الخليل - خاص قُدس الإخبارية: أكثر من عشرين عامًا من عمره قضاها الأسير المحرر جواد الجعبري (54 عاماً) داخل سجون الاحتلال، منها أكثر من 350 يومًا في زنازين تحت الأرض، وقد بدأت رحلته مع الاعتقال في عام 1987 ثم في عام 1990 اتهم بتأسيس خلية عسكرية لحركة حماس في الضفة المحتلة، وعلى مدار 17 عامًا فشل الاحتلال بإثبات ولو تهمة واحدة ضده، فكان خيار الاحتلال الوحيد اعتقاله إداريًا من وقت لآخر.
في 1 يونيو الجاري أفرج الاحتلال عن الجعبري الذي يعرف بـ "أبي يحيى"، الذي يعتبر من أبرز شخصيات الحركة الأسيرة في السجون وكان اسمه ضمن قائمة "القدس موعدنا" الانتخابية، ومع ذلك يرفض وصف نفسه بـ "القيادي الحركي أو الفصائلي" لأن كل أسير وفلسطيني هو جنديٌ في سبيل التحرير كما يرى. وقد لا يكون هذا الإفراج والاعتقال الأخير للجعبري، الذي أبلغه ضابط المخابرات ذات مرة أنه "إن تنفست خارج السجن، سأعتقلك".
ماذا بعد العدوان على غزة؟
كغيره من الأسرى تابع الجعبري أداء المقاومة في معركة سيف القدس في مايو الماضي، والتي يرى أنها لعبت دورا رئيسيا في فرض معادلات جديدة على الواقع الفلسطيني برمته وفتحت الأبواب على ملفات عالقة أهمها إعادة الإعمار وصفقة تبادل الأسرى. من وجهة نظره، فإن كلٌ يسوق تلك الوقائع حسب وُجهته، البعض يوجهها نحو إمكانيات حماس، والبعض الآخر يوجهها نحو ما تحاول فتح تحقيقه من أهداف.
ويقول الجعبري في حديث لـ شبكة قدس إن السياق الذي اندلعت فيه الحرب الأخيرة والطريقة التي تعاملت بها المقاومة من خلال ما أظهرته من قدرات "وهنا نتحدث عن المقاومتين الشعبية والعسكرية ونخص بالذكر العسكرية" ساهمت في بث الأمل من جديد في روح الفلسطيني الذي يئس أحيانا، وأسكتت المنادين بانتهاء المقاومة.
وأشار الأسير المحرر إلى أن حركة حماس تمكنت من تحقيق إنجازاتٍ على مستوى العلاقات الدولية والعربية، ظهرت جلية في تغير لهجة الدول التي كانت تظهر العداء الواضح للحركة، أولها مصر، هذا بالإضافة للحديث عن التقدم بملف صفقة تبادل الأسرى والتسجيل الذي سمح بالإعلان عنه خلال برنامج الجزيرة "ما خفي أعظم".
لكن الجعبري يرى أنه إلى جانب الاعتراف بأهمية التطورات التي تولدت عن حرب غزة يجب التنبّه إلى أن المعيقات ما زالت كبيرة وأن العثرات التي تحول بين المقاومة وبين تحقيق تغييرات على المدى القريب - ضخمة.
هل سنشهد صفقة تبادلٍ قريبة؟
يبين الجعبري لـ"قدس" أن الحديث عن إبرام صفقة تبادل أسرى يبدو أكثر تعقيدًا من سابقاته والمؤشرات لا توحي بعقد صفقة تبادلٍ خلال الفترة الحالية لاعتبارات عدة، أبرزها أن الاحتلال اعتبر نفسه دفع ثمنًا كبيرًا في صفقة "شاليط" لدرجة أنه يرى بضرورة عدم التوجه لصفقات بحجم الصفقة السابقة، بالإضافة لحالة عدم الاستقرار في حكومة الاحتلال منذ فترة، عدا عن ضعف الحراك المجتمعي في دولة الاحتلال للمطالبة بالإفراج عن الأسرى الجنود لدى حماس.
ويتابع الجعبري قائلا إن دولة الاحتلال متشككة من وجود أسير خامس لدى المقاومة، ومن صحة وجود الأسيرين "شاؤول آرون وهدار غولدن" على قيد الحياة، أما " منغستو وهشام السيد" فلا يراهم الاحتلال جنودًا ولا أسرى حرب، والمقاومة ترفض المضي بملف الأسرى الحاليين دون الإفراج عن أسرى صفقة شاليط التي أعاد الاحتلال اعتقالهم، مبينًا أن خلال الفترة السابقة كان الوصول لإتمام صفقة تبادل – قريب، إلا أن الاحتلال حاول استغلال ملف إعمار غزة، ما أدى لتراجع الجهود في هذا الإطار.
ماذا عن المصالحة؟
يؤكد الأسير المحرر خلال حديثه لـ "قدس" أن حركة حماس ذهبت نحو المصالحة بعد 14 عامًا من الانقسام وكان سياق التفاهم إيجابيًا عند لقاء نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس العاروري وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، وكان القرار بالذهاب نحو الانتخابات لكن فتح لم تلتزم بالاتفاقات المبرمة والتي أجمعت عليها الفصائل كخيار القائمة الموحدة ولاحقًا تم تأجيل الانتخابات دون مشورة حماس وباقي الفصائل، وأيضا إدراك حركة فتح توسع الحاضنة الشعبية لحركة حماس بعد الأحداث الأخيرة دفعها ذلك إلى عرقلة استثمار إنجازات المعركة بحجة ملف الإعمار والذي تطالب بحصره في يد السلطة الفلسطينية بالضفة.
وعن احتمالية عودة فتح للمسار الصحيح القريب من الشارع الفلسطيني الرافض للاتفاقات مع الاحتلال، قال الجعبري إن الأخيرة ستدرك عاجلًا أم آجلاً أن أمريكا وبعض الأطراف العربية لن يعطوها سوى الوعود الواهية بعد موجة التطبيع منذ العام الماضي، خاصة وأن الاحتلال لن يتخلى عن الاستيطان والمستوطنات بعد تخليه الكامل عن اتفاق أوسلو الذي ترفضه أوساط كثيرة داخل حركة فتح.
وأوضح الأسير المحرر لـ "قدس" أن لقاءات المصالحة مستمرة وأبرز إشكالياتها سعي فتح للسيطرة على مؤسسات السلطة والكلمة الفلسطينية، وهذا من شأنه إطالة وتأخير قطف ثمار الوحدة، مشيرًا إلى أن العُروض الغربية التي تقدم للسلطة الفلسطينية إن وافقت الأخيرة عليها، سيكون ذلك بمثابة انتحار سياسي يضعف الوضع الفلسطيني الداخلي.
العلاقة بين الفصائل في السجون مرنة أكثر من الخارج بحكم التواصل المباشر وفي غزة أفضل من الضفة لوجود حركة فتح تنظيميًا بالقطاع، أما عن الضفة التي فرضت بها السلطة قطيعة مع حماس وتتعرض فيه الحركة للملاحقة الأمنية من الاحتلال، تبدو الأمور فيها أصعب وعصية على الاتفاق نتيجة تخوف قيادات بالسلطة – الجلوس مع قيادة الحركة الإسلامية، وفق ما يؤكد الجعبري.
تجربة الترشح للانتخابات
كان من غير الممكن الحديث عن إجراء انتخابات بمعزل أو تجاهل لدور الأسرى داخل سجون الاحتلال، وحول هذا يروي الجعبري عن تجربته في الترشح للانتخابات مؤكدًا أن الأسرى ليسوا بعيدين عن أماكن صنع القرار وتقديم المشورة للقيادة في الخارج عبر أساليب التواصل البعيدة عن أعين إدارة السجون، مشيرًا إلى دور الأسرى من مختلف الفصائل وتحديدًا في معتقل "عوفر" على رفع التوصيات بضرورة الذهاب نحو المصالحة وعبر بوابة الانتخابات.
ترشح الأسرى للانتخابات يأتي من خلال آلية تشملهم جميعًا من كل المناطق الجغرافية ومن مختلف الأحكام بين المؤبدات والأحكام الإدارية، وذلك عبر التصويت والإجماع على الأسير من قبل لجنة من داخل السجون وخارجها حسبما يقول الجعبري.