غزة - خاص قُدس الإخبارية: في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الفلسطيني بكل قطاعاته الزراعة والصناعة والتجارة من تراجع كبير بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 2007، وجائحة كورونا التي دخلت عامها الثاني، أتى عدوان الاحتلال ليدق مسماراً جديداً في نعش الاقتصاد الغزي.
العدوان الأخير الذي استمر 11 يوماً فقط تسبب بأضرار اقتصادية قاربت الـ50 مليون دولار وفق تقديرات أولية، إذ كان الاقتصاد الفلسطيني في بؤرة الاستهداف وتجلى ذلك من خلال قصف المنشآت الاقتصادية والمصانع والمناطق الزراعية.
بنك الأهداف: مصنع "آيس كريم"
"بعد أن كنت مالكاً ومديراً لمصنع كبير، اليوم لا أجد مصدراً للدخل، واضطررت أن أعمل سائق أجرة حتى أوفر حياة كريمة لأسرتي، ناهيك عن الديون الكبيرة المستحقة والتي تحتاج لسداد"، بهذه الكلمات وبصوت تخنقه العبرات يتحدث سامي محمد الغزالي صاحب ومدير مصنع معتوق للبوظة والمرطبات الذي دمره الاحتلال خلال العدوان الأخير.
ويقول الغزالي لـ شبكة قدس :" لدينا عدد من الأفرع في قطاع غزة لبيع الأيس كريم، لذا أنشأنا مصنعاً كبيراً، واخترنا المدينة الصناعية شرق غزة المعروفة باسم باديكو رغم ارتفاع تكلفة الإيجار والإنشاء فيها، على اعتبار أنها آمنة وتتوفر فيها الكهرباء بشكل دائم".
ويضيف الغزالي: "خسائر المصنع بلغت نحو 500 ألف دولار أمريكي، حيث أتت حمم الاحتلال على المصنع بشكل كامل، فلم يعد لدينا ماكينات ولا مواد خام ولا بنية تحتية أو فوقية، وكأن المصنع تبخر وكأنه لم يكن".
ويرى أنه لا مبرر للاحتلال في استهدف مصنعاً للمثلجات أو أي مصنع في المدينة، مؤكداً أن الاحتلال لن ينجح بهذا الإجرام في تفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة والتمسك بقضيتهم.
وأوضح أن المصنع كان يعمل فيه 85 عاملاً وموظفاً وإدارياً عدا العاملين في الأفرع ولكل منهم أسرة يعيلها، والآن كلهم عاطلون عن العمل، ولا دخل لهم، "فنحن أصحاب المصنع مثلاً بعنا أراضي من أجل بناء المصنع قبل نحو سنتين ونصف واستدنا لإنشائه، واليوم خسرنا كثيرا وعلينا ديون فما بالك بالعمال البسطاء".
زيادة طابور الفقراء
من جهته قال مدير مصنع السكسك، المهندس إبراهيم حسونة، لـ شبكة قدس :"قصف الاحتلال مصنعي آخر يوم بالعدوان، قبل الهدنة بسويعات قليلة دون أي مبرر، لم أتوقع قصفه مطلقا لأنه بمنطقة حدودية آمنة لها حق اتفاقية خاصة، ولكن الاحتلال يريد تدمير الاقتصاد الفلسطيني".
وأضاف "المصنع الذي أنشئ عام 2005، على مساحة ثلاث دونمات في المدينة الصناعية - باديكو، دمر بالكامل وكل ما كان في المخازن وهو إنتاج آخر ثلاث أشهر، والخسائر الأولية تقدر بمليون دولار"، مبيناً أن المصنع كان يحتوي على المواد بلاستيكية متنوعة.
وأشار حسونة إلى أن خسائر مصنع السكسك ستطال أيضاً 100 عائلة، يعمل أبناؤها في المصنع، أي أن طابور العاطلين والفقراء والمحتاجين سيطول للأسف- على حد تعبيره، آملاً أن يتم تعويضه وتقديم المساعدة للعمال بأقرب وقت.
كما نال مصنع "فومكو" حظه من صواريخ الاحتلال، حيث قال أحد عمال المصنع لـ شبكة قدس : "كان المصنع، الممتد على مساحة ستة دونمات، المصدر الرئيسي للمراتب في الجيب الساحلي، إن الخسائر تقدر بنحو 4 ملايين دولار".
سابقة خطيرة
مدير عام هيئة المدن الصناعية في وزارة الاقتصاد الوطني عماد الحوراني قال لـ شبكة قدس :"إن الاحتلال استهدف المنطقة الصناعية شرق غزة ودمر 18 منشأة صناعية، منها 10 مصانع تم تدميرها بشكل كامل، و8 منشآت لحق بها أضرار جزئية"، موضحاً أن عملية حصر الأضرار مستمرة ولا يوجد رقم واضح للخسائر.
وأوضح الحوراني أن المصانع التي استهدفت تعد حيوية وتغطي جوانب مهمة، والخسائر لم تقف عند حد المبنى بينما طالت الآلات والمواد الخام والمكاتب، "وحتى المصانع المتضررة جزئياً فإنها تحتاج لترميم ومواد خام والكثير من العمل حتى تعود للعمل".
وبين أن المدينة الصناعية شرق غزة معروف عنها أنها آمنة ولم تتعرض قبل العدوان الأخير للاستهداف، وهذا ما شجع الكثير من المصانع الانتقال إليها، مستدركاً "لكن الاحتلال لا يوجد لديه خطوط حمراء وهو يسعى لتقويض الاقتصاد الفلسطيني، ولا يلتزم بالاتفاقات والعهود، رغم أنه تعهد بعدم استهداف المنطقة الصناعية".
وقال الحوراني :" الاحتلال يرسل رسالة واضحة أن الحرب على قطاع غزة تستهدف كل القطاعات وعلى رأسها البنية الاقتصادية بهدف تقويض الاقتصاد بغزة، وتراجع الوضع الاقتصادي في غزة ككل".
وحول العمال الذين تضرروا من استهداف المصانع في المنطقة الصناعية قال مدير عام هيئة المدن الصناعية :" إن نحو 800 عامل باتوا بلا عمل، وهم يعيلون نحو آلاف الأفراد"، مبيناً أنه جرى التواصل مع وزارة العمل لدعم العمال، مشيراً إلى أن الخسائر غير المباشرة ستتكشف في قادم الأيام والتي ستكون كبيرة للأسف.
واستعرض الحوراني جهود وزارة الاقتصاد لحصر الأضرار ومساعدة المصانع للعودة للعمل،" فمنذ اللحظة الأولى بدأت وزارة الاقتصاد الوطني بحصر الأضرار، وعقدت اجتماعاً مع أصحاب المصانع، حيث جرى التأكيد لهم أن الوزارة تقف معهم وستعمل لعودة دوران عجلة الإنتاج".
وأضاف "أعدنا شبكة الكهرباء والمياه للمنطقة الصناعية، ووفرنا مساحات أخرى جديدة لبناء خطوط إنتاج جديدة بدل الخطوط التي تضررت في المنشآت التي تضررت جزئياً، ولكن فيما يتعلق بضرر كلي فالأمر يتعلق بتمويل إعادة الإعمار ككل".
إعادة الإعمار والتعويض أسرع
الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة الاقتصادية محمد أبو جياب قال لـ شبكة قدس :"إن سياسة الاحتلال في استهداف القطاع الاقتصادي قديمة جديدة، وهو جزء من ضرب مقومات الصمود الفلسطيني لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية".
وأضاف أبو جياب "استهداف الاحتلال للمدينة الصناعية شرق غزة والتي تتمتع بحماية دولية، يعتبر انتهاك لآخر مكان آمن للمنشآت الاقتصادية بغزة، لذا فهذا تجاوز إسرائيلي خطير، أدى لتعطيل آلاف العمال وأسرهم، وانتهاك واضح للاتفاقيات المتعلقة بالمدن الصناعية".
وحول صورة الوضع بغزة بعد استهداف القطاع الاقتصادي؛ يرى أبو جياب أن المشهد سيكون" مزيدا من البطالة والفقر وتغيب القدرة الانتاجية والارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي واعتماد على الاستيراد والاستهلاك بعيداً عن نظريات البناء الاقتصادي الداخلي المرتبطة بعمليات الإنتاج والتصنيع".
وأكد أبو جياب أن هذا المشهد هو هدف استراتيجي للاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعمق عملية الارتباط والاستهلاك ويخفض الإقبال الفلسطيني على الاستثمار الصناعي والانتاجي، وبالتالي المزيد من الخروج وهروب رؤوس الأموال، وأيضاً مزيدا من البطالة .
وحول إعادة الإعمار، يعتقد المختص الاقتصادي أبو جياب أن عملية إعادة الإعمار ستكون أسرع من المرات السابقة، وقال: "التوجهات الدولية وخاصة الولايات المتحدة تؤكد أنهم ذاهبون لدعم القطاعات الاقتصادية والتنموية بغزة على أمل تغيير الواقع الاقتصادي للمواطن الفلسطيني، وهي بهدف عزل القواعد الجماهيرية عن الفصائل والمقاومة".
سياسة إسرائيلية يمكن عكس أهدافها
من جهته قال المختص في الشؤون الإسرائيلية محمد خليل مصلح : "إن المستوى الاستخباري لدى الاحتلال كان ضعيفاً في العدوان الأخير، وأن بنك الأهداف غير دقيق، وعجز الاحتلال عن ضرب أهداف عسكرية، وأصبح الوقت ضيق ولا يسعفه".
وأضاف مصلح لـ شبكة قدس " لذا فكر بالأهداف المدنية حتى يسوق لمجتمعه أنه يملك بنك أهداف، وحتى يؤلم المقاومة والشعب الفلسطيني ويدفعه للتهدئة تحت وطئة الردع والحسم، وكانت المنشآت الاقتصادية من أبرز الأهداف المدنية لما لها من تأثير على المجتمع الغزي ولاعتقاد جيش الاحتلال أنها تمثل ورقة ضغط على المقاومة".
واعتبر مصلح أن استهداف الاحتلال للمنشآت الاقتصادية أدخل الاحتلال إلى خانة المساءلة أمام العالم، وكشف عدم أخلاقيته.
وقال المختص في الشؤون الإسرائيلية :" الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بالاحتلال وفق اتفاقية أوسلو وملحق باريس الاقتصادي، ولكن يمكن من خلال المفاوضات التي تجري بطريقة غير مباشرة مع الاحتلال أن يتم السماح لقطاع غزة بالتعامل الاقتصادي مع العالم من خلال مصر، وهذا يعني كسر الحصار عن غزة".
وأضاف "كسر الحصار عن غزة يكون ضمن مطالب واشتراطات إسرائيلية منها تهدئة طويلة، واتمام صفقة تبادل أسرى لا تحرج الاحتلال".