غزة - خاص قدس الإخبارية: "إن تدمير الاحتلال لمكتبتي ما هو إلا دليل على خوفه الكبير ورعبه من الوعي والثقافة، وكل ما يساهم في نشرهما، ويقينه التام أن الكلمة هي السلاح الذي يفضحه ويظهر قبحه"، بهذه الكلمات علق صاحب مكتبة سمير منصور على تدمير الاحتلال الإسرائيلي مكتبته بغزة.
وقال بصوت ممزوج بنبرات الألم: "هل يريد الاحتلال طمس التراث والثقافة والفكر الفلسطيني كإرث غسان كنفاني ومحمود درويش وغيرهم من المفكرين والمثقفين وأصحاب الفكر؟ فهو لن ينجح .. لن ينجح".
مكتبة سمير منصور، إحدى أكبر وأهم المكتبات في غزة، وأحد المعالم العلمية والثقافية في القطاع، تم إنشاؤها مطلع التسعينات وزخرت بالكتب التاريخية والثقافية والعلمية، وأضحت قبلة للمثقفين والأكاديميين وطلاب العلم، حيث تعرضت المكتبة للتدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، "في محاولة يائسة منه لدفن الرواية وكي الوعي الفلسطيني وإطفاء المنارات التي يهتدي بها شعبنا" – كما يقول صاحب المكتبة.
ويضيف صاحب المكتبة "ثوان قليلة كانت كفيلة أن تزيل وتمسح 30 عاماً من العمل الدؤوب والجهد المتواصل، كانت سنوات العمل على تحقيق حلمي بإنشاء مكتبة ضخمة توفر الكتب القيمة والموسوعات العلمية والثقافية لأبناء قطاع غزة".
ويتابع منصور "بمرور السنين كبر حلمي، وبات مكتبة ودار نشر تتبنى وتصدر شهادة ميلاد لمؤلفات الكتاب في جميع المجالات، حتى جاء الاحتلال، ودمرها دون رحمة، القصف والنيران التهما المكتبة، ولم يبقيا منها شيئاً".
واختتم منصور حديثه لشبكة قدس قائلا:" سأعيد البناء من جديد، وطالما العقول حية، فإن الحلم لن يموت".
ونشرت صفحة المكتبة على حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، مقطعا يوضح تدمير المكتبة إثر عمليات القصف التي تقوم بها طائرات الاحتلال الحربية على قطاع غزة، تحت عنوان: "الاحتلال الإسرائيلي يدمر مصدر الثقافة وأكبر دار نشر في قطاع غزة".
الإحتلال الإسرائيلي يدمر مصدر الثقافة وأكبر دار نشر في قطاع غزة.
— مكتبة سمير منصور (@samirbookshop) May 18, 2021
حسبنا الله ونعم الوكيل????????#مكتبة_سمير_منصور#GazaUnderAttak pic.twitter.com/0G4J36DsXG
منارات في مواجهة النار
مكتبة سمير منصور هي إحدى المنارات العلمية والثقافية والفكرية التي قام الاحتلال بتدميرها في عدوانه على غزة، والتي من بينها المكتبة الوطنية العامة ومكتبة إقرأ ومكتبة سمير منصور والرؤية والنهضة، وكذلك مركز الرائد للخدمات الطلابية والعلمية، ومركز نفحة للدراسات والأبحاث ومركز فلسطين ومنتدى الأمة للتنمية، وغيرها من المؤسسات الثقافية والفكرية.
وعمدت الآلة العسكرية الإسرائيلية إلى استهداف المكاتب العامة في محاولة يراها البعض لمحو التاريخ والثقافة الفلسطينية، وكذلك حرمان الفلسطيني من توسيع آفاقه الثقافية ومداركه العلمية.
إقرأ.. إقرأ
لا يختلف حال صاحب مكتبة إقرأ شعبان سليم، عن حال صاحب مكتبة سمير منصور، حيث اغرورقت عيناه بالدمع وهو يقول لـ"شبكة قدس": "مكتبتي حلمي البسيط الذي خرجت منه من هذه الدنيا، طوال عمري وأنا أتعب وأرهق نفسي من أجل هذا المشروع، خسرت أكثر من 50 ألف دولار، لا يوجد لدي أي مصدر دخل بعد اليوم".
