فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: على طاولة الحكومة الجديدة في دولة الاحتلال، تأتي "غزة" في مقدمة الملفات التي تشكل معضلة أمامها، في ظل نتائج معركة "سيف القدس" وما كرسته من معادلات لصالح المقاومة الفلسطينية.
يتفق محللون ومختصون في الشؤون الإسرائيلية، أن حكومة الاحتلال الجديدة التي شكلها تحالف نفتالي بينت ويائير لابيد، "هشة" و"ضعيفة" ومحكومة بظروف سياسية معقدة، تجعلها أضعف من حكومة نتنياهو، في مواجهة الملفات الحساسة التي تواجهها "إسرائيل".
وعلى مستوى المواجهة مع قطاع غزة، فإن القرار بخصوص الاستراتيجيات يقع أساساً بيد المستويات العسكرية والأمنية، وهو ما يؤكده الباحث والكاتب ساري عرابي، الذي يرى أن تغير الحكومات لدى الاحتلال "غير مؤثر بشكل جوهري" بطبيعة العلاقة مع قطاع غزة.
وأضاف: العامل المؤثر الأساسي في علاقة بين دولة الاحتلال وقطاع غزة، هو الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، لذلك لا أظن أن التحولات السياسية ستؤدي إلى تغيرات جوهرية في المواجهة مع المقاومة بالقطاع.
وأشار عرابي في حديث مع "شبكة قدس"، إلى أن نتنياهو كان يحاول أن يضع بعض الشخصيات السياسية في مناصب لها علاقة بالمواجهة مع قطاع غزة، كما حصل عند تسليم أفيغدور ليبرمان منصب وزارة الحرب، وتابع: لكن حتى في هذه الحالات لم يحصل تغيير جوهري على المواجهة.
وقال: التهديدات التي سيوجهها المستوى السياسي في دولة الاحتلال إلى قطاع غزة، ستكون في إطار المزايدات الداخلية، إلا في حال قرر الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تغيير سياسة المواجهة.
وأكد عرابي على أن الحكومة الجديدة لدى الاحتلال "هشة"، وأوضح: الجامع الوحيد بين لابيد وبينت هو الرغبة في إسقاط نتنياهو، وهي لا تحظى بأغلبية ثابتة في "الكنيست"، بالإضافة إلى أنها تجمع عدة أحزاب من اليمين واليسار والمركز، لذلك فإن احتمالية انفراطها كبيرة.
وحول هل ستدفع "هشاشة" الحكومة الجديدة نحو "انفراجة" في قضايا مثل الجنود الأسرى، يرى عرابي أن القضية تعتمد إلى حد كبير على "ما تمتكله المقاومة من أوراق قوة في المفاوضات"، وأوضح: إذا كانت المقاومة تملك جنوداً "أشكناز" أحياء، هذا قد يدفع هذه المقاومة لعقد صفقة كي تقول إنها حققت إنجازاً، والموضوع في الحقيقة معقد ومرتبط بما تملكه حماس.
وأشار إلى أن المقاومة كانت تقرأ الأزمة السياسية لدى الاحتلال، وأدركت أن الاحتلال غير قادر على اتخاذ قرارات كبيرة، وقرأت التحولات في السياسة المصرية تجاه قطاع غزة، وأدركت طبيعة العلاقة "الجديدة" بين نتنياهو والولايات المتحدة بعد وصول بايدن، وحدود عمله العسكري في العدوان الأخير.
ويتفق المختص في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب، أن المحدد الأساسي في العلاقة مع قطاع غزة هو المؤسسة العسكرية والأمنية والاستخباراتية، وأضاف: على الصعيد العملياتي والعسكري من يصوغ الخيارات هو المستوى العسكري، ويكون أمام رئيس الحكومة ووزير الجيش خيارات متعددة كلها من صياغة العسكر والاستخبارات.
وتابع: رئيس الحكومة المقبل شغل منصب وزير الجيش ولم يستطع رغم تهديداته، أن يحدث أي تغير في مسار المواجهة مع غزة، والجديد هو غياب نتنياهو عن المشهد، الذي كانت تقوم استراتيجيته على تعزيز الفصل بين الضفة وغزة، بإقامة تفاهمات ذات جوهر أمني من الخارج، مقابل التهدئة، وهذه التفاهمات أصبحت عبئاً على أي حكومة مقبلة، خاصة أن نفتالي بينت لابيد الذين أقاموا دعايتهم السياسية على رفض هذه المعادلة.
وأشار إلى بيني غانتس وزير الجيش كان يرفض المعادلة التي عمل بها نتنياهو، وسيحاول إقناع الحكومة الجديدة بإعادة تعزيز دور السلطة في قطاع غزة وليس المنظومة الإدارية التي أقامتها حماس.
وأضاف: الأجواء السائدة حالياً في "إسرائيل" تتجه نحو التراجع عن التفاهمات السابقة في غزة، حتى من جانب من صاغوها، الذين يقولون إنها كانت فعالة في وقتها ويجب تغييرها حالياً.
وحول قضية الجنود الأسرى، اعتبر أبو عرقوب في حديث مع "شبكة قدس"، أن ملف الجنود الأسرى يعود "إلى تقديرات المستوى الأمني والاستخباري والعسكري"، وقال: الجيش يريد إغلاق هذا الملف ولكن ليس بأي ثمن، لكن المستوى السياسي القادم ليس أقوى في تركيبته من نتنياهو في حسم هذا الملف لصالح العدد والكم".
من جانبه، يقول الباحث في العلوم الاجتماعية والسياسية، عبد الجواد حمايل، إن السياسات العسكرية الإسرائيلية بشكل عام تتسم "بالثبات"، ويعود تشكيلها إلى الشبكة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال.
وأضاف: عادة ما تكون أمام المؤسسة السياسية خيارات محدودة في التعامل مع ملف غزة وغيرها، وهذا ليس بالمطلق ففي لحظات تاريخية معينة طرح المستوى السياسي خيارات على الجيش للتعامل مع قضايا معينة.
واعتبر أننا لن نشهد تغييرا في سياسة الاحتلال تجاه غزة عن عهد نتنياهو، وقال: الحكومة الجديدة مكونة من تيارات مختلفة، وقد وضعت "فيتو" على تحكم لابيد وبانيت بخيار الحرب والسلم، وهذه الحكومة تشكلت بهدف الإطاحة بنتنياهو، وبعد تنفيذ هذا الهدف فستكون أمام إشكاليات في التعامل مع القضايا الاستراتيجية المختلفة.
وقال: الائتلاف الجديد فاقد "للشرعية السياسية" بمعنى أن رئيس الحكومة لا يملك سوى ستة مقاعد في "الكنيست"، لذلك فإن الحكومة الجديدة أقرب إلى "انتقالية" بين نتنياهو وما بعده، لذلك الائتلاف "ضعيف" وقدرته على البقاء "َضعيفة".
وأشار إلى محاولات جديدة من جانب المستوى العسكري لصياغة "معادلة" جديدة في التعامل مع غزة، وتطرق إلى تصريحات رئيس "الموساد" السابق حول "خطأ" إدخال الأموال القطرية إلى غزة.
واعتبر أن الاحتلال يحاول التراجع عن السياسة القديمة في غزة، ومحاولة إعطاء السلطة دوراً مركزياً في هذا الملف، من خلال العلاقات مع مصر وقطر والأطراف التي تلعب دوراً في الكواليس.
ويرى أن احتمال تجدد المواجهة مع قطاع غزة "قائم"، في ظل الإعلان عن موعد جديد لمسيرة الأعلام، وإمكانية أن تحكم محكمة الاحتلال بتهجير أهالي حي الشيخ جراح أو سلوان.
وقال: أعتقد أن بينت شخصية أضعف من نتنياهو وغير مجرب، واليمين يقول ويهدد ولا يفعل.
وحول الرأي الشائع أن "غياب القيادات التاريخية" عن دولة الاحتلال كأحد العوامل لعدم تمكنها من الحسم في غزة وعلى جبهات أخرى، يرى حمايل أن نظرية غياب القيادات فيها نسبة من عدم الدقة، وأوضح: مجتمع الاحتلال يخرج بعض القيادات بين الحين والآخر، مثل رئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي، الذي يشكل حالة جديدة في المؤسسة العسكرية.
وتابع: عوامل أخرى تدخل في المعادلة بينها تجنب جيش الاحتلال "خوض المواجهة"، والعلاقة بين الجيش والتقنيات الجديدة التي يستخدمها بتجنب المعارك المباشرة، وتجنب القيادات العسكرية القادرة على المواجهة في الجبهات المختلفة.
وأشار حمايل إلى "معادلة الردع الجديدة" في المنطقة، وأوضح: إحدى المفارقات أن كوخافي قال في كلمة أمام مركز الأمن القومي، في شهر شباط الماضي، أن من سماهم أعداء "إسرائيل" غير قادرين على المبادرة للهجوم عليها، وبعد شهور فقط بادرت المقاومة في غزة لإشعال المواجهة، وهو ما كسر هذه المعادلة التي حاول أن يفرضها رئيس أركان جيش الاحتلال.