السلطة تمادت وتجاوزت كل الخطوط الحمراء منذ أن رفض رئيسها التحلل من التزامات أوسلو ووقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف العمل باتفاقية باريس الاقتصادية، ورفض تطبيق قرارات مؤسسات منظمة التحرير من مجلس وطني ومركزي وتنفيذية وغيرها من اللجان المشكلة، وإصراره على استمرار نهج الهيمنة والتفرد والاستثمار والسير في نهج التفاوض من أجل التفاوض.
ومن بعد ذلك استمر مسلسل التخبط والارتجالية والعشوائية في القرارات وإدارة الشأن الفلسطيني على قاعدة "قولوا ما تشاؤون وأنا أفعل ما أريد"، ونحن نفكر عنكم وأنتم لستم أكثر من قطيع بشري وقوى وفصائل ومؤسسات لا وزن ولا قيمة لها.
ومن بعدما كنا نستبشر خيراً بأنه بعد غياب خمسة عشر عاماً ستكون هناك انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني وفق مرسوم رئاسي حدد تواريخ تلك الانتخابات، وليفاجأ شعبنا بعد إغلاق باب الترشيح للانتخابات التشريعية وانتهاء فترة الطعون، والدخول إلى مرحلة الدعاية الانتخابية، ولأسباب داخلية تتعلق في أوضاع العديد من الفصائل الداخلية وفي المقدمة منها فتح، ناهيك عن رفض خارجي من بعض قوى المحيط العربي وإسرائيل وأمريكا لتلك الانتخابات، جرى الهروب إلى الأمام والإعلان عن إلغاء إجراء تلك الانتخابات في كلمة حق يراد بها باطل، سلطة آخر اهتماماتها القدس وأهلها، أصبحت حريصة على عدم إجراء الانتخابات دون مشاركة أهل القدس فيها انتخاباً وترشيحاً وعبر صناديق اقتراع في أماكن سكنهم.
رغم أنه قال المقدسيون بأنهم جاهزون من أجل أن يشتبكوا سياساً مع المحتل لفرض تلك الانتخابات عليه، ولكن المطلوب كان عدم إجراء الانتخابات. ومن بعد ذلك استمر مسلسل التخبط و الارتجالية والعشوائية وإصدار "فرمانات" السلطان. فيما يتعلق بإدارة ملف جائحة " كورونا" والملف الوطني السياسي.. ولتأتي معركة "سيف القدس"، وبدلاً من أن تطلق السلطة طاقات الجماهير في المقاومة الشعبية التي تتغنى بها، كانت تقول بأنها لن تسمح بالفوضى في الضفة الغربية، في وقت بلغت فيه الهبة الشعبية الجماهيرية في القدس والداخل الفلسطيني - 48 - ذروتها في اشتباك شعبي شامل مع المحتل وبلطجيته من زعران المستوطنين، وفي الوقت الذي كانت فيه صواريخ المقاومة من غزة تصل تل أبيب وما بعدها، كان هناك من يصرح باسم السلطة بأن رئيسها يدرس ويفكر في الخيارات المطلوبة.. ومن بعد توقف معركة "سيف القدس" كان هم السلطة أن تمر أموال إعمار قطاع غزة من خلالها… فالمال همها الأول، وهمها أن لا يتسرب شاقل إلى قوى المقاومة ولا حتى قضيب حديد أو كيس أسمنت حتى لا تعيد ترميم قدراتها العسكرية.
ومن بعد ذلك فشل الحوار الوطني والذي ليس بمجال لذكر أسباب فشله برعاية مصرية، ومن ثم كانت صفقة اللقاحات منتهية الصلاحية مع دولة الاحتلال، التي ضلعت فيها قيادات من السلطة، وهي وحدها كفيلة بإقالة كل حكومة السلطة على خلفية هذه الصفقة، ولكن السلطة تعاملت مع هذه القضية على قاعدة الشعب ذاكرته قصيرة وينسى، فلجان التحقيق التي شكلتها السلطة سابقاً كانت شكلية وديكورية وبعيدة عن الشخوص المتورطين في القضايا المشكلة لجان التحقيق من أجلها، لجنة التحقيق في تسريب بيت جودة في البلدة القديمة من القدس نموذجاً، شكلها رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله، رحل ورحلت معه دون أي نتيجة أو إدانة أو معرفة المتورطين فيها، ولجنة اللقاحات منتهية الصلاحية واللجنة المشكلة في قتل الناشط السياسي والحقوقي نزار بنات ستكون كاللجان السابقة، لجان من أجل امتصاص الغضب الشعبي والجماهيري، وتفريغ وتنفيس حالة الاحتقان عند الشعب.
السلطة لم توقف الاعتقالات السياسية واستمرت بها من أجل حماية مشروعها الاستثماري الذي تغلفه بغلاف وطني، والآن من بعد اغتيال الناشط السياسي والحقوقي نزار بنات، فإن اغتياله؛ يفتح مجددًا طبيعة دور ووظيفة السلطة وأجهزتها الأمنية، واستباحتها لحقوق المواطنين الديمقراطيّة؛ من خلال سياسة كم الأفواه والملاحقة والاعتقال والقتل، وهذا ما يجب ألّا يسكت عنه أو يمر مرور الكرام؛ فشعبنا الفلسطيني وقضيته أكبر من أن تُحشر في زاوية تقديس الأشخاص أو المؤسّسات على حساب قضيتنا الوطنيّة وحقوق شعبنا وكرامته وحرياته المكتسبة والطبيعيّة، وكذلك فإن مسألة نزع الشرعية عن السلطة وقياداتها باتت مطروحة، وبات من الملح والضروري تشكيل قيادة وطنية فلسطينية مؤقتة من الداخل والخارج تقود كل الشأن الفلسطيني.
السلطة وفي مسلسل تخبطها وارتجاليتها ورؤيتها للأمور من باب الفئوية المفرطة والهيمنة والاستئثار، شكلت لجنة عليا للقدس من لون واحد، ومن جهات رسمية، وكأن أهل القدس وبقية قواها السياسية والمؤسساتية والمجتمعية والشعبية، مجرد حجارة شطرنج أو ديكور ليس أكثر. ومن بعد ذلك كان تأجيل، وهنا التأجيل إلغاء انتخابات نقابة المحامين، تحت ذريعة وجود محام يطعن في كيفية انتخاب نقيب المحامين، والطعن يحتاج للنظر فيه لشهر أو شهرين، ومن يمتد ذلك لسنة أو سنتين.
السلطة تواصل تخبطها وارتجاليتها وقصر نظرها في إدارة الشأن الفلسطيني الوطني السياسي والحياتي المجتمعي الاقتصادي، وتستمر في سياسة مصادرة الحريات وتكميم الأفواه، والتعاطي مع كل من لا يتفق مع سياسة السلطة ورؤيتها، فهو يجب أن لا يكون جزءا من أي قرار، ويجب أن لا يكون موجودا في أي مؤسسة أو حتى وظيفة، فهذه المؤسسات والوظائف حكر على آل البيت، وحتى اللقاءات التي يجريها تلفزيون السلطة الرسمي، هي فقط لمن هم من آل البيت أو يقفون ويتماثلون مع رؤية وسياسة وموقف آل البيت، اسالوا أهل بيتا عن ذلك.