ترجمة خاصة - قُدس الإخبارية: خط سير قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار من مكان انعقاد المؤتمر الصحفي الذي عقده إلى بيته أنتج الكثير من التفسيرات لدى المحللين والمعلقين الإسرائيليين، الذين يدركون جيدا أن السنوار خبير في الجمهور الإسرائيلي ومتابع وقارئ للصحافة العبرية ومدرك لتأثير ما قام به على الأوساط الإسرائيلية، لذلك ليس غريبا أن يطلب الوفد المصري منه التوقف عن استفزاز "إسرائيل" كما سربت بعض المواقع العبرية من بينها موقع صحيفة "إسرائيل اليوم".
يريد السنوار -كما يبدو- أن يمنع القادة الإسرائيليين، عسكريين وسياسيين، من التعلق بقشة صورة نصر لم تتحقق في المعركة. ضخ الإعلام العبري في الأيام التي تلت انتهاء المعركة باتجاه أن حماس رُدعت وأن قادتها ليسوا في مأمن من الاغتيال، ونقلت مواقع عبرية من بينها "والا" عن مسؤول عسكري إسرائيلي -لم تكشف عن هويته- أن اغتيال قائد كبير في حماس إن توفرت معطيات استخباراتية دقيقة أمر ممكن حتى لو كان ذلك سيقود إلى جولة قتال جديدة.
بهذه التهديدات الإنشائية حاول المستويان العسكري والسياسي في "إسرائيل" معالجة أثر الهزيمة في الذهنية الإسرائيلية العامة، في ضوء أن بعض الصحفيين والمواقع خرجوا عن صمتهم وعبروا بصراحة أن "إسرائيل" لم تحقق صورة النصر، كما في مقال الصحفي الشهير بن كسبيت، وفي سلسلة تقارير هآرتس التي جاءت تحت عنوان "حماس انتصرت بقوة" والأمثلة كثيرة في هذا السياق. ومن هنا يمكن الإدراك أن السنوار يعالج عكسيا هذه الجهود التي يقودها القادة الإسرائيليون، وأثبت لجمهورهم أن "إسرائيل" ردعت ولن تخرج لجولة قتال أخرى لأنها هزمت والدليل أنه وضع إحداثيات خط سيره بين أيديهم على الهواء مباشرة فلم تجرؤ على المس به.
يحاول السنوار بهذا السلوك أن يؤذي الوعي الجمعي الإسرائيلي، الذي حدد ضمنيا هدفين رئيسيين للمعركة الأخيرة: اغتيال الصف الأول من حماس خاصة قائدها السياسي في غزة يحيى السنوار ورئيس أركانها محمد الضيف ونائبه مروان عيسى، ومنع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنات والمدن المحتلة.
وكان واضحا بالنسبة للإسرائيليين أن المقاومة أفشلت الهدف الثاني وتحول الهدف إلى حلم، أما الهدف الأول فقد وجدت النخبة الإسرائيلية فيه أنه متنفس وحيد للعب على وتره على قاعدة أنه قابل للتحقق إن لم يكن في المعركة فبعدها، والأخطر في كل كذلك هو إمكانية تقبل إطلاق الصواريخ لدى الإسرائيليين لإيمانهم أن المعالجة العسكرية الميدانية لا يمكن أن تنجح تماما، أما مسألة الاغتيال فهي مرتبطة بالردع وبعوامل أكثر استراتيجية، وبالتالي شعورهم بأن القوة الحامية لهم قد ردعت وهذا له أبعاده النفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية على هذا الجمهور.
يمثل السنوار بالنسبة للإسرائيليين رمزا كما الضيف ومروان عيسى، وكل ما يصدر عنه من سلوك يخضع للتحليل والقراءة من أضيق الدوائر إلى أوسعها داخل "إسرائيل"، فلو ظهر محتاطا متأهبا سيكون التفسير المباشر لذلك عند الإسرائيليين أنه خائف ومردوع، وتحقق بذلك دعاية المستويين العسكري والسياسي الإسرائيليين أهدافها داخليا، وما نظر له بعض على أنه شعبوية مفرطة كان سلوكا مركزا ومكثفا ومؤذيا للطرف الآخر، ويبدو أن ما ساعد السنوار على بناء هذا السلوك الموجه هو قدرته على تفكيك الخطاب الإسرائيلي بكل حيثياته وقراءة خفاياه وآثاره وأهدافه، وبالتالي يمكن القول إنه يدير الآن معركة مع الجمهور الإسرائيلي متجاوزا إعلامه وخطاب قادته، مستكملا المعركة ورسم صورة النصر.