رام الله - خاص قدس الإخبارية: لم تقتصر نتائج معركة سيف القدس والأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح على انتصار معنوي وفعلي حققه الفلسطينيون، بل امتد ليشمل تعرية الدعاية التي حاول الاحتلال ترويجها منذ نشأته حتى اليوم كدولة ديموقراطية تسعى للسلام، مقابل حملات شيطنة واسعة للفلسطينيين "كأعداء الأمن والسلام".
وإلى جانب ذلك سعي الاحتلال إلى إثبات وجوده سياسيًا خاصة في دول المنطقة من خلال عقد اتفاقات التطبيع، والتي نشطت عربيًا العام الماضي، يعمل الاحتلال في إطار دبلوماسية رقمية على تحسين صورته شعبيًا وذلك عبر تعزيز وجوده في الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي بلغات عدة منها العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والهندية، بثت من خلال صور "التسامح مع إسرائيل" و"إرهابية الفلسطينيين".
خلال الأسابيع الأخيرة، شهد العالم تحركات شعبية واسعة للضغط على الحكومات بإعادة تحديد علاقتها بـ"إسرائيل"، والمطالبة بقطع هذه العلاقة في دول أخرى، وشهدت عواصم الدول الأوروبية الكبرى ومدن الولايات الأمريكية مسيرات حاشدة غير مسبوقة دعمًا للقضية الفلسطينية، ومنددة بالاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح المهدد بالتهجير والإخلاء.
في الوقت ذاته، رافقت هذه المسيرات وحملات الضغط العالمية التي تزامنت مع وجود نوابٍ مسلمين ومدافعين عن القضية الفلسطينية في الكونغرس الأمريكي مثل رشيدة طليب وإلهان عمر، حملة إلكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، باستخدام الأوسمة والمؤثرين العرب والأجانب، عملت على إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وحاولت إعادة توجيه الدعم العالمي الشعبي والرسمي تجاه فلسطين كدولة تقع تحت الاحتلال، وفي الوقت ذاته شكلت إعلامًا مضادًا قويًا للدعاية الإسرائيلية التي صبّ الاحتلال كل جهده فيها من خلال اللوبي الصهيوني في الغرب.
في حديثه لـ "شبكة قدس" يقول أستاذ الإعلام والعلاقات العامة د. حسين الأحمد إن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا هذه المرة، إذ كان هناك نوع من الوعي في التعامل مع الرسالة الإعلامية، وتوجيهها بفعالية للعالم العربي والغربي، ويضيف الأحمد: "السوشال ميديا حققت لأول مرة حراك الكل الفلسطيني في الداخل والضفة وغزة والشتات، وأوروبا والعالم الغربي، الذي كان فيه حراك أقوى من العالم العربي نظرًا للحيز الديموقراطي في تلك المجتمعات."
ومؤخرًا، أوصى معهد الأمن القومي الإسرائيلي بمنع الصحافة الأجنبية من دخول القطاع في أي معركة مقبلة لما لذلك انعكاس سلبي على صورة "إسرائيل" في العالم، وهو ما يعبر عنه الأحمد بسعي الاحتلال جاهدًا لتحييد الإعلام بدلًا من تجنيده ضمن أسطوله لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني.
وحول ذلك، يشير أستاذ الإعلام والعلاقات العامة إلى تغيرٍ في تغطية وسائل الإعلام العالمية الموالية للاحتلال، ومحاولتهم الوقوف الى نقطة التقاء ترضي الحكومة الإسرائيلية من خلال الحديث عن صواريخ المقاومة الفلسطينية التي انطلقت تجاه الأراضي المحتلة، ومن جهة أخرى ترضي الضغط العالمي من خلال تغطية هدم الأبراج وقتل المدنيين في القطاع، وبحسب الأحمد فإن "الإعلام الغربي بشكل عام يتجه الآن إلى محاولة الحفاظ على مصداقيته أمام شعوبه نظرًا لانتشار واسع في السوشال ميديا الذي كان في ناشطين عرب ومسلمين وجزء كبير منهم أجانب."
من جانبها، تقول المذيعة الإسرائيلية يونيت ليفي في مقالٍ عبر القناة 12 "إن إسرائيل لديها مشكلة علاقات عامة صعبة بالنسبة لكثير من سكان المنطقة والعالم، لأنه ببساطة لا يشتري الرواية الإسرائيلية"، وقد ساعدت الأحداث الأخيرة ومعركة سيف القدس إلى هدم هذه الرواية "الإسرائيلية" التي حاول الاحتلال خلقها خلال العام الماضي، الذي شهد هرولةَ دول عربية إلى التطبيع، حاول الاحتلال فيها خلق نوع من التعايش بين الشعوب العربية ذاتها بعيدًا عن الحكومات، من خلال البعثات الثقافية والاقتصادية وعبر صفحاتها الناطقة بالعربية.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي عماد أبو عواد فإن "هبة الفلسطينيين بشكل عام، أعادت القضية إلى مسارها الطبيعي، ليس لأن الناس لا تسمع عن القضية الفلسطينية، بل لأنه توجد قوة فلسطينية الآن، والقوة هي التي تحكم وتحدد مسار الصورة أمام العالم، وبالتالي لما كان الفلسطيني قوي ويدافع عن حقه، فقد أعاد لقضيته هيبتها أولا، وثانيا أعاد المطبعين ومسار التطبيع كله إلى الوراء."
وحول زيادة الأصوات العالمية الواصفة الاحتلال بالإرهاب، يرى أبو عواد أن زيادة انتقاد "إسرائيل" يؤثر على مشروعها بشكل كامل ويؤثر على اليهود بشكل عام ككل، وهذا الموضوع يشكل همًا كبيرًا حتى كثير من يهود العالم بدأوا يتراجعون عن فكرة الدعم الموجه "لإسرائيل".