسب المختص الاقتصادي فإن العجز المالي للحكومة حالياً يبلغ 150 مليون شاقل شهرياً قبل الاقتطاع الأخير، حيث سيرتفع خلال الفترة المقبلة إلى نحو 220 مليون شاقل ولن تجد الحكومة المقدرة على سداد هذا العجز.
ويتابع: "الحكومة لن تتجه إلى شبكة الأمان العربية لأنها خذلت مرتين خلال عامي 2019 و2020 ولم يتم التجاوب مع الطلب المقدم وتم تجاهله في المرتين، إضافة إلى أن التوسع في جباية الضرائب لن يكون مجدٍ، ولا توجد مصادر دخل أخرى، وستلجأ الحكومة للاقتراض من القطاع المصرفي".
وعن الاقتراض من القطاع المصرفي، يوضح الباحث الاقتصادي خبيصة، أن ما حصل خلال الشهور الثلاثة الأخيرة هو أن الحكومة كانت تسدد الأقساط المستحقة عليها وتعود لاقتراضها حتى تحافظ على السقف الأقصى للاقتراض من البنوك.
ووفق خبيصة فإن إجمالي الديون على الحكومة تبلغ أكثر من 11 مليار شاقل منها 7 مليارات شاقل للقطاع المصرفي بواقع مليارين و200 مليون دولار أمريكي لهذا القطاع، وهو ما يعني أن الحكومة تجاوزت السقف المالي للاقتراض.
ويرجح خبيصة أن تعود السلطة لصرف رواتب موظفيها العمومين بنسبة أقل من الراتب الكامل حال لم يتغير الواقع المالي الحالي، سواء بصرفها بنسبة 75% وحد أدنى 2500 شاقل، وهو ما سيحلق ضرراً بها على صعيد الجباية والإيرادات المالية كذلك.
مسلسل مستمر
من جانبه يقول المختص في الشأن الاقتصادي جعفر صدقة، إن الإعلان الأخير ليس جديداً وهو امتداد لما يجري من خصم مالي على السلطة الفلسطينية منذ عام 2019 وتواصل عام 2020 وها هو يستمر خلال العام الجاري.
ويوضح صدقة لـ "شبكة قدس"، أن إجمالي الخصم المالي على أموال السلطة شهرياً سيكون 52 مليون شاقل بما قد يصل في بعض الأحيان إلى 10% من إجمالي أموال المقاصة التي يقوم الاحتلال بتحصيلها للسلطة وفقاً للاتفاقيات المشتركة.
ويتابع: "تأثير الخصم الإسرائيلي بدأ عام 2019، لكنه يتزامن مع عدة عوامل أخرى بدأت تتراكم مثل انخفاض المساعدات الخارجية؛ فمنذ بداية العام الجاري لم يصل إلا 30 مليون دولار من أصل 210 مليون دولار فيما لا توجد أفق تشير إلى تحسن في المساعدات الدولية على المستوى المنظور، إضافة إلى أن الإصلاحات التي قامت بها وزارة المالية لتحسين الجباية الضريبية وصلت إلى الحد الأقصى ولم يعد هناك أكثر من ذلك فيما يتعلق بزيادة الإيرادات المحلية".
ويرى المختص في الشأن الاقتصادي أن هناك تراجعاً ملحوظاً في الإيرادات المحلية نتيجة تأثيرات جائحة كورونا، عدا عن كون الاقتطاعات الإسرائيلية تزايدت بشكل كبير خلال الـ 14 عاماً الأخيرة بإجمالي مبالغ شهرية تصل إلى 200 مليون شاقل بما يوازي 60 مليون دولار أمريكي.
ويتوقع صدقة أن الأزمة الموجودة ستتفاقم وعلى الأرجح ستضر بالتزامات السلطة تجاه المتعاقدين معها بما في ذلك الموظفين وموردي السلع والخدمات للحكومة، عدا عن أن الحكومة كانت تقترض من البنوك ووصلت إلى سقف يصعب تجاوزه لأنه يشكل خطورة على واقع البنوك.
ويعتقد أن هناك طريقين يمكن معهما تحسين الواقع المالي، إلا أنه يصعب تحقيقهما خلال المنظور القريب، وهما؛ توصل السلطة لاتفاق لوقف التسرب المالي عبر الخصومات التي تصل إلى 500 مليون دولار بسبب قرارات إسرائيلية دون الرجوع للسلطة، وهو اتفاق يصعب تحقيقه في المدى القريب، أو الخيار الثاني المتمثل في استئناف الدول المانحة لمساعدتها وهو مستبعد في ظل الوضع السياسي للسلطة.