بُحت أصواتنا ونحن نقول كفى للإعتقال السياسي، من العار أن يعتقل الفلسطيني فلسطينياً آخر، فما بالك إذا كان الآخر هذا أسيراً محرراً، ويتم التحقيق معه حول أسباب اعتقال الاحتلال له. من العار أن نحقق مع الأسير حول مسؤوليته في التنظيم في السجن. أو أن يعتقل البعض بسبب توصيله مخصصات مالية "تنظيمية" لأسر الأسرى والتي تقوم بها جميع التنظيمات الفلسطينية عوضا عن المخصصات الرسمية من السلطة.
ليس من العدل أن نقوم باحتجاز فلسطيني دونما تهمة، فيضيع عمله، وتضيع جامعته، فيتأخر عن التخرج منها لا لسبب إلا لكون كاتب تقرير لم يستهويه فلانٌ أو علان. أين الحكمة في أن يُتهم البعضُ بإثارة النعرات الطائفية في بلد التسامح بين المسلمين والمسيحيين، وبين حماس "السنية" وفتح "السنية"..أية نعرات طائفية هي تلك التي أثيرت في بلادنا!
الفضيحة هو أن تعتقل الآخر بسبب اختلافك معه..أو أن تعتقل فلاناً وتطلق سراحه وفي نفس اليوم يعتقل من قبل الاحتلال..والأسوأ هو أن يطلق الاحتلال سراح فلان..وأن تقوم أنت باعتقاله من بيته..أو أن تنتظره على الخاجز لإعطائه استدعاء في اليوم التالي أو الذي يليه. أيُّ عار نمارسه بحق أنفسنا ونحن ما زلنا تحت سطوة الاحتلال!!
سألتُ زميلا صحفيا يعمل في وكالة محلية كبيرة في وقت سابق تربطني به علاقة وثيقة عن سبب عدم نشر وكالتهم لأخبار الاعتقال السياسي التي تحدث بشكل شبه يومي، ويصلنا فيها معشر الصحفيين بيانات رسمية بالتفاصيل..أجابني أن سياسة الوكالة - وهي المشهود لها بالعمل الإعلامي- لا تتعاطى مع أخبار المناكفات الداخلية بين حماس وفتح!!
سألته: هب مثلا أن بياناً رسمياً وصل الوكالة من حماس أو فتح بأخبار اعتقالات واستدعاءات وبالأسماء والتفاصيل، أفلا تنشرون مثل هذه الأخبار؟ فأجابني إن سياسة الوكالة هي عدم الزج بنفسها في المناكفات الداخلية، مع العلم أنه بالإمكان التأكد من صحة البيان من عدمه عن طريق الأسماء المنشورة وبالسؤال عن مناطق سكناهم.
هذا مثال لبعض وكالات الأنباء والأخبار المحلية والتي لا تتعامل فعلاً مع أخبار الاعتقالات السياسية إلا ما ندر، وإن تعاملت مع الخبر فإنها تضعه آخر الأخبار، ولا تقوم بنشر أسماء المعتقلين أو المستدعيين بحجة "الحفاظ على خصوصية العائلة".
هنا أقول أن الإعلام شريك في جريمة الاعتقال السياسي إذا اعتقد أن نشر هذه الأخبار هو تعزيز للإنقسام أو تعميق للشرخ..أصلا الشرخ الفلسطيني عميق وتصعب معالجته..ولكن نشر هذه الأخبار قد يستطيع الحد منها والقضاء عليها عندما تصبح قضية رأي عام.
قضية الإعتقال السياسي خرجت عن كونها استهداف لفصيل معين دونما فصيل، بل أصبحت نهجا متأصلا في كل من يخالف تيار السلطة بالقول والفعل، والثانية أهم من الأولى لإن الفعل له تأثيره المباشر على الجمهور.
فمثلا اعتقال أربعة من أنصار حزب الشعب في طولكرم في وقت سابق بسبب كتابتهم شعارات على الجدران منتقدين فيها سياسة السلطة أثار رأيا عاما في الضفة..وتعاملت وسائل الاعلام مع الخبر بشكل كبير..ولكن لماذا لم يحصل هذا التفاعل مع اعتقال مئات من أنصار حماس والجهاد مثلا؟ أم أنه يوجد انتقائية في التعامل مع أخبار الاعتقالات السياسية لمصلحة طرف دون آخر؟!
سؤال أعرف إجابته مسبقا، هل قامت وسيلة إعلامية محلية بعمل تحقيق صحفي عن فلسطيني اعتقل أكثر من 30 مرة لدى الأجهزة الأمنية على مدى ست سنوات ماضية؟ هل نجد لصاً أو فاسداً تم اعتقاله هذا الكم من المرات؟؟ هل قامت وسيلة إعلامية ما بعمل تحقيق صحفي عن حلمِ تخرجٍ لطالب جامعي أنهكه الاعتقال السياسي؟ أم هل قامت جهةٌ إعلامية بعمل تحقيق عن أسير محرر أمضرى 12 عاما في سجون الاحتلال وصمد طوال فترة التحقيق التي خضع لها وهو يُسأل عن أين أخفى قطعة السلاح التي أطلق منها النار على جنود الاحتلال ولم يعترف بها، وما أن أطلق سراحه فاعتقله الأمن الفلسطيني فاعترف هذا الأسير المحرر على مكانها بسبب ساعات الشبح والضرب والتعذيب المتواصلة!! هل من وسيلة إعلامية تجرؤ على القيام بهذه التحقيقات، لا أظن ذلك.
عناصر الخبر أو التحقيق متكاملة. لماذا لا يقوم الاعلام بدوره بفضح هذه الممارسات، سواء أكانت في الضفة أو غزة، مع يقيني أن الاعتقال السياسي في الضفة الغربية يفوق مثيله في غزة أضعافاً مضاعفة!
هل كان لزاما أن يموت سعدي السخل من نابلس قهراً و"جلطاً" على نجله الذي اعتقلته المخابرات الفلسطينية في نابلس!! ألا يكفيه أن أحد أبنائه مبعد إلى غزة..والآخرُ محكومٌ بالسجن 12 عاما..فنكافئ عائلته باعتقال نجلهم الثالث!!
لو أن وسائل الاعلام وقفت أمام مسؤولياتها الأخلاقية بفضح هذه الممارسات لم يكن الحاج سعدي السخل ليموت قهراً مما رأته عيناه.
على الإعلام أن يتوقف أمام مسؤولياته الأخلاقية وأن يقوم بنشر الأخبار والتحقيقات الصحفية عن ضحايا الإعتقال السياسي والممارسات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني..لا أن نتحجج بأن نشر مثل هذه الأخبار تعزز الإنقسام...فالإنقسام ليس بحاجة لتعزيز...فهو متجذرٌ فينا منذ ست سنوات.