فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: لم يثبت حدث اغتيال الناشط المعارض نزار بنات أثناء اعتقاله لدى الأجهزة الأمنية في مدينة الخليل عن "قرار سياسي" لتصفيته- كما يصفه حقوقيون- فحسب، بل كشف قمع المتظاهرين في المسيرات التي خرجت تنديدًا باغتيال بنات وكذلك بالسياسة القمعية التي تنتهجها السلطة الفلسطينية ضد الأصوات المعارضة.
في بيان أممي، يعبر ثلاثة مقررين خاصين للأمم المتحدة، الثلاثاء ٦ يوليو ٢٠٢١، عن قلقهم الشديد من "استخدام القوة المفرطة من قبل قوات الأمن الفلسطينية ضد المتظاهرين، بما في ذلك مزاعم بوقوع هجمات نفذها أشخاص لا يرتدون الزي الرسمي، واستهداف النساء المشاركات في المظاهرات".
ويأتي البيان بعد تسع سنوات منذ حصول فلسطين على دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة عام ٢٠١٢، وانضمامها إلى محكمة الجنايات الدولية، وعملت خلالها الدبلوماسية لدى الخارجية الفلسطينية في الساحة الدولية لتوقيع عدد من الاتفاقيات المتنوعة، ويشير المقررون المعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف إلى أن السلطة الفلسطينية كانت قد "صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن الحق في اعتناق الآراء دون تدخل، وحرية التعبير، عن المعلومات والأفكار بكافة أشكالها".
وقد سبق هذا البيان الأممي ردود فعل دولية منددة باغتيال الناشط بنات من جهة، ومن جهة أخرى إعلان عائلته نيتها التوجه إلى تحقيق دولي في مقتل ابنها ورفضها لجنة التحقيق الحكومية، وفي سياق هذا كله، أصبح مصير الاتفاقيات والمعاهدات التي عملت السلطة الفلسطينية خلال العقد الماضي على الانضمام إليها موضع تساؤل عن مصيرها، وجدواها في ظل غياب التزام حقيقي في الساحة الفلسطينية؟
الاتفاقيات: "وردة على بوابة السجن"
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يصف مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين الاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينية دوليًا، سيما في مجال حقوق الإنسان، بأنها "وردة تضعها السلطة على بوابة السجن، وتعتقد أنها بذلك ستخفي السجن"، ويؤكد جبارين أن هذه الجرائم ضد حقوق الإنسان لن تنطلي على العالم، وستدفع السلطة ثمن هذا السلوك، على كل المستويات بما فيها الدولي.
ويقول جبارين إن "العالم يساعدنا، لأنه يعلم أننا نحاول أن نطبق نموذجًا آخر فيما يخص موضوع الحريات والحقوق والمجتمع والديمقراطية، ونحن، كفلسطينيين، يجب أن نخزى ونخجل إذا كنا نريد تكرار النماذج المحيطة بنا، والشعب الفلسطيني يستحق أن يكون له نموذجه الخاص".
من جانبه، يشير رئيس قسم القانون في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأمريكية د. رائد أبو بدوية إلى أن هذه المعاهدات تنضم لها الدول بإرادتها الحرة، والانضمام لها يعني أن الدول تريد إلزام نفسها بما هو وارد في بنودها، وفلسطين اختارت بنفسها الإنضمام لمجموعة متعددة من المعاهدات الدولية.
وحول الدوافع التي قد تقف حول سعي السلطة الفلسطينية إلى الانضمام لاتفاقات دولية دون نية حقيقية لتطبيقها على أرض الواقع، يُعزي أبو بدوية، في حديث مع "شبكة قدس"، ذلك إلى نية فلسطين الانضمام بركب التوجه الدولي، إذ إن منظومة القانون الدولي والتوجهات الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة حتى اليوم تقوم على فكرة احترام حقوق الإنسان بشكل عام، مبينًا رؤية السلطة في الاتفاقيات الدولية سبيلًا لتعزيز فكرة الدولة الفلسطينية في ظل الصراع مع الإسرائيليين.
ويضيف أبو بدوية أن توقيع فلسطين على الاتفاقيات السياسية الخاصة بحقوق الإنسان، مرتبط بكون معظم المساعدات الخارجية القادمة السلطة الفلسطينية تقدمها الدول الأوروبية، "وحيث أن الأوروبيين لديهم اشتراطات معينة وهذه الاشتراطات مرتبطة بحقوق الإنسان، فالاتحاد الأوروبي يربط المساعدات الخارجية بمدى احترام الدولة لحقوق الإنسان".
من سيف للسلطة إلى سيف عليها
بعد إعلان عائلة الناشط المعارض نزار بنات نيتها التوجه إلى المحاكم الدولية للتحقيق في قضية اغتيال ابنها، بدأ السؤال يُطرح حول كيفية التوجه للمحاكم، وهل ستصبح اتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعتها السلطة في أعقاب انضمامها إلى محكمة الجنايات الدولية كسيفٍ يستخدم لمحاربة إجراءاتها القمعية دوليًأ؟
يوضح أستاذ القانون أن هناك معاهدات تتلقى شكاوى من الأفراد، أي مواطني الدول الأعضاء فيها، وفي حال تطورت الاعتداءات فهناك آليات مثل محكمة الجنايات الدولية واللجوء لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمفوضية التابعة للأمم المتحدة وهي الجهات التي من شأنها إصدار تقارير وإدانة للدول المتهمة بعدم احترام حقوق الإنسان.
ويقول د. رائد أبو بدوية: هناك مؤسسات دولية وهناك سفراء أوروبيون أدانوا الإجراءات الأخيرة، والسلطة أمام مفرق طرق بأن تثبت للمجتمع الدولي والأوروبي عدم تكرار هذه المسائل والأمر ليس مقتصرا على الوعود فقط بل بالأفعال، سواء عبر محاكمة المتهمين والتحقيق في وجود قرار سياسي وراءها وضمان عدم تكرارها.
ويؤكد أبو بدوية أنه في حال عجزت السلطة عن التراجع عن إجراءاتها ومحاسبة المسؤولين، فإنه سينعكس بالسلب على المساعدات الدولية وعلى موضوع الرأي العام العالمي وتحديداً في الوكالات الدولية المختصة بحقوق الإنسان، وهو ما من شأنه دفع المؤسسات الدولية وخاصة التابعة للأمم المتحدة لفتح الباب لتدويل هذا الأمر واعتبارها قضية دولية، "وهو غير مقتصر على قضية نزار بنات ما سيفتح الباب للتدخل في القضايا الداخلي الفلسطينية، وهو أمر ليس في مصلحة الفلسطينيين".