في سنتي الأولى في الجامعة، عندما كنت مواطنة جيدة، لم أحدد موقفي بعد من الأشياء، ولم أكن أعرف بعد عمق القاع الذي وصلنا له، لكني سمعت كثيراً عن العهر السياسي لأجهزة أمن الدولة عبر أشرطة الكاسيتات التي كنت أبتاعها لمظفر النواب؛ قرأت لافتة على باب كلية الإعلام، تنعى فيها الحركة الطلابية وفاة الشيخ مجد البرغوثي (أبو القسام)، وهو إمام مسجد في كوبر، عمره لم يتجاوز حينها 42 عاما، قتل تحت التعذيب على يد الأجهزة الأمنية.. كانت هذه أول ذكرى مادية أحملها في رأسي حول الاعتقال السياسي في سجون السلطة.
وتتابعت بعدها الأسماء، ممن استشهدوا على يد سلطة دايتون.
اليوم، وبقرار مسبق من رأس الأجهزة الأمنية، وبحسب رواية أهل نزار بنات، فجّرت قوة مشتركة تلبس البزة العسكرية من الأجهزة الأمنية باب المكان الذي ينام فيه الناشط السياسي نزار بنات في 3.20 فجراً، بالضبط كما يفعل الاحتلال، وانهالت على نزار بالضرب بالهراوات، تماما كما فعل الاحتلال مع سامر العربيد وغيره في أقبية التحقيق، واقتادته عارياً، بالضبط كما فعل الاحتلال بالأجهزة الأمنية في الانتفاضة الثانية في وضح النهار، ما يعكس حالة (التماهي المتسلط) للأجهزة الأمنية، وظلوا يضربونه حتى أجهزوا عليه، كما يجهز الضبع على فريسته.
لماذا تخاف أجهزة أمن (الدولة) من نجار بسيط، يصور فيديوهات له، ويعبر عن رأيه حول الفساد المستشري في أجهزة السلطة؟ الجواب ببساطة: لأن نزار بنات يعكس بفيديوهاته الشارع الفلسطيني، ويعبر عن آراء الاف المواطنين بوضوح وبدون تمويل أو دعم من جهة مشبوهة، صوت وطني خالص، مجبول بهمّ من في القاع، ويعانون من العهر السياسي الموجود. المميز في نزار أن لديه ما ينقصهم، الكرامة فقط.
تصفية نزار بنات ستفجر الشارع الفلسطيني الملتف حوله، ولن تسكت آلاف الأصوات التي تسمع له، وتشاركه الرأي والتوجه. تصفية نزار، ستحمل بذور فناء هذه الأجهزة القميئة.
ستخرج حتماً بعض الأسئلة المؤسساتية النموذجية والحقيقية، والتي ستتساءل حول ماهية صلاحيات الوقائي والمخابرات في اعتقال ناشط سياسي؟ لماذا لا تأخذ الاجراءات القانونية مجراها، والتي تتلخص: بإصدار مذكرة اعتقال بحق النجار البسيط، لتأتي قوة من الشرطة لاعتقاله. (نقطة). وستكون المطالبة بلجنة تحقيق، على غرار كل لجنات التحقيق التي لم تصل لشيء إطلاقاً، ومحاسبة من قام بالاعتداء. بردة (نقطة).
لكن المختلف هذه المرة، أن المواطن هنا سيشرع بالتحقيق هو نفسه. المواطن البسيط، المتابع لنزار بنات، والذي يشبه بهمّه همّ نزار بنات، ويوافقه على ما محتوى فيديوهاته التي يصوّرها لنفسه، متسائلا حول الفساد المستشري، ومطالباً بانتزاع الحقوق الأساسية من العيش الكريم، والكلمة الحرّة من فم الضبع.
أتساءل كمواطنة لم تعد مواطنة جيدة، وبداخلها غضب وسع المدى:
- ما هي جنسية، وفصيلة دم الموظفين في الأجهزة الأمنية؟ لا بد أن الأجهزة الأمنية قامت باستئجار روبوتات، على غرار "الأشباح" الذين وقعوا صفقة اللقاحات مع الاحتلال، ليقوموا بتصفية نزار بنات بهذه الطريقة؟ استحالة أن تقوم يد فلسطينية بضرب صوت فلسطيني حر بهذه العنجهية، وأن تتبع لجهاز يحمل كلمة (وطنية) في تعريفه؟ّ!
والسؤال الأهم عن الأشباح التي تضايقت من فيديوهات نزار؟ من هو الضبع الكبير الذي أصدر الأوامر بتصفية بنات؟
هل ستخرج الأجهزة الأمنية برواية شبيهة بملقط الحواجب؟! المواطن سيرفض رواية ملقط الحواجب لننزل إلى الشارع (نقطة).