وأضاف "كنت أحرم أولادي وعائلتي من أجل استكمال إنشاء المكتبة، وجئت اليوم لأخذ بعض الكتب المحروقة لتبقى من رائحة المكتبة، نسأل الله أن يعوضنا خيراً، وحسبي الله ونعم الوكيل في الاحتلال الذي يستهدف العلم والمعرفة فهو يريد أن يخلق شعباً جاهلاً".
وكانت مؤسسة مشارق والتي تعد أكبر شركة متخصصة في مجال الدعاية والإعلان والتجهيزات الفنية في قطاع غزة، والتي تأسست منذ 22 عاماً؛ مهداً للكثير من الفنانين والمبدعين والمواهب الشابة، في مختلف المجالات الفنية والإعلانية.
مشارق وفي بيان صحفي لها بعد استهداف مقرها، أكدت أنها ستبقى تعمل ولن تتوقف ولن ينجح الاحتلال في إضعاف عزيمة المؤسسة وعامليها، وأنها ستبقى على قدر التحدي مع الاحتلال، وأطلقت مشارق وسماً لها ودعت كافة المؤسسات لتبنيه وهو "الفكرة ما بتموت".
إدانة وتضامن
الهيئة العامة للشباب والثقافة في غزة أدانت في بيان وصل "شبكة قدس" ما وصفته بـ"الجرائم البشعة" التي مارستها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، واستهدافها المتعمد للمنشآت الثقافية.
وقالت الهيئة: "العدوان المستمر واستهداف البيوت الآمنة ومراكز العلم والثقافة دليل واضح على وحشية الاحتلال الذي لا يراعي أي قيم حضارية أو ثقافية، وهو دليل على عقلية عنصرية لا علاقة لها بالقيم الحضارية والإنسانية".
ودعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمنظمة العربية للثقافة والعلوم (الألكسو)، وكافة المنظمات العربية والدولية، إلى التدخل العاجل لكبح جماح الاحتلال، ووقف جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وشعبه من الهجمات المستمرة على التراث الثقافي الفلسطيني.
من جهتها، استنكرت وزارة الثقافة الفلسطينية، استهداف الاحتلال المؤسسات والمقرات الثقافية والتعليمية والصحفية، خلال عدوانه "الغاشم" على قطاع غزة، مناشدة كل المؤسسات العربية والدولية بضرورة التدخل العاجل لوقف ممارسات الاحتلال بحق الثقافة الفلسطينية، وحماية الموروث الثقافي.
وفي السياق؛ أطلق اتحاد الناشرين المصريين برئاسة سعيد عبده، مبادرة لدعم مكتبة سمير منصور في فلسطين وكل المؤسسات الثقافية، داعياً أعضاء الاتحاد لتقديم وإهداء كمية من إصداراتهم لمكتبة سمير منصور ليتسنى للمكتبة استئناف ومزاولة نشاطها.
تضامن تخطى العرب
مثقفون ومفكرون حول العالم استنكروا جرائم الاحتلال بحق الثقافة الفلسطينية، ففي تغريدة حققت أكثر من 6000 إعجاب و4500 إعادة تغريد، قالت الفنانة والكاتبة الأمريكية مولي كرابابل: "دمّرت القنابل الإسرائيلية مكتبة سمير منصور، أكبر وأكثر المكتبات شهرة في غزة، العمل النابع من القلب والإبداع والموهبة التي كانت تصب في هذا المكان باتت الآن رماداً".
أما الصحافية والكاتبة الكندية ناعومي كلاين، فشاركت تغريدة كرابابل معلقةً عليها: "ولن يُسمع نحيب كل هؤلاء الأشخاص الذين يفترض شعورهم بالذعر من تأثير حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) على التبادل الفني والأكاديمي والثقافي".