فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: استطاع الاحتلال الإسرائيلي، منذ نكسة ١٩٦٧، بناء ١٥٠ مستوطنة تنهش في أراضي الضفة الغربية المحتلة، ضمن خطته الاستيطانية الرامية إلى احتلال ما تبقى من الضفة المحتلة شيئًا فشيئًا، والشاهدُ أن الاحتلال الإسرائيلي، واستكمالاً لمشروعه الاستيطاني، استقطب المستوطنين من مختلف أنحاء العالم حتى ضاعف في السنتين الأخيرتين من وتيرة الهجرة اليهودية وبالتالي أعداد المستوطنين، وهو ما انعكس على ازدياد واضح في حدة اليمين المتطرف الإسرائيلي.
وبينما أكل الاستيطان، على امتداد السنوات الخمسين الماضية، جزءًا من أراضي أغلب القرى والمدن الفلسطينية، بقيت بعض القرى صامدة أمام وجه هذا التوغل الاستيطاني، وما زالت تقدم حتى اللحظة أرواح أبنائها فداءً لهوية الأرض وفلسطينيتها، ومن هذه القرى والبلدات الصامدة، بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس المحتلة، التي تحارب في هذه الأثناء محاولة السيطرة على جبل صبيح وإقامة بؤرة استيطانية عليه.
السيناريو يتكرر
ليست المرة الأولى التي يحاول فيها المستوطنون إقامة بؤرة استيطانية على جبل صبيح في القرية، فمنذ عام 1985 وحتى اليوم، شهد الجبل محاولات يائسة لإقامة بؤر استيطانية عليه، إذ صعد مستوطنون عليه ونصبوا كرفانات في كل مرة، وسط أمنياتهم في أن تكونش الكرفانات اللبنة الأولى للمستوطنة الـ ١٥١ في الضفة الغربية المحتلة.
وهو ما رفضه شباب القرية التي يزيد عدد سكانها عن ١٢ ألف نسمة فرض معادلة الاستيطان على أراضي قريتهم، وتصدوا لها في بصدورهم العارية، وارتقى عدد من الشهداء في سبيل ذلك، ما أجبر المستوطنين على النزول عن الجبل وإزالة بؤرتهم الاستيطانية.
بأحداث مشابهة لسابقاتها، يتكرر الأمر اليوم في جبل صبيح، ففي ظل انشغال العالم بقضية الشيخ جراح، والعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، برزت أنياب الاستيطان من جديد، وأعاد المستوطنون إقامة كرفانات على قمة جبل صبيح، بالتزامن مع رفده بالتجهيزات والمعدات لتوسيع عملية اسيتطانه بحماية جنود الاحتلال.
ومنذ مطلع أيار الماضي، لم ينزل الفلسطينيون عن الجبل في بيتا في ظل ما تشهده القرية من استنفارٍ شعبي، وإرباك ليلي على خطى المقاومة في قطاع غزة، وقدمت خلال الشهرين ٤ شهداء ارتقوا برصاص جنود الاحتلال الذي يساند المستوطنين في خطتهم، بينما أصيب عشرات الجرحى، وسط حصار يفرضه جنود الاحتلال على مداخل القرية ومخارجها.
جبل العُرمة: الهدف الآخر
وفي العام الماضي، وفي ذروة انشغال العام والفلسطينيين بكابوس وباء كورونا، اتجهت أنظار المستوطنين إلى جبل العُرمة، الجبل التاريخي الأثري وأحد أعلى ارتفاعات جبال نابلس، والجزء الأصيل من أراضي قرية بيتا، إذ حاول المستوطنون بقوة السلاح فرض سيطرتهم على هذا الموقع الأثري بحماية من جنود الاحتلال.
وعلى مدار أسابيع من شهر آذار ٢٠٢٠، رابط أهالي قرية بيتا والفلسطينيون من القرى المجاورة على الجبل ليل نهار، وواجهوا بالصدور العارية وبالحجارة وبإثبات الوجود في وجه السرطان الاستيطاني الذي يطمع بأراضي قريتهم، واندلعت المواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال ما أسفر عن وقوع ما يزيد عن ٢٠ إصابة بالرصاص المعدني والاختناق بالغاز، إلى أن حققت بيتا انتصارها من جديد برفض الاستيطان.
بيتا: صمود الانتفاضة أيضًا
يشهد التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني حضور "أيقونة الصمود الفلسطيني"، كما تُسمى قرية بيتا الآن، في الانتفاضة الأولى، كقرية عتيدة أبَت أن ترضخ أمام الاحتلال ومستوطنيه، وعليها بدأ الاحتلال تطبيق سياسته "تكسير العظام" إبان الانتفاضة ولأول مرة، وذلك بتكسير أيدي وأرجل المقاومين الفلسطينيين والمدافعين عن أرضهم.
وما زالت الذاكرة الفلسطينية تذكر جيدًا أحداث نيسان عام ١٩٨٨، حين اقتحم المستوطنون قرية بيتا، وما قابله من تصدٍ فدائي لهم، ومواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين، أسفرت عن ارتقاء ٣ شهداء، ومقتل مستوطنة في أول حادثة عرفتها الانتفاضة الأولى من حيث حجمها، وعدد شهدائها، والسياسات الإسرائيلية التي لحقتها من هدم البيوت.
وفي أعقاب هذه المواجهة، تفيد الإحصاءات نسف الاحتلال ثلاثة عشر بيتًا في القرية، وإبعاد ستة شبان في البداية إلى لبنان ثم إلى تونس والجزائر، عاد بعضهم فيما بعد، كما اعتقل الاحتلال ما يقارب 400 شاب حينها.