رام الله - خاص قُدس الإخبارية: لم يكد حبر قرار الحكومة الفلسطينية بإلغاء "صفقة اللقاحات" مع الاحتلال يجف، حتى وعادت السلطة عنه بقرارها استكمال وإتمام الاتفاق الخاص بهذا الشأن، وفق ما أكدت مصادر لـ "شبكة قدس"، إذ أنه من المقرر أن تصل دفعة أخرى من اللقاحات في بداية شهر تموز القادم وقد تبقى من مدة صلاحيتها شهر واحد فقط، وهو ما يعني أن السلطة قد ضربت بعرض الحائط كل المطالبات الشعبية والمؤسساتية والفصائلية بإلغاء الصفقة.
وتشير المصادر إلى أن "صفقة اللقاحات" التي ألغيت بعد ضغط الشارع الفلسطيني وتفاعل مواقع التواصل الاجتماعي معها، سببت كذلك أزمة داخل أروقة السلطة، وتحديدا بين رئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ ورئيس الوزراء محمد اشتية، الذي تتهمه أوساط في الرئاسة -بناء على تقارير أمنية قدمت للرئيس- بأنه كان سببا في إثارة الرأي العام بشأن القضية.
وتوضح المصادر أن رئيس هيئة الشؤون المدنية الشيخ توعد يوم أمس في اجتماع عقد بخصوص الموضوع باتخاذ إجراءات حازمة ضد من أثار القضية من داخل السلطة، معتبرا أن رئيس الوزراء اشتية كان طرفا في ذلك، وكانت الخطوة الأولى على هذا المسار هي كسر قرار اشتية بإلغاء الاتفاق، وقد يلي ذلك تغيير حكومي أو تعديلات وزارية واسعة.
وتقول المصادر المطلعة لـ "شبكة قدس" إن هناك اتفاقيتين بخصوص الصفقة، الأولى بين فايزر والسلطة، وقد مثل السلطة فيها وزارة الصحة، والثانية بين السلطة والاحتلال وقد مثل السلطة فيها رئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ والناطق باسم وزارة الصحة كمال الشخرة، وقد كان الاثنان على علم واطلاع بكافة التفاصيل المتعلقة بالصفقة وهم المسؤولون عن الاتفاقية الثنائية مع الاحتلال.
ويطالب الاحتلال بثمن 90 ألف لقاح تمت إعادتها من قبل الحكومة الفلسطينية، وكان من المفترض أن يصل 30 ألف منها إلى قطاع غزة، لكن السلطة رفضت ذلك على اعتبار أن الاتفاق يتضمن بندا يشير إلى أن فائض اللقاحات يعود للاحتلال في نهاية الشهر، إلا أن الاحتلال اعتبر ما جرى ليس إعادة للفائض بل عدم التزام بالاتفاق ككل.
وتقول المصادر إنه بعد موافقة الرئيس محمود عباس قررت السلطة اتخاذ "خطوة حسن نية" تجاه الاتفاق - حتى لا ينظر لها بأنها تراجعت عنه ويترتب عليها التزامات مالية - باستلام اللقاحات التي تنتهي صلاحيتها في شهر يوليو القادم، وهو ما أشارت إليه كيلة بالقول "إن وزارة الصحة ستعيد التفاوض مع شركة فايزر، ووزارة الصحة الإسرائيلية، لاستكمال تنفيذ الاتفاق وفق شروط السلامة والأمان وتواريخ الصلاحية.. سنستأنف المباحثات مع شركة فايزر للحصول على اللقاحات التي تنتهي صلاحيتها في أواخر شهر 7 بأسرع وقت ممكن".
ولكن مسألة استلام اللقاحات التي تنتهي صلاحيتها في نهاية يوليو أيضا مخالفة لأنظمة وقوانين وزارة الصحة التي تنص على حظر إدخال الأدوية واللقاحات التي تبقى لتاريخ انتهاء صلاحيتها أقل من ثلثي مدة الصلاحية، وفق ما يؤكد رئيس اتحاد نقابات المهن الصحية أسامة النجار لـ "شبكة قدس"، والذي أشار إلى أن خللا جرى في هذه الصفقة يتحمل مسؤوليته شخص أو مجموعة أشخاص ويجب تشكيل لجنة محايدة ومستقلة للوقوف على حقيقة ما جرى.
في المقابل تنفي وزيرة الصحة الفلسطينية مي كيلة أن يكون قد ترتب على السلطة أي مبلغ مالي بعد إعادة اللقاحات للإسرائيليين، لأن الاتفاق منذ البداية لا يشمل فرض رسوم إضافية ولا تسديد أثمان الجرعات لـ"إسرائيل"، باعتبار أن الحكومة الفلسطينية كانت سددت أثمانها للشركة الأم، لكن مصادر مطلعة أكدت لـ "شبكة قدس" أن السلطة حاولت إقناع الاحتلال بعدم دفع ثمن الـ 90 لقاح على أن يتم استكمال استلام باقي الدفعات.
ويوم أمس قالت القناة 12 العبرية إن "اللقاحات التي أرسلت لمناطق السلطة وأعيدت من المتوقع أن ترمى في القمامة، بينما اعتبر محرر الشؤون الفلسطينية في هيئة البث الإسرائيلية جال بيرغر في تغريدة أن إعلان الاحتلال عن قرب انتهاء مدة صلاحية اللقاحات فيه نوع من عدم الاحترام والإذلال والإحراج نادرا ما للسلطة دفعها لإلغاء الاتفاق تحت ضغط الشارع، وهو يتفق بذلك مع معظم المحللين الإسرائيليين في تفسير سبب الإلغاء.
لماذا قرر الاحتلال نقل لقاحات للسلطة؟
في يناير2021 رفض الاحتلال دعوة من الأمم المتحدة بشأن توريد لقاحات كورونا للفلسطينيين، واعتبر وزير الصحة الإسرائيلي يولي ادلشتاين - في حينه - أنهم غير ملزمين بتأمين اللقاحات للفلسطينيين، لأنه وبحسب زعمه فإن الفلسطينيين مسؤولون عن إدارة شؤونهم الصحية وفق اتفاقية أوسلو. أما رئيس وزراء الاحتلال الجديد فهو من أبرز المعارضين لنقل لقاحات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة دون إعادة جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة.
وفي 18 يونيو افتضح أمر صفقة لقاحات بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، تشمل تحويل 1.4 مليون لقاح فايزر تنتهي صلاحيتها في يونيو ويوليو للصحة الفلسطينية على أن تستلم الصحة الإسرائيلية نفس عدد اللقاحات من حصة السلطة لدى فايزر، والتي من المفترض أن تصل خلال شهري سبتمبر وأكتوبر القادمين.
وتأتي الصفقة في سياق من الانتقادات وجهت لرئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو الذي اشترى كميات كبيرة من اللقاحات وهو ما أثقل كاهل الخزينة الإسرائيلية، رغم علمه بأن جزءا منها سينتهي تاريخ صلاحيته قبل استخدامه، وهذا ما كان سينطبق على 1.4 مليون لقاح من المفترض أن تتسلمها السلطة بموجب الصفقة، وتبلغ قيمتها أكثر من 30 مليون دولار (وفق السعر الذي تم شراؤه في حينه) كانت الخزينة الإسرائيلية على موعد مع خسارتها.