فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: "أنا الجندي الإسرائيلي… الموجود في الأسر لدى عز الدين القسام، أتمنى أن دولة إسرائيل لا تزال تعمل على استعادتنا"، بهذه الكلمات القليلة بصوت مجهول المصدر، أعادت المقاومة ملف الأسرى إلى الواجهة بقوة مجدداً.
التسجيل الصوتي الذي نشر لأول مرة خلال حلقة على برنامج "ما خفي أعظم"، على قناة الجزيرة، يوم أمس، وشارك فيه نائب رئيس أركان كتائب القسام، مروان عيسى، جاء فيه أيضاً: "إنني أموت كل يوم من جديد، وأشعر بالأمل في أن أكون عما قريب في حضن عائلتي".
فصل جديد من الحرب النفسية التي تشنها المقاومة على حكومة الاحتلال، بدأت يوم أمس مع التسجيل الصوتي، الذي بقي "غامضاً"، بعد أن تعمد القسام عدم ذكر مصدره أو أية معلومات إضافية حوله.
“تكتيكات" مختلفة أدخلتها المقاومة في الحرب النفسية، منذ بداية معركة الأسرى، التكتم الشديد على أية معلومة حول مصير الأسرى وأوضاعهم، وتوجيه رسائل مقتضبة باللغة العبرية لمجتمع الاحتلال وعائلات الجنود الأسرى.
ويرى المختص في الشؤون الإسرائيلية، عصمت منصور، أن المستويات الرسمية في دولة الاحتلال حاولت أن تتعامل على العلن مع التسجيل الصوتي "باستخفاف"، من خلال القول إن "حماس تمارس حرباً نفسياً على الإسرائيليين".
وأكد منصور في حديث مع "شبكة قدس"، أن خطوة المقاومة بنشر التسجيل الصوتي "ذكية"، وأرادت من خلالها إعادة النقاش إلى صفقة التبادل بعد أن حاول الاحتلال ربط ملف الجنود بقضية إعمار قطاع غزة.
وأضاف: اختيار هذا التوقيت من جانب المقاومة يدل على ذكاء وحسن إدارة، كما أدارت المعركة باقتدار، وستجبر الاحتلال على الرضوخ لمطالبها".
بعد إعلان التهدئة في المعركة الأخيرة على قطاع غزة، حاولت حكومة الاحتلال تثبيت معادلة أن ملف الجنود الأسرى مرتبط بقضية الإعمار، وهو ما حملته تصريحات وزيري الحرب والخارجية، وأكدت المقاومة إصرارها على أن الإعمار قضية إنسانية غير مرتبطة بملفات أخرى وأن الجنود لن يخرجوا إلا بعملية تبادل.
وحول أسباب تأخر الصفقة، يقول عصمت منصور إن صفقة شاليط شكلت ما يشبه "الصدمة" في دولة الاحتلال، لذلك احتاجت إلى فترة طويلة كي تتقبل تمرير فكرة عقد صفقة في ظل إصرار المقاومة على مطالب كبيرة.
وأشار إلى أن الأزمة السياسية في دولة الاحتلال أحد الأسباب الأساسية في تأخر عقد الصفقة، وقال: ربما في حال تشكلت حكومة جديدة في "إسرائيل" قد تدفع باتجاه عقد صفقة تبادل أسرى جديدة.
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمود المرداوي أن "مقص الرقيبب العسكري الإسرائيلي" حاضر في قضية الجنود الأسرى، وإلا لكتبت الصحافة الإسرائيلية كثيراً عن التسجيل الصوتي.
وأضاف في حديث مع "شبكة قدس": "الاحتلال لا يريد أن يوظف أدوات ضغط عليه"، وأشار مرداوي إلى توصيات اللجنة التي شكلها الاحتلال بعد صفقة تبادل شاليط التي قالت إن "وسائل الإعلام الإسرائيلية شكلت عامل ضغط على القيادة السياسية لإنجاز صفقة تبادل".
وقال: اللجنة رأت أنه من الحكمة تجنب ضغط وسائل الإعلام، وعندما يرى الاحتلال أن المقاومة قادرة على إيصال رسائل إلى المجتمع الإسرائيلي لإنضاج الجو لعقد صفقة تبادل، يتدخل مقص الرقابة العسكرية لمنع الإعلام من نشر هذه الرسائل.
ويتفق مرداوي مع الرأي الذي يقول إن أحد أسباب تأخر الصفقة هو "عدم الاستقرار السياسي" داخل دولة الاحتلال، وأشار إلى أن حكومة الاحتلال لا تريد أن تكون "صفقات التبادل" متتالية من باب "ردع" من يريد تنفيذ عملية خطف، وأن "من يخطف الجنود سيكون الأمر مكلفاً عليه، كما يحصل في تشديد الحصار على قطاع غزة".
وأضاف: تقريبا وضعت حكومة الاحتلال خمس سنوات كحد أدنى لعقد صفقة، في حال عجز الجيش والأجهزة الاستخباراتية عن الوصول إلى مكان إخفاء الجنود الأسرى.
واعتبر أن وجود ما يسمى "باليمين المتطرف" في حكومة الاحتلال، الذي لا يريد عقد صفقة، أحد أسباب تأخرها، ولا يؤيد هذا الاتجاه "لاعتبارات سياسية منفعية خاصة به".
وأكد أن التسجيل الصوتي الذي نشرته المقاومة "مهم جداً"، وأشار إلى توجيه مسؤول ملف الأسرى والمفقودين عائلات الجنود إلى نفي أن يكون الصوت لأبنائهم، في سياق التخفيف من تأثيره على الوضع الراهن.
وقال مرداوي إن المقاومة نوعت في وسائل الحرب النفسية للتأثير على العدو، كي تستطيع أن تجند الرأي العام الإسرائيلي للضغط على حكومة الاحتلال، في المنطق المعاكس تحقق أهداف عائلات الجنود، وحق الأسير رعايته وتبديله على أسرى آخرين، لكن حكومة الاحتلال لا تفكر من منطق إنساني، بل في سياق "الردع"، والمقاومة تقول مستعدون بالتضحية من أجل الوطن، لكن ملف الأسرى لا يحل إلا بالتبادل.
وسبق للمقاومة أن نشرت مقطعين مصورين في نهاية العام 2016، وظهر في الفيديو الأول أشخاص يلبسون زي جنود الاحتلال ويغنون للجندي الأسير شاؤول آرون، ويجلس أحدهم على كرسي متحرك، وجاء في مقطع الفيديو الأول "ثلاث سنوات آرون في سجن حماس"، وفي آخره عبارة "عام جديد والجندي شاؤول بعيدا عن أهله" باللغتين العربية والعبرية.