غزة - خاص قدس الإخبارية: "عقب التخرج من الجامعة عملنا في مجال البناء، وبعد توقف عجلة البناء بسبب الحصار اضطررنا لبيع الذرة المشوية على رصيف الميناء، وبيع الملابس على بسطة، ومكثنا سنين ننتقل من عمل لآخر إلى أن ابتسمت لنا الحياة ورفعنا عمدان استراحة جالكسي قبل ثلاث سنوات".
"شقينا ليل نهار لتسديد ديون الاستراحة وحين بدأنا بالتقاط أنفاسنا، أتت طائرات الاحتلال الحربية، وقتلت الحارس الليلي للاستراحة الشهيد أديب الصوراني، ودمرت مصدر رزقنا الوحيد"، بهذه الكلمات تحدث مدير استراحة "جالكسي" فارس مطير لـ"شبكة قدس الإخبارية".
وأضاف مطير "رغم الدمار الهائل الذي لحق بالاستراحة التي تحتضن البحر ويحتضنها، إلا أن إرادة البقاء وديمومة الفعل أعادت الاستراحة إلى سابق عهدها بعد إصلاح وترميم ما تم تدميره، لنعيد مزج رائحة القهوة برائحة البحر، لنعيد نبض الحياة للاستراحة ويعود روادها لها، وتعود الحركة نشطة داخل الاستراحة سواء من روادها أو موظفيها.
يتابع مطير "أتشارك العمل مع ابن شقيقتي فادي دلول، حيث ندير الاستراحة التي صممناها بأفكارنا وبنيناها بسواعدنا، وبخلاف أنها مصدر للرزق فنحن نتوق لتزيين وتجميل صورة بلادنا التي ننتمي لها ونحث على مساندة مثل هذه المشاريع السياحية الصغيرة".
تعتبر استراحة "جالكسي" واحدة من عدد من الاستراحات التي تضررت بشكل كبير خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، كاستراحة المالديف، التي نشرت عبر صفحتها على فيس بوك فيديو يوثق روح الأمل والتفاؤل بعد أن دمرت بالكامل، وذلك على أنغام جوليا بطرس "بكرة بيخلص هالكابوس وبدل الشمس بتضوي شموس".
الطعام على قائمة بنك الأهداف
بعد مرور عام على افتتاح مطبخ ومطعم "بيتنا" في برج الجوهرة وسط مدينة غزة، والذي يخرج عن نطاق المطابخ النمطية الغزية، كونه طبخا تديره ثلة من الخريجات والطالبات، ويقدم وجبات تقليدية لأكلات غزية شهيرة، ويمنحك شعور أنك في بيتك تماماً، قامت طائرات الاحتلال بقصف البرج الذي يضم بين جنباته المطبخ ليتحول إلى رماد كما تقول مديرة المطبخ الشيف سجا أبو شعبان لـ"شبكة قدس الإخبارية".
وتحكي سجا عن قصة بناء الحلم قائلة: "عقب نجاحي بالمرتبة الأولى على مستوى قطاع غزة في مسابقة فن الطبخ، بدأت فكرة افتتاح مطبخ تتبلور في ذهني، وتقاسمت الفكرة مع صديقاتي التي تحولت من حلم إلى حقيقة قبل قرابة العام بجهود ذاتية واخترنا مكاناً حيوياً بقلب غزة.
وتضيف سجا: "رغم صرامة العادات والتقاليد في تحفظ المجتمع على عمل المرأة في الأعمال الحرة لكن تجاوزنا كل العقبات وواصلنا الليل بالنهار حتى افتتحنا مطبخنا بتكلفة تجاوزت الـ50 ألف دولار، وبدأنا العمل وحققنا نجاحاً كبيرا، ومع دخول رمضان المبارك طورنا من مطبخنا لاستثمار هذا الموسم وتقديم أفضل خدمة للزبائن حتى أننا وظفنا عدداً من الفتيات، ولم نكن نتوقع أن مطبخنا سيدمر تماماً ونتكبد خسائر تتجاوز الـ80 ألف دولار".
تتحدث سجا بحسرة وألم وتقول إن الساعات التي مرت بين تهديد برج الجوهرة بالقصف وتنفيذ القصف مرت كسنوات طويلة مليئة بالقلق والألم، وحينما تم قصف البرج وعلمنا أن مطبخنا وحلمنا احترق وتناثر، شعرنا بغصة، وبعد انتهاء الحرب، عقدنا العزم أن لا نجعل الاحتلال ينتصر علينا ولدينا إرادة وإصرار على إعادة الروح لمطعم ومطبخ بيتنا قريباً.
وعلى بعد أمتار قليلة من مطعم ومطبخ بيتنا، وبذات البرج نال مطعم "ماجيك بيتزا" نصيبه من الدمار، وهو مطعم مختص بالوجبات السريعة، والذي نشر عبر صفحة المطعم حزنه الشديد وصور كراتين البيتزا كيف كانت ملقاة على الأرض.
800 منشأة
وفي ظل العدوان الأخير على قطاع غزة فإن المنشآت السياحية والاستراحات والمطاعم التي لم ينلها قصف وتدمير وأضرار، تكبدت خسائر مالية كبيرة بسبب الإغلاق وتعطل الحياة.
وتزامنت العملية العسكرية الإسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة مع بدء انطلاق الموسم السياحي ومع رفع القيود المفروضة على قطاع السياحة الذي تكبد خسائر فادحة بسبب انتشار جائحة كورونا حيث كان العاملون في القطاع السياحي ينتظرون بفارغ الصبر حلول الأعياد الدينية وفصل الصيف لفتح أبوابهم التي ظلت مغلقة على مدار عام كامل بسبب الجائحة.
وتشمل المرافق السياحية في غزة مكاتب السياحة والسفر والفنادق والشاليهات والمطاعم والاستراحات البحرية والكافيهات وقاعات الأفراح.
ويضم القطاع السياحي قرابة 800 منشأة سياحية يعمل فيها قرابة 8 آلاف عامل، وبسبب الإغلاقات الوقائية من الفيروس تم تسريح العشرات من العمال الذين لا يجدون الآن قوت يومهم، ومع تدمير عدد من هذه المنشآت ارتفع عدد العاطلين عن العمل.
خسائر قابلة للزيادة
الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية ذكرت أن القطاع السياحي تكبد خسائر تقدر بـ25 مليون دولار، وأن الرقم قابل للزيادة في ظل استمرار معاناة الكثير من المنشآت السياحية.
ومع الحصار المفروض على قطاع غزة وصعوبة الانتقال منه وإليه، فإن السياحة الداخلية أو المحلية باتت المتنفس الوحيد للغزيين، في ظل الأزمات الكثيرة التي يعيشونها، ويعد شاطئ البحر القبلة الرئيسية الأولى لهم.
وقال رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر وسيم معين مشتهى: "إنه في الوقت الذي تعاني فيه شركات السياحة والسفر والحج والعمرة بقطاع غزة من ويلات الحصار والإغلاق والانقسام، وإلغاء مواسم الحج والعمرة بسبب كورونا، جاءت الضربة القاضية من قوات الاحتلال باستهداف عشرات شركات ومكاتب السياحة والسفر والحج والعمرة خلال العدوان الأخير، لتلحق بها خسائر تقدر بأكثر من مليون دولار".
ودعا مشتهى "الأشقاء العرب والمسلمين وشرفاء العالم إلى الوقوف والتضامن معنا من أجل دعم وإنقاذ القطاع السياحي المنكوب"، مشيراً إلى أن القصف والتدمير طال مقر جمعية وكلاء السياحة والسفر الواقع ببرج الجلاء الذي دمر بالكامل".
انهيار وشيك
رئيس جمعية أصحاب شركات السفر والحج والعمرة عوض أبو مذكور قال لـ"شبكة قدس": "منذ حرب 2014 ونحن نعاني من إغلاق المعابر وموسم العمرة كان مغلقا بشكل نهائي حتى عام 2019، الذي سمح فيه بالعمرة لثلاثة أشهر وجاءت كورونا لتتسبب بإغلاق شامل".
ويضيف أبو مذكور، أن شركات السفر والحج والعمرة العاملة بغزة اليوم 74 شركة من أصل 79، وعددها قابل للتناقص إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، حيث يبلغ متوسط مصاريف الشركة الواحدة سنوياً نحو 9 آلاف دينار أردني، لذا قطاع السفر والسياحة مهدد بالانهيار التام، وهذا يعني تشريد أسر كاملة تعد السياحة والسفر مصدر دخلها.
وبين أبو مذكور أن الكثير من المؤسسات الدولية عاينت وضع قطاع السياحة والشركات العاملة فيه، خاصة بعد العدوان الأخير، مطالباً المجتمع الدولي أن يقف وقفة إنسانية مع قطاع غزة، وكل من يمكنه المساعدة قبل أن يباد قطاع السياحة بغزة- على حد تعبيره.