غزة – خاص قدس الإخبارية: بعد أكثر من أسبوع على إعلان وقف إطلاق النار المتزامن بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مازالت الحِراكات الدولية والإقليمية تسعى لتثبيت وقف إطلاق النار، مع فتح ساحة لبحث شروط الطرفين في مساعٍ لفرض هدنة طويلة الأمد، والبحث في الترتيبات المحتملة لإعادة إعمار غزة، بينما يدور الحديث في أروقة الدبلوماسية المصرية عن جهود لعقد صفقة تبادل أسرى.
وفي هذا السياق، شهدت المنطقة تحركات سياسية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بزيارة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى مدينتي رام الله وتل أبيب المحتلتين، وبالإضافة إلى الجهود القطرية خاصة في مسالة إعمار غزة، عاد مصرُ إلى الواجهة الإقليمية من جديد برعايتها المحادثات بين الطرفين، بزيارة الوفود الأمنية المصرية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما وصل وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي غابي أشكنازي القاهرة، للبحث في الشروط والملفات العالقة، في زيارة هي الأولى منذ عام 2008.
فرص هدنة طويلة الأمد
يقول الصحفي الإسرائيلي ألون بن مئير في مقالة حول تداعيات الحرب الأخيرة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية: "لم يعد قرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالرد الفوري (بشكل غير متناسب) على أي استفزاز لحركة حماس، كما كان الحال في كل حرب، هو الحل"، وهو ما يبحث عنه الاحتلال حقيقة، ففي خطاباته الأخيرة، لم يُخفِ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن نية حكومته في بحث فرص إمكانية عقد هدنة طويلة الأمد مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي ظل عدم استقرار سياسي يشهده الاحتلال، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي أن الحراكات الدائرة حالياً تستهدف الوصول إلى تثبيت لوقف إطلاق النار، لكنها تتزامن مع عدم استقرار في الأوضاع السياسية الإسرائيلية الداخلية.
وأشار النعامي في حديثه لـ "شبكة قدس" إلى أن عدم وجود حكومة حتى اللحظة من شأنه أن يعرقل فرص الوصول إلى اتفاق حقيقي على الأقل خلال الفترة الراهنة، موضحًا أن السيناريو الأقرب في ضوء الواقع الراهن هو العودة لما كان سائداً في السابق عبر الوصول إلى الهدوء مقابل هدوء دون تحقيق اختراق حقيقي.
صفقة التبادل إلى الواجهة من جديد
في الوقت الذي انطلق فيه رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل إلى قطاع غزة، ورام الله وتل أبيب المحتلتين، أعاد الإعلام المصري ضخ قضية تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير، وبحسب الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف فإن "الاحتلال حتى هذه اللحظة، يريد أن يكذب على جمهوره حتى النهاية، ولكن قد تكون الظروف التي حدثت والظروف السياسية داخل الكيان قد يدفع نتنياهو للاستجابة والقيام بصفقة تبادل قريبة."
ويضيف الصواف في حديث لـ "شبكة قدس": " الاحتلال دائما يطرح قضية الأسرى أمام أي مشكلة، وأعتقد أن الاحتلال يفهم حقيقة الواقع بأن تبادل الاسرى قضية مختلفة عن كل القضايا الأخرى، ولكنه يناور، وحتى هذه اللحظة لم ينجح وبقيت المقاومة على شروطها"، موضحًا بأن هناك ترابط صحيح بين ملفي التهدئة والتبادل، ولكن ليس هناك ترابط بصلة كاملة، وكل ملف لديه إرادته وأدواته.
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل د. بلال الشوبكي فإن "الاحتلال الإسرائيلي معني بتقديم شيء للمجتمع "الإسرائيلي"، لأنه فشل في المواجهة العسكرية الأخيرة، وكان واضحا للإعلام بأن اليد العليا كانت للمقاومة ولذلك على الاقل يحاول الاحتلال أن يقدم لمجتمعه أن نهاية هذه الجولة من المواجهة، كانت بإعادة الجنود الإسرائيليين."
ويعقب الشوبكي في حديث لـ "شبكة قدس": "وهذا ما لا تريده حركة حماس، فهي تريد أن تأخذ مسارًا منفصلا، أي نعم تريد عملية التبادل وتسعى إليها لكن ليس ضمن هذا المسار، هذا المسار مرتبط بمدينة القدس ومشاريع أكبر تمارسها الاحتلال، ولذلك هذا الاصرار من قبل حركة حماس مدفوع بعد رغبتها تقديم صورة بأنها قامت بكل هذا العمل العسكري من أجل تحريك ملف تبادل الأسرى، مع أنه كان بالإمكان تحريكه دون الوصول لمرحلة المواجهة العسكرية."
زخم التحركات: ما السبب؟
يرى الشوبكي أن مصر سعيدة بالعودة إلى مربع السياسة الإقليمية أو إلى دائرة النفوذ على المستوى الإقليمي، حتى لو كان هذا النفوذ مؤقت وطارئ ومدفوع من قبل قوى إقليمية غير راغبة للانخراط مباشرة في هذا السياق، إلا أن مصر استثمرت ما جرى في الساحة الفلسطينية من أجل إعادة تقديم نفسها في المنطقة.
وحول زخم هذه الجهود، يقول أستاذ العلوم السياسية أن هذا التدافع الدولي والإقليمي من أجل تثبيت وقف إطلاق النار يأتي مدفوعا بمحاولة إنقاذ الموقف من وجهة نظر إسرائيلية، أو بتعبير آخر هو محاولة إنزال إسرائيل عن الشجرة، لأن المشهد الذي كان دائرا بين المقاومة والاحتلال كان لصالح المقاومة بكل المقاييس."
وفي نظرة بعيدة، يشير الشوبكي إلى أن التخوف من عدم استمرارية وقف إطلاق النار هو حقيقة غير متربط بالمقاومة العسكرية في قطاع غزة، وانما مرتبط بشكل أساسي بإعادة تجدد المقاومة الشعبية في الضفة الغربية وأراضي ٤٨ والقدس، مما يجعل من استمرار "اسرائيل" في مشاريعها الاستيطانية وتحركاتها في القدس أمرًا شبه مستحيل